قيل لي: انك لن تكون الشاعر الذي لا يشق له غبار إلا حين تملأ جرابك كل الجراب من أحواض ألف ليلة وليلة وتبتل بماء معين ابي العتاهية والمعري والفرزدق وهلم عيونا... منذ حينها، بدأت انهل من العيون والتهم كل الأوراق، فأصبحت سكيرا لا تطاق رفقته، وآكل أوراق تخشاه كل المصادر .... وتنسكت ألف ليلة وليلة، بعدها عدت إلى القوم بأشعار ورموز وكتابات، قرأتها ووزعتها، فنشرت وانتشرت. قيل لي: ويلك، ما أنت بشاعر، زنديق تائه، لا رجاء من عنائك. عدت أدراجي إلى المنسك، ناقما مغتاظا، ولبثت ألف ليلة وليلة أنام الليل والنهار، وأتأمل في السبات ليل نهار، أحرقت كل الجراب والعيون، وأصبحت عاطلا لا عمل يلهيني حتى سئمت النسوك والخلوة. قلت لنفسي: لأتجرد من هذا النحس، وهذه المحنة الغريبة، ما أريد شعرا و لا نثرا، أنا مخلوق يرى و يسمع فكفى ...، عدت جاهلا لا أفقه حرفا و لا أنطق كلاما... استقر بي المقام وسط القوم بلا شعر و لا نثر، وصادف استقراري طاعون آتى على كل الشعراء و المتكلمين، فاستنفر القوم أيما استنفار بحثا وتنقيبا عن شاعر أو متكلم، وما كان الحال إلا أن خاب سعيهم. ذات صباح صاح فيهم شيخ: آلا استبشروا، إنا لنا شاعر فصيح، و متكلم رصين، وقد الكلام قدا، ومدح المحامد مدحا. فتوجه القوم ناحية مسكني، حيث كنت غاطا في سبات عميق ... أتأمل ليل نهار، و انقطع خيط التأمل على صوت هرج ودقات على باب المسكن. أصغت السمع: أيها القوم ها شاعرنا، و هو خلاصنا، فلا تتوجسوا بعد اليوم. فتحت الباب، و استقبلتني أشعة الشمس التي غابت عن قلبي، ووقفت بقامتي النحيفة بقوة لا منتهية، وما أن رآني القوم سكتوا منتظرين: قلت و أنا مبتسم: ما أنا بشاعر و لا ناثر، أنا مخلوق يرى و يسمع، و يخشى الطاعون. الحسن أنفلوس