البطولة: الجيش الملكي يرتقي إلى الوصافة عقب انتصاره على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر العبري والصهيوني المعاصر أدب لزرع قيم الصهيونية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 26 - 02 - 2011

الأدب الذي أنشأه اليهود عبر تاريخهم لا يحمل صفة أدبية وقومية واحدة وذلك نظرا لتعقد مسارهم التاريخي العبراني والاسرائيلي الصهيوني. ورغم قلة المراجع خاصة في المكتبات العربية الخاصة عموما بالأدب اليهودي قديما وحديثا -كما يقول محمد الصالح العياري في بحثه حول «الشعر العبري والصهيوني المعاصر» الصادر عن دار المعارف للطباعة والنشر بتونس- فإن الباحث عمل على إنجاز هذا البحث إيمانا منه بكون الادب يمثل عموما السجل الصادق والواقعي لتاريخ الشعوب والامم عبر تطورها وانحدارها ومن ثمة البحث فيما جسدته وحققته الاداب اليهودية والصهيونية في هذا المضمار.
ويرى الباحث محمد الصالح العياري أن من الاسلحة النظرية التي اعتمد عليها الكيان الصهيوني لتمجيد الشخصية اليهودية الصهيونية ودعم وجودها القانوني والاخلاقي تتمثل بالدور الذي لعبه الادب الصهيوني بكافة اغراضه لأجل الدعاية وغرزالقيم الصهيونية وتجذيرها في عقلية اليهودي الصهيوني.
وبهذا الصدد، فقد جعل الادباء اليهود الصهاينة مضامين ابداعاتهم الفنية والادبية لخدمة الصهيونية السياسية بكل الوسائل الضرورية. وعمل الباحث على كشف سمات العنصرية وملامح العرقية اليهودية التي صبغت معظم مضامين الادب الصهيوني،مشددا على استبعاد الروح الانفعالية والنظرة الدونية في هذه الدراسة آخذا بعين الاعتبار عدم السقوط في اللاسامية كما يؤكد مقتصرا على بعض الموضوعات الشعرية التي أفرزها الكيان الصهيوني على أيدي رموزه من الكتاب والشعراء البارزين ما قبل دولة الكيان الصهيوني وبعده.
وقسم الباحث الاداب اليهودية عبر التاريخ إلى الادب اليهودي القديم أو الادب العبري وهو أدب كتبه العبرانيون الذين انحدروا من شمال جزيرة العرب والادب الصهيوني الحديث، وهو أدب مكتوب في العديد من لغات العالم بما فيها اللغة العبرية الحديثة.
والادب العبري، هو أدب أنشأه العبرانيون كجماعة من البشر وهم قوم -كما يؤكد ذلك الدكتور أحمد سوسة في كتابه «العرب واليهود في التاريخ» - من القبائل العربية في شمال جزيرة العرب وفي بادية الشام ، لغتهم آنذاك لغة فلسطين الكنعانية.
ويعتقد اسرائيل ولفنسون صاحب كتاب «تاريخ اليهود في بلاد العرب» أن كلمة «عبري» تشمل جميع الآراميين وكلهم عرب نزحوا من موطنهم الاصلي في شبه جزيرة العرب قبل أن يكون لليهود وجود في العالم.
وفي كتابه «تاريخ سورية القديم» ينقل الاستاذ احمد داود عن الباحث دارفر ان الثورة حينما تحدثت عن لغة جماعة موسى لم تقل لغة العبرانيين بل دعتها لغة كنعان ثم أسموها بعد ذلك «يهوديت» بعدما اقتسبوها وتكلموا بها،ويضيف درافر بأن حاخامات اليهود وجدوا بأن أفضل طريقة يمكن اتباعها لربط تاريخهم بأقدم العصور هو استعمال مصطلح عبري.
سپينوزا وشعب الله المختار
يقول الفيلسوف اليهودي سپينوزا في كتابه «رسالة في اللاهوت والسياسة» ردا على الأفضلية الإلهية التي يدعي اليهود أن الله خصهم بها دون غيرهم «إن اليهود ليسوا الشعب المفضل دون غيره أمام الإله كما يظنون عادة، وبالتالي فهو ينكر العهد القديم والوحي الباطني الخاص بهم. أما كيف تم اختيار اليهود كأفضل شعب عند الله، فإن هذا الاختيار قد تمس بسبب ما يتمتعون به من صفات مادية وليس بسبب امتلاكهم للتقوى والفضيلة ».
ويتابع سپينوزا فكرته الفلسفية التاريخية كما جاء على لسان محمد صالح العياري حول شعب الله المختار متسائلا كيف يكون اليهود شعب الله المختار وتاريخهم هو الاسر في مصر وخضوعهم المتواصل للفلسطينيين تم مجاعتهم وتاريخ سادوم وعامورة... وربما ليس العهد القديم تاريخ الشعب المختار عند الله بل هو تاريخ العصيان المستمر والتنقل والهجرة والتخطيط للمكائد في كل مكان يستقرون فيه. وهكذا لم تكن الرحمة سبيلهم والخير غايتهم. لقد كانوا منذ فجر وجودهم قراصنة للوباء والماء وحقودين على الحرية.
انطلاقا من هذه الشهادة لفيلسوف يهودي ذاق من بني قومه العذاب والتنكيل -يقول الباحث العياري- يسقط امتياز اليهود عن غيرهم من البشر أمام الحقائق التي كشفت تاريخهم ووجودهم الذي لا يختلف عن أي وجود آخر إلا أن الصهيونية السياسية استطاعت وبوسائل لا أخلاقية أن تحتفظ بتلك الاساطير القائلة بفكرة «شعب الله المختار» وقصة «أرض الميعاد» في فلسطين، وبالعودة إلى ينابيع الادب اليهودي القديم نجدها متعددة المصادر والاتجاهات، لكن معظمها -كما تقول دراسة محمد صالح العياري- نجده مستوحى من الدين اليهودي والحكايات الشعبية العبرية.
واستشهد الباحث في هذا السياق، بقصص «نشيد الانشاد» لسليمان الحكيم في الكتاب المقدس. وهي أنا شيد كرست موضوعاتها لوصف الحبيب، حيث أن هذا الوصف أكد بصور تدفع إلى الدهشة والانبهار على الفهم الراقي ل«الجميل» عند اليهود القدامى و مدى عشقهم للجمال، أو كما في قصة «روث» العبرية التي تمثل نموذجا للأدب العبري القديم الذي يحمل معنى النبل والأخلاق.
ويرى الباحث أن هذه القصة هي علامة بارزة للمثل الأعلى في الخير الذي آمن به اليهود في المراحل التي قبلوا فيها السلام وتاقوا إلى الخير والفضيلة كغيرهم من الشعوب الاخرى، ولكن هذه القفزات التي حققوا فيها اسهاماتهم الابداعية العالية المستوى كانت قليلة مقارنة بمراحل العصيان.
أوربا تتخلص من نفوذ اليهود الاقتصادي
إذا كانت فكرة الديانة اليهودية قد جاءت لترسيخ مثل أخلاقية شاملة ثم العمل على توسيع هذه المثل والعمل بها كقيم عليا في العمل الاخلاقي، فإن اليهود لم يقبلوا تعاليم التوراة الحقيقية، بل إنهم آمنوا بالكتاب المقدس طمعا في التواب وخشية من العقاب، وبالتالي فإنهم كانوا دائما على عكس طرق الايمان الصحيحة باستثناء المعلمين والاحبار الذين كانوا يطبقون التعاليم الموسوية لأجل الخير وسمو الفعل الاخلاقي بالرغم من الصرامة والقساوة التي يمارسونها في معتقداتهم اليهوية.
في هذا الاتجاه يقول الفيلسوف باروخ سپينوزا حول المسألة العبرانية ومشكلة الوحي والنبوءة التي جاءوا بها أن العبرانيين لم يحبوا الله سوى طمع في التواب. ولقد جهل العبرانيون قبل ظهور المسيح النعيم الحقيقي فأطاع أكثرهم تقوى القانون ولكنهم لم يحبوه حقيقة ولذلك لم يكونوا أحرارا، ولم يعطوا الخير الحقيقي وهو اطمئنان النفس، بل لقد أعطاهم الرزق المادي فحسب. وبهذا المعنى نفهم ان اليهود ومعظمهم من السواد العام لم يعطوا معنى كبيرا لزرع القيم الاخلاقية في العالم، وحتى لا نقع في اذكاء اللاسامية -يقول المؤلف- فإن تاريخ اليهود حافل بمتناقضاتهم ومحاربتهم لكل القيم التي تقف في طريق طمعهم المادي واستغلالهم المالي بكافة السبل، هذا ما يتنافى ومثل الخير والجمال والاخلاق التي يسعى البشر إلى تحقيقها بوسائط السبل الخيرة والنبيلة.
قبل ظهور القوميات الاوربية في القرن 19 لم يكن هناك مسألة يهودية. ولم تكن قضية تكوين قومية وأمة يهودية مطروحة على بساط البحث الدولي. ولم تكن بالأساس مطروحة على اليهود أنفسهم -يقول محمد الصالح العياري- باستثناء بعض اليهود الطامحين إلى تشكيل أمة يهودية، انطلاقا من الدين اليهودي، وبعض خصائص الجماعات اليهودية. وهنا يمكن استحضار ما قاله ماركس ثم انجلز في تعرضهما للمسألة اليهودية التي يجردانها من كل الادعاءات القومية ومقومات الامة وبالتالي يفضحان زيفها ويكشفان المخطط الاستعماري الذي ابتدعها لأجل السيطرة الاقتصادية والمالية على العالم. وبهذا المعنى يقول ماركس، بأن المسألة اليهودية ليست إلا مسألة خاصة باليهودية الاحتكارية الرأسمالية في تحالفها مع الرأسماليات الاوربية الغربية إبان صعودها إلى المرحلة الامبريالية العالمية. ولهذا، فقد وجدت في مسألة القومية اليهودية والعزف على تأسيس وطن قومي لليهود بعدا ايديولوجيا استعماريا لزرع نفوذها الرأسمالي والامبريالي الدولي بالرغم من افتقار هذه المسألة اليهودية إلى مقومات الأمة والقومية في التاريخ.
وتصب آراء المفكر اسحاق دويتشر في نفس السياق، إذ أثبتت التجارب التي مرت بها دولة اسرائيل أن اسرائيل كمجتمع ودولة لم تقم على أساس المشروع الديني اليهودي ولم تسع منذ نشوئها ككيان صهيوني إلى تدعيم مركزية نشوء الأمة القومية اليهودية المزعومة بل أبانت عن الدور الاستيطاني والاستعماري لحماية الرأسمالية والامبريالية الدولية في العالم.
وجد بعض السياسيين الماليين الاوربيين بانه قد بات الامر ضروريا للتخلص من اليهود الاوربيين، وضرب نفوذهم الاقتصادي المتزايد على الساحة الاوروبية، ولاجل احتواء وعزل هذا النفوذ المالي لليهود، وضعت عدة خطط سياسية اوربية للقضاء عليهم بصورة او باخرى، واستمرت المشاورات السياسية السرية بين اصحاب الرأسمال الاوروبي وبعض قادة اوربا السياسيين بشأن القضية اليهودية الى أن اهتدوا اخيرا الى هذا الجيل الذي لخصوه «لا يمكن ان نضرب اليهود الا باليهود أنفسهم».
وتم الشروع الاوربي اخيرا في تحديد امكانية ترحيل اليهود وزرعهم خارج القارة الاوربية باجمعها.
ومنذ ذلك الحين، بدأت محنة اليهود من جديد، و بدأت مرحلة العذاب بالنسبة للقوم الذي هجروه واحتلوا بلاده بالقوة بمساعدة الاحلاف الاوروبيين الرأسماليين، الذين قرروا التخلص نهائيا من اليهود من نفوذهم الاقتصادي. وكانت جماعة هرتزل اليهودية اول المجموعات ا ليهودية التي وقعت في الفخ الاوربي الرأسمالي الامبريالي الداعي لحل المسألة اليهودية من خلال منحهم وطنا قوميا، ويحققون بذلك اعظم امنية يهودية في التاريخ، وهي العودة الى الارض الموعودة في فلسطين، وبذلك ولدت الصهيونية السياسية من احشاء النزعة القومية العنصرية في القرن 19 التي كانت سببا مباشرا في احياء جذوة المسألة اليهودية المزعومة التي لم يكن لها اساس موضوعي في التاريخ.
- بباليكك: الشاعر الديني
عملت الصهيونية السياسية في ا لعالم، على توظيف كل مقومات الشعب اليهودي العقائدية والدينية والثقافية والادبية، لاجل فكرة الانبعاث القومي لليهود.
ولعل ما قامت به الصهيونية السياسية في توظيفها للادب العبري و الصهيوني المعاصر لاجل دعم فكرة الاستيطان اليهودي والانبعاث القومي، لا يخرج عن حركية الايديولوجية الصهيونية السياسية التي استعملت كل مقومات الوجود اليهودي التاريخية لغاية تنفيذ مشروعها الاستيطاني والاستعماري.
واذا كانت الايديولوجية -كما يرى صاحب الشعر العبري والصهيوني المعاصر-« ان السياسة عادة ما تسبق الفن والادب وتؤثر في مجراهما، فإن الادب او الفن يمكنهما ايضا ان يسبقا ظهور السياسة، فيمهدان لظهورها ويرافقان شكلها التاريخي، وهو ما حصل بالتحديد مع الصهيونية السياسية التي مهد الادب العبري الحديث والصهيوني السياسي الى ظهورهما ونشوئها كظاهرة استعمارية في التاريخ.
وقد صاغ فكرة القومية الانبعاثية اليهودية رواد الحركة الصهيونية السياسية الاوائل مثل هرتزل واحاد عاهام وتشيرنيخوفيسكي. وبن غوريون، الخ. و قد تمت فصولها كالتالي: تهجير اليهود والرأسمال اليهودي الى خارج القارة الاوربية،و ان هذا التهجير يعتبر حجر المسألة الاساسية في حلف الصهيونية السياسية، وكان ذلك لاجل خدمة هدفين اساسيين سعت الرأسمالية الاحتكارية الاوربية الصاعدة انذاك الى تحقيقها بكافة السبل، نفي الرأسمال اليهودي الاحتكاري الى خارج اوربا، وهو الذي بات يشكل تحديا وتنافسا حادا ضد المصالح الاحتكارية، كما ان روسيا تعتبر نموذجا من البلدان الاوربية التي ساهم اليهود الروس الى جانب رأسماليي القياصرة الاحتكاريين في جر اقتصادها الى الهاوية.
يرصد المؤلف في هذا الكتاب مسار شعراء، ويضع ابداعاتهم امام المساءلة النقدية. من خلال التدقيق في ما يعتبر دعوة للحركة الصهيونية، وما يستجيب لروح الشعر.
وبحث محمد الصالح العيادي في هذا الباب في موضوعات اهم شاعرين يهوديين معاصرين جعلت منهما الحركة الصهيونية احدى الدعائم الادبية الهامة في تاريخ الادب الصهيوني المعاصر واستغلت شعرهما لدعم النظرية الصهيونية واهدافها وهما تشيرنيخوفسكي وبباليك،وقد تزامن شعر كل منهما مع البروتوكولات والتحركات الاستعمارية التي كانت تهيء لتأسيس الكيان الصهيوني، اضافة الى المؤتمرات والندوات اليهودية الخاصة التي رافقت عمليات التحضير للانتقال بالمسألة اليهودية من اطارها الديني الضيق الى دائرة الصهيونية السياسية. وقد اثيرت عدة قضايا انذاك بهذه المناسبة مثل قضية دريفوس ومشاكل النازية الهتليرية التي اضطهدت التجمعات اليهودية في المانيا، كما تولت جمعية احباء صهيون احياء فكرة الاضطهاد اليهودي في العالم. وهذه الجمعية تأسست في اوديسا، وانعقد اول مؤتمر لها سنة 1844 وكانت نشأتها رد فعل لصدور قوانين 1882 الخاصة بغرض قيود على نشاط الاقلية اليهودية في روسيا.
الادب اليهودي القديم والحديث، لم يكتب في لغة قومية واحدة. بل كتب في لغات اقوام انسانية متعددة. و هذا استنادا الى ظروفهم الخاصة التي كانت تقتضي منهم ذلك. وفي عصر النهضة العربية الاسلامية، اتقن معظم المفكرين والادباء اليهود وفي عصر النهضة العربية الاسلامية فنون اللغة العربية وادابها. وقد اسلم العديد منهم، وظهر مفكرون كبار مثل ما شاء الله الدمشقي صاحب نظرية الفلك العربية والطبيب البارع ثم الرياضي سهل الطبري. وابن جابرول كما تأثر الفكر اليهودي انذاك بفكر المعتزلة. ونما الجدل بينهم مما ادى الى هذا الصراع بين الافكار الى توسيع شقة الخلاف بين القرائين اليهود والربانيين، وبعثت الحياة في الفكر اليهودي بكافة اتجاهاته، ومن كبار الفلاسفة والمفكرين اليهود الاسلاميين هناك موسى بن ميمون.
وبالعودة الى توظيف الشعر في خدمة الايديولوجية الصهيونية نجد ان عددا من القراء تجندوا لهذه الغاية لكن بالمقابل هناك بباليك المولود سنة 1873 وقد وجد في شخصية احاد عاهام الفكرية والصهيونية والثقافية الصفات الشخصية اليهودية التي كان يحلم بها. وقد عكست بعض قصائده الخوف الذي كان يحس به بعد اندحار شباب اليهود وتخليهم عن مدارس الدين اليهودي، وهو الخوف الذي يهدد ايضا مستقبله الديني ويرمي به الى عواصف الضياع، خاصة وانه تربى في ظل تراث اجداده الدينيين والتراثيين اليهود اميل موسى و »عزرا« و «نخميا» و «يشوع» و «مرقص» الخ
هؤلاء اليهود الذين يمثلون نبض الروح اليهودي والتوراتي ويميزهم على الامم الاخرى بانبيائها ودياناتها. وفي ظل هذا الخروج اليهودي على نواميس فلسفتهم الدينية، نجد ان الروح القدس نفسه قد غادر مكانه الى غير رجعة امام الانهيار الاخلاقي والديني الذي حل باليهود يقول الشاعر.
العواصف العابثة الغاضبة، تحطم المصاريع والاقفال الحديدية، شياطين الارض تصرخ خلف الجدران. الحصون تبدو مدمرة. والروح القدس غادر مكانه.
يؤكد محمد الصالح العيادي ان بباليك تم تحميله ما لم يقم به تجاه الحركة الصهيونية كما يصف ذلك النقاد والباحثون العرب.
كرس بباليك نفسه كشاعر يهودي لاجل تمجيد التراث اليهودي، مستذكرا في كل بيت شعري امجاد اليهود وتاريخهم الحافل حيث كان يقارنهم دائما بالعباقرة الابطال، ويفتخر بهم متشبثا بشخصياتهم التاريخية الدينية الحية امام اليهود المعاصرين الذين اصبح يقف منهم موقف الناقد لاوضاعهم الجديدة وداعيا اياهم الى العودة للمصير، هذا المصير الذي لن يجدوه الا بعودتهم الدينية الى التراث اليهودي القديم تم اتباع تعاليمه يقول:
«مدن من التشتت بعيدة، حيث الله قد انقذ بقية من الدمار، هناك يلتمع الضوء بين الخرائب حيث الارواح الكسيرة الشعبية تواصل السهر، نفوس عبرت حدود الزمن». لكن بباليك يعجز اخيرا امام قوة التيارات التي جرفت اليهود في طرقها العاصفة بالتحولات المادية والسياسية والصهيونية. واخيرا ينكفئ على ذاته حاملا مصيره الديني في روحه، ومتمسكا في محراب الوحدة داخل ذاته اليهودية.
«لابأس بها - ها انا ذا أتقبل مصيري، رابطا عدتي الي حزامي، عاملا يوميا بدون اجر، اعود ادراجي بهدوء. إلى كوخي أقفل راجعا، مع اشجار الجميز اقيم عهدي، وانتم - تتعفنون وتتفسخون. غدا تحملكم الريح بعيدا» يقول محمد الصالح العياري :ان الشاعر بباليك بحكم تنشئته اليهودية المتزمتة الصارمة قد منعته من تجاوز آلامه الخاصة ومعضلته اليهودية، بل انها كبلت موهبته بإرهاصات المنطق الديني وحجبت عنه افق التعالي الشعري الذي يتجاوز كل اشكالات الانسان امام هذا التعالي في ذاته، ومع ذلك يعترف المؤلف ان هذا الشاعر له جوانب مشرقة يبدو من خلالها تآلق الشاعر، كما ستظهر ذلك الابيات الشعرية التي يصور فيها خبرته العميقة حول استعلاء الذات الفردية التي تشكل محور التطور في الوجود يقول: «انا لم اكتسب الضوء من طرق الحرية. لاولا من جانب ابي، هكذا جاءني منحوتا من شقوق صخوري، لقد اجتزأته من قلبي».
النزعة العنصرية في الشعر الصهيوني المعاصر
واكب الادب الصهيوني تاريخ الحركة الصهيونية، وبقي مرتبطا بها. يعبر عن مصالحها وأحزانها ونكساتها، أي ان الروح التسجيلية والتقريرية، كانت تمثل طابعه العنصري بصورة عامة، وتفي بأغراضه واتجاهاته العامة. من هنا ، نفهم ان الادب الصهيوني لم يكن أدبا حقيقيا بالمعنى التاريخي والانساني، نظرا لارتباطه بآلية الفكر الصهيوني.
وبسبب ما منيت به اسرائيل من هزائم نفسية واجتماعية اهتز الشعور الصهيوني في أعماقه اتجاه دولة اسرائيل،الذي بدأ يظهر وجودها في بحر من العرب، كمقدمة غير طبيعية لنشأة كيانها، ولهذا فقد أدى به ذلك الى سيل من المؤثرات السالبة التي أثرت في مستويات النص الادبي الصهيوني يقول المؤلف، مما دفع ببعض النقاد الصهاينة الى التصدي للاعمال الادبية والفنية خاصة منها التي باتت تشكك في قدرة هذا الكيان على حماية الامن النفسي والاستقرار الروحي والاجتماعي ليهود الشتات الذين تجمعوا في فلسطين. وقد قال الناقد الصهيوني «د. ميخالي» حول الموضوع: «لقد أدت الحرب (1973/1967 ) الى حالة من الارتباك الشديد والتفكيك، وهو ارتباك ينسحب على الادباء، كذلك فإنني لا أستنكر الحيرة او الارتباك.. غير أنه لابد وان نقرر بأن الحائرين المرتبكين ليس في مقدورهم ان يكونوا هداة او مرشدين للحائرين. ان الادباء مازالوا مستمرين في إظهار استجاباتهم تجاه الاحداث التي وقعت كل حسب وجهة نظره، وبينهم قلة تجاهد لكي تشجع الشعب وتؤازره في محنته، غير أن هنالك في الوقت نفسه آخرون مستفيدون يضيفون أحزانا على احزان، لقد اهتزت ثقتهم اهتزازا شديدا فراحوا يزرعون اليأس حولنا، الامر الذي بات ينطوي على خطر شديد يهدد مستقبلنا».
وقد اعتمدت الصهيونية منذ قيامها وبتخطيط مسبق الى كافة السيد بفرض وجودها بالقوة بما في ذلك استخدامها للفن والادب كعاملين اساسيين لتمتين البناء الايديولوجي للصهيونية السياسية، وان شكل التجارب الادبية والشعرية ذات الاتجاه والاسلوب التعبيري المباشر يدل على الالتزام الاديب الصهيوني بقضايا الصهيونية السياسية.
«أيها الاولاد، انتم من ستموتون في الحرب القادمة، محترقين بصاروخ دبابة او ممزقين بقذيفة او مصابين بشظايا، وستقطع أيديكم ، وتمزق اعضاؤكم الداخلية».إن اللغة الشعرية في قصيدة الشاعر «إيتان ايتان» تؤكد حقيقة الصهيوني الذي أصبح ينزع الى تجسيد الكوارث واستبصار الخراب من مواقع الشعور بالانهزامية والخوف من الزمن ا لمقبل زمن الحرب والقتل. تقول الشاعرة الصهيونية «اوراه ليفارون» انظروا كم هي آثار نهش الانسان.
كم كنت صبيه
فجوات تغطي نصف جسدي
والمياه تعبر خلالي والايام
وجميع السنابل وجبال السوسن
أسد مصاب يقف مثخنا بالجراح
وقد لحق به الهزال
ومن شريان مقطوع تتدفق نكبة
ويستخلص محمد الصالح العيادي ان افتقار الفكر والادب الصهيوني المعاصر الى الواقعية وبعد النظر سيؤدي مستقبلا الى تعريض دولة الكيان الصهيوني نفسها الى الخطر، ولهذا فإن انعكاسا أجوف مثل الذي يعكسه الفكر الصهيوني.. المعقد الاتجاهات والرؤية، بات يشكل الفضاء الذي يتحرك فيه النص الادبي والثقافي:
«أحس بروائح قوية
روائح لحم في ضرام عنيف
من الزيت يحترق..
تشوى على صدور فرن من الرمال
يزيد من رقعتها مصدر عال
جثت
من أجل تكثيف المذاق»
قصيدة أخرى تنقل من جو الكوارث وذكريات العذاب الى الاسلوب المدائحي لتمجيد الروح العسكرية.
«عرفتك ادغال تحف
على نهر الاردن.. في «أم سوس» و«أم شرط» حيث يرقد رجال وعيونهم ترقب النهر عرفتك بميدان القصب الساكنة.
وخضرة مدقات بركام القاذورات
عبرت الجولان ونسبيان
قدما وشرقا صاعقا
وبعد قليل يبدأ الطريق من هنا
على نقالة الموتى العسكرية
ها أت قد وصلت الى النهاية»
يمجد «اسحاق شاليف» في هذه الابيات الشعرية من قصيدة «طريق فتى» روح العسكري والبطل اليهودي الذي لاينهزم. وهو المقدام الذي عرفته أدغال الاردن، وسهول بيسان ومرتفعات الجولان، من خلال لغة شعرية مباشرة، لغة تقترب من لغة التفاصيل اليومية والتجريبية التسجيلية التي سادت كموجة للتعبيرات الشعرية الصهيونية ما بعد حرب 1967 وأصبحت هذه اللغة تشكل شقا بارزا في الشعر الصهيوني المعاصر، يقول الشاعر «اوريتون بارثان» حول هذا الموضوع: ان معظم الشعر العبري المعاصر أخذ في تناوله الظواهر العادية تم تبسيط لغته الشعرية الى لغة الحياة العادية، مما دفع بجماليته الى حيز الشكلية الجمالية المباشرة».
يقول الشاعر «يهوذا عميحاي» في قصيدة بين فيها تعلقه بالوطن الصهيوني: «هذا وطني الذي يمكنني فيه أن أحلم دون أن أسقط وان ارتكب اعمالا سيئة دون ان أضيع وأن أهمل امرأتي، دون ان أصبح معزولا. وأن أبكي دون خجل و أخون وأكذب دون أتعرض للهلاك.
اذا كان من حق هذا الشاعر الصهيوني يقول المؤلف ان يحلم بوطن خاص به، وطن شرعي ينام فيه بحرية، ويغضب فيه مع امرأته، ويرتكب فيه اعمالا سيئة دون ان يضيع ، او ان يبكي فيه دون خجل فإن هذا الوطن الذي يشير إليه بعبارة «هذا وطني» يدرك تماما انه ليس وطنه الخاص باليهود وحدهم. بل انه ليس وطنه التاريخي الشرعي انه الوطن الذي اغتصب القوة من الفلسطيني. هنا نلمس عمق التربية الصهيونية وتمثلها الخاص لدور الادب في دعم الفكرة الصهيونية من منطلقات شتى، ولقد عبر «سيمون هالكين» عن موالاة النص الادبي الصهيوني ودعمه لفكرة الوطن القومي اذ أنه « لايمكن ان ننكر ان الادب العبري ساهم في تثبيت فكرة ان اليهود هم شعب الله المختار، كما أن هذا الادب رسم الولاء اليهودي وطهارته ونقاءه، وسجل ايضا حب اليهود للتوراة، ورفع من شأن اليهودية في التاريخ الانساني.
وبسبب تراكم الحقد والكراهية للآخر العربي الفلسطيني بشكل خاص، الذي يمثل دائما العدو التاريخي في كل مكان وزمان، وهذا مما أثر في نظام الخطاب الادبي والشعري الصهيوني المعاصر، وطبعه بطابع القسوة والارهاق العاطفي والنفسي، تقول الشاعرة الصهيونية «هدفاه هركابي» وهي تبحث عن العطف والحنان والرقة في كيان لايولي أساسا أية قيمة حسية متعالية لمثل هذه القيم.
«أريد رجلا بلا قوة.يأخذني بكل قلبه.ويأخذ نفسي له.كما يشتهي مقاليدي... برقة
بحب ليس له مثيل
من أول السماء
الى نهايتها...».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.