كالمذعور هب من نومه..السادسة صباحا؛لقد فوت عليه النوم رفقة فريدة؛لم تنتظره..فتش أركان المحطة؛ تطلع إلى معصمه مرات؛ سأل عنها؛ لقد ذهبت..كان يجب أن تنتظر وقد استأنست إليه؛دع الأقدار يا صاح تقلب الأشياء كيف تشاء؛هذا درس آخر... واحة تافيلالت تمتد على طول الطريق بين الراشيدية والريصاني؛أشجار نخل بأقراطها الذهبية الممتلئة التي ينط بريقها إلى العيون؛خرير مياه زيز يتقاطع وهدير الحافلة؛أرفود ما تزال تغط في سباتها؛بينما الريصاني تضج بالحركة والصخب..كان يتفحص كل الوجوه؛لعله يرمقها أو تتراءى له، لكن دون جدوى؛ظن أن اللقاء الأخير سيكون بمرزوكة..وقبل أن ألتقط أنفاسي؛ عزمت على مواصلة المسير دون تريث حتى المحطة الأخيرة؛ الطريق الصحراوي طويل؛ وعند منتصفه؛ لاحت لنا الكثبان الرملية الصفراء لونها ،كأنها منتصبة لتحيتنا؛ أو كأنها منارة البحار حتى لا يظل الطريق.تجشأتنا السيارة أخيرا؛يعلونا الغبار ونتصفد عرقا مالحا.نحن نطأ الآن أرض مرزوكة؛كمن فقد شيئا أخدت أبحث حوالي:بعض السكان المتلهفين على اقتناص القادمين لإسكانهم في بيوتهم مقابل عشرات الدراهم...استأجرت غرفة مع بعض مرافقي في السيارة؛ بعد راحة قصيرة، ذهبنا جميعا نستطلع فضاء الكثبان الرملية المغرية بالمشي بقدمين حافيتين.عدنا لتناول بعض الطعام ؛انتشينا بكؤوس شاي صحراوية؛وخرجنا كيما نطلق سيقاننا للريح في فضاء صحراوي ليلي؛وعلى بعد أميال كنا نحس أن أنفاس الجزائريين أقرب ما تكون منا الآن... ***************************** جبال من ذهب خالص؛ أناس حفاة عراة؛ يفترشون الذهب ويلتحفون به نساء ورجالا؛ على امتداد البصر صفرة لا تنتهي في الصباح؛ تستحيل بعد الزوال لونا ذهبيا، هكذا تغير الكثبان لونها تماما كالزائرين يبدلون جلودهم وهم يرتمون في الحفر...تجردت من ملابسي وارتميت في حفرة ذهبية رطبة؛لكنها جمر متقد؛حفرة من حفر النار؛على هذا دأب الجميع؛واريت جسدي في الرمال عدا الرأس -على عكس النعامة- هنيهة طفقت فيها زبانية اللهب تنهش لحمي؛تجعله يتصفد عرقا؛هذا قبر الأحياء ما أقساه وأصعبه؛إنه عظة لمن لا يتعظ؛ماذا لو كتب لي الرحيل الآن؟الوداع وتراءى لي ملك الموت في موكبه المهيب؛أقبل يتسلم روحي،ماذا لو جنزت بغثة على غير استعداد؟ما أصعبه موقف بعيدا عن الأهل والخلان..وتوالت على التساؤلات؛لأداري حرقة الرمال ولهيبها...كل المثخنين بفيروس الروماتيزم هذه وجهتهم؛هنا تحفر قبرك بيديك؛وتنزلق في قبرك بمحض إرادتك؛ضاحكا مستهزئا؛الجو مريح للغاية.لقد جئت لمشاهدة غروب الشمس من وراء كثبان صفراء فاقع لونها؛التي ما تلبث أن تتحول لونا ذهبيا رائعا،ممتع الرؤية والمشاهدة.."العديد من الأفلام تم تصويرها هنا".هكذا يحكي شباب المنطقة بافتخار ظاهر؛لإضفاء الاهتمام أكثر على هذه البقعة المغربية المهمشة؛والمغرقة في البعد... بحيرة مرزوكة :التقاء نهري زيز وغريس؛معلمة أخرى يواصل النهران سيرهما نحو الجيران،هذه البحيرة الزرقاء تقصدها الطيور المهاجرة القادمة من أمريكا و اسبانيا؛تقضي بها أسابيع لتعود من حيث أتت كما نحن الآن فاعلون،قضينا يومين ؛وها نحن نترك وراءنا رمالا ذهبية؛وبحيرة زرقاء مياهها؛ سحرتني المنطقة ، وأعجبتني طيبوبة أهلها لذلك قررت أن أعود مرات ومرات تماما كما تفعل كل سنة طيور : الفلامون روز. يتبع.... الرشيدية : مرزوكة 24_25/غشت/1997 ذ : الحسين العمراني إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل