التاسعة وخمس دقائق صباحا، يوم كباقي أيام الخريف الحزينة، أستيقظ، أنهض من سريري وأبحث، لا أبحث عن وطن يأويني، ولا عن حب يدفيني، ولا حتى عن شيطان يلهيني، لا أبحث في محركات جوجل وياهو، وإنما تحت وسادتي...أجد مسدس بيريتا، بندقية إيرسوفت، صواريخ كورنيت وعلما أبيضا. أقف وقفة الذاهل المشدوه أتأمل، ويتحرك في داخلي أمل مرتقب، أحاول فهم ماجرى، لا شك أني حاربت، ضد الإغريق أو الرومان، القاعدة أو طالبان؟ لايهم، المهم أنني قاتلت، والأهم أني بطل...لا شك أنني قتلت ضابطا بمسدسي، لاشك أنني قنصت جنديا ببندقيتي، ولا شك أيضا أنني فجرت مدرعات العدو بصواريخ الكورنيت، علي أن أهنئ نفسي، أن أنتظر أوسمة ونياشين أزين بهم بزتي...لكن مهلا لما العلم الأبيض؟ أبعد كل هذا انهزمت؟ أيعني أنني استسلمت؟ ياليتني كنت شيئا أخر...نشالا، نصابا، أو حتى مجرم حرب، ولا أكون مستسلما جبانا. طيلة الليل وبداية النهار، حاولت أن أكون شخصا ما، شيئا ما حتى، أن أجيد شيئا ولو حتى فن الكلام، لكني اليوم تأكدت أني لا أتقن سوى الانهزام وحتى في دنيا الأحلام. البعض يسخر مني، حتى الكلاب تفعل، لماذا إذن تنبح كلما رأتني أقترب من وجارها؟ البعض يفزع مني، حتى الدجاج يفعل، لماذا إذن يهرب كلما اقتربت من خمه؟ أما البقية فلا تكثرت لوجودي وكأني أرتدي طاقية إخفاء. كل الطرق تؤدي إلى سريري، سريري وجهة روتينية معتادة، بدون خرائط ولا وكالات أسفار، إعتدت عليه وإعتاد علي، تعودت أن يلقوني فيه كلما أسدلوا ستائر أمالهم، أمنياتهم، أحلامهم للوصول لأبعد قرى الشمس. في بعض المرات أستيقظ وأجد نفسي مضجرا بدمائي وسطه، ورسالة بيضاء مكتوبة بحروف حمراء كبيرة: "لقد مت مطعونا هذه الليلة". يريدون أن أكون كما أنا، زقا منبوذا بعشرات المشانق المنصوبة، علما منكسا، معدنا بدون لمعان لم يفقه جماله أحد، طائرا جريحا نسي فتح جناحيه ينتظر قدره المحتوم. أخرج الليلة للزقاق المجاور، صمت وظلمة يحيطان به، أحاول الإسراع، لكن خطواتي تأبى ذلك، يدي تتحسس الحيطان، وعيناي تشمشمان المكان، أتحسس جيبي وأتأكد من بقاء الورقة المكتوب عليها "لقد مت مطعونا"، فأطمئن أن لا أحد سيأتي من خلفي ليناديني صارخا: "متى سنتبع جنازتك؟"، فأنا لا أملك حتى حق الحياة. أود أن أتغير، أريد القفز على جميع الحواجز، لكني لا أستطيع، فللتغير ثمن وأنا لا أحب سوى الأشياء المجانية، كيف لا وأنا لا أملك شيئا البتة، حتى نفسي لا أملكها، فلقد وهبوني قبل أن أرى النور، حتى النور، نور النهار لم يعد ملكي، إنه قدري المحتوم، إنها فسيفساء حياتي المبعثرة، إنها أمواج أخر محيطات العالم، إنها انتكاساتي المتوالية، فهل سأعود يوما منتصرا من هزائمي الكبرى؟ للتواصل مع الكاتب [email protected] www.facebook.com/KarimBelmezrar