أشبه بماربيا الإسبانية هي منطقة مرزوكة بجنوب مدينة الرشيدية على الحدود المغربية الجزائرية، وإن كانت لا تطل على واجهة بحرية، لكن كثبان الرمال الذهبية وفضاءات مراقبة شروق وغروب الشمس تجتذب السياح خاصة الأجانب، رغم بنيتها التحتية الهشة، لكن مشاريع عديدة على شكل مآوى انتعشت بالمنطقة وجعلت منها جنة بين كثبان الصحراء. هناك كل الخدمات يمكن توفيرها من غرف الإقامة المكيفة إلى متخصصات في «المساج»، بل أيضا الاستمتاع بأكل «البيتزا» ناهيك عن رحلات على متن الجمال وقضاء ليال في الخيام تحت النجوم. تلال وكثبان رملية في كل مكان، الطبيعة تخلت عن ردائها من نخيل. تربة سوداء وأحجار من ذات اللون تكسو فضاء المنطقة. المكان يبدو خلاء موحشا، لكنه يخفي وراءه عالما جذابا يأسر قلوب زواره. في الطريق إلى أقاصي الصحراء تتمايل أشجار النخيل بشموخ فيما تحرك الرياح سعفها بلطف. بساتين متفرقة تنتشر على طول الطريق بين الرشيدية والريصاني وحتى مرزوكة. المنعرجات الممتدة على طول واد زير وغريس تقذف سالكها يمينا ويسارا. واحات النخيل منتشرة على طول ضفاف الوادي. على طول شوارع مدينة الريصاني يصادفك شبان امتهنوا حرفة المرشدين السياحيين. ذاك مؤشر على النشاط السياحي بالمنطقة. ما إن يلمحوا غريبا حتى يهبوا ليلتفوا حوله يعرضون عليه خدماتهم، خاصة إن كان أجنبيا ذي سحنة بيضاء. الشبان يتخاصمون أحيانا ويتعراكون من أجل الظفر بزبون. السياح الفرنسيون والإسبان على الخصوص يترددون على المنطقة على متن حافلات أو سيارات رباعية الدفع أو سيارات خاصة مجهزة وأيضا على متن دراجات نارية. السياحة أعادت نبض الحياة للمنطقة كلها. حوالي نصف ساعة زمن هي المدة التي قطعتها سيارة الأجرة من الريصاني إلى مركز مرزوكة الحضري، كلما التهمت عجلاتها المسافة المتبقية نحو الريصاني إلا وتغيرت ألوان الطبيعة ولبست رداء آخر. جبال مقفرة تظهر في الأفق، تربة سوداء وأحجار من ذات اللون تكسو المكان، بين مسافة وأخرى لوحات تشير إلى مأوى سياحي بعيد عن الطريق الوطنية. كثبان رملية ذهبية تظهر من بعيد. تحذير بين مسافة وأخرى من زحفها على الطريق. في مركز مرزوكة اجتمع أبناء المنطقة تحت حائط محل تجاري. أغلبهم مرشدون سياحيون يعملون لفائدتهم أو لفائدة مآوي المنطقة. وجوه لفحتها أشعة الشمس الحارقة. الأتربة تعلو وسط المركز مع كل مرور لسيارة رباعية الدفع. أغلب زوار المنطقة هم سياح أجانب ورياضيون مشاركون في سباق السيارات «رالي الرمال» أو «عائشة ديكازيل». مركز مرزوكة غير معبد، ولا يتوفر على طوار، الطريق إلى المأوى تكسوها الرمال، لا طوار، بعض الدكاكين تحيط بالمركز، قساوة الطبيعة انضافت للإهمال والتهميش الذي لا يزال يلاحق المنطقة، وإن كانت ذات مؤهلات سياحية كثيرة. مستشفى للمگتئبين رغم طبيعة المنطقة الصحراوية، ووعورة التضاريس والمناخ الصحراوي، فهناك حوالي 65 مأوى سياحيا، المصنف منها لا يتجاوز عدد أصابع اليد، تلك المآوي استفادت من توفير الماء الشروب ومن إيصال الشبكة الكهربائية سنة 2005 فقط، وإن كان غياب الشبكة الطرقية قد حرم المنطقة من توافد أفواج السياح عشاق السياحة الصحراوية. منطقة يعيش أهلها على الفلاحة المعاشية في الواحات فقط وعلى الرعي، نشاط تراجع مع توالي الجفاف ودفع ساكنة المنطقة إلى الهجرة بحثا عن لقمة العيش ولو خارج البلاد، لكن تغير الأمر بعد تنامي النشاط السياحي وبدأ تشجيع البقاء في المنطقة وتزايد الاستثمارات فيها. مؤهلات سياحية كبيرة خاصة السياحة الصحية، المنطقة يقصدها المصابون بالروماتيزم، فالرمال توفر الفضاء الأمثل للتداوي منه. ليست مرزوكة فقط ملاذا للباحثين عن الاستمتاع بجمال الواحات، بل أيضا كما يقول أحد المنعشين بالمنطقة «مستشفى للمكتئبين»، فضاؤها الهادئ ومناخها الجاف والحار صحي ويصلح للاسترخاء. مرزوكة ونواحيها معروفة بالهدوء، كرم أبنائها وتواصلهم مع الزوار يشجع السياح على التردد على المنطقة. «ميشيل» سائح فرنسي في الستينيات من العمر، يفضل المجيء سنويا إلى مرزوكة رفقة زوجته على متن سيارتهما الخاصة، يقول ميشيل «أعيش في بلدة على الحدود الفرنسية السويسرية، هناك الجو بارد والثلج يتساقط، وعلى العكس من ذلك فإن الجو هنا بمرزوكة حار ومشمس، لذلك أفضل المجيء هنا في هذه الفترة من السنة»، ويضيف منتشيا بكأس شاي «هنا أيضا تعرفت على العديد من الأصدقاء ربطت معهم علاقات منذ سنوات، وأحتسي كؤوس الشاي في أي بيت أريد، هذا ما يعجبني في هذه المنطقة». منذ أزيد من 11 سنة والفرنسي ميشل يزور المنطقة، وهو الآن خبير بكل التحولات التي عرفتها، ولا يخفي بدوره أنه في السابق لم تكن سوى سيارات رباعية الدفع هي القادرة على الوصول إلى هذه المنطقة النائية المتاخمة للحدود المغربية الجزائرية، لكن ذلك زمن ولى بعد تعبيد الطريق ولو فقط إلى مدخل مرزوكة. ليست الشمس والجو الحار ما يستهوي الزوار، بل إن المنطقة تتوفر أيضا على واحات بها حفريات ورسوم صخرية. السياحة الاستكشافية مؤهل آخر من مؤهلاتها وأيضا السياحة المغامراتية والميكانيكية بالنسبة لسباق السيارات والدراجات والراليات العالمية، زد على ذلك سياحة المغامرة بالصحراء، تلك مجالات لم يتم استغلالها بالشكل الكافي، خاصة سياحة الخيام وسط الكثبان الرملية المكان المفضل لمراقبة شروق وغروب الشمس. رحلات عديدة تنضم على متن الجمال لقضاء سهرة مميزة في فضاءات الصحراء بين كثبان الرمال والاستمتاع بالنجوم في الليل. الركوب على متن الجمال والمبيت تحت الخيام والتعرف عن قرب على نمط العيش في الصحراء يجذب العديد من العشاق، وذلك ما يبحث عنه أغلب الوافدين على المنطقة من سياح أجانب ومغاربة أيضا. هناك، كل الخدمات يمكن توفيرها من غرف الإقامة المكيفة إلى متخصصات في «المساج»، بل الاستمتاع بأكل «البيتزا» وليس فقط «الملفوف» التي تشتهر به المنطقة كلها. أبناء المنطقة خاصة الشبان منهم، وجد في المنطقة فرص الشغل وإن كانت قليلة. كثير منهم يعمل في المآوي وفي رعاية الجمال ومرافقة السياح الذين يستمتعون بركوبها، وأيضا سياقة السيارات التي يملكها أرباب المآوي. حياة الشباب تغيرت في منطقة عرفت بنشاط الرعي قبل أن تنشط بها السياحة، وإن كان كثير منهم يضطرون للتنقل إلى الريصاني من قبل لاستكمال دراستهم، فهم الآن يتابعونها بابتدائية في المنطقة وفي الطاوس حيث شيدت إعدادية ودار للطالبة منذ سنتين. يعمل بهذا المجال حوالي 600 مستخدم، غالبيتهم من أبناء المنطقة لكنهم في نفس الوقت محتاجون إلى تكوين في مجال الفندقة. ولأن أغلب المآوي ملكية عائلية فإن الأمهات والأخوات أو البنات هن من يتكلفن بإعداد الوجبات للزبناء. مشاگل بالجملة رغم أن المآوي أحدثت تغييرا بالمنطقة، لكنها لا تزال تواجه صعوبات حسب المهنيين خاصة مع الوكالة الحضرية بالرشيدية، والتي يصفونها بأنها تقف حجر عثرة أمام تنمية السياحة بالمنطقة. الوكالة وضعت حسب المهنيين برنامجا للتنمية المحلية دون إشراكهم. مرزوكة كما قال أحدهم: «تطالب بإطلاق حريتها وإطلاق يدها لتصبح قاطرة للسياحة الصحراوية». مشكل إيقاف استكمال الأشغال بالمآوي نزل كالصاعقة على عدد من المستثمرين بالمنطقة. الدولة في نظرهم تحولت إلى «عائق حقيقي للاستثمار محليا»، فهناك مأوى أنشئت منذ سنوات لكن ترفض الوكالة الترخيص لها بمبرر أن «المناطق التي بنيت عليها مهددة بالفيضانات» ذلك «مبرر واه»، حسب المهنيين لأن المنطقة لم تعرف أية فيضانات وقلت فيها التساقطات منذ سنوات عديدة، وآخرها كان سنة 2006 وكان حدثا عابرا». عدم الترخيص بالبناء بشكل قانوني نتج عنه انتشار البناء العشوائي بالمنطقة، كل ذلك بسبب انتظار برنامج تهيئة لم يخرج بعد إلى حيز الوجود. حسب رئيس جمعية المهنيين فإن «الوكالة الحضرية يجب أن يكون لها فرع بالمنطقة بدل أن تقوم بالتخطيط من المكاتب بعيدا بعشرات الكيلومترات دون الوقوف على المشاكل الحقيقية للمنعشين». معرفة واقع المنطقة ضروري في نظره، وأنه «لا يمكن أن تطبق عليهم نفس الشروط والقوانين المفروضة على المنعشين بالمدن السياحية، وأيضا لابد من تسهيلات تراعي خصوصيات المنطقة لإيقاف البناء العشوائي». تشجيع السياحة الصحراوية كان أحد أولويات الدولة بالمنطقة لوقف نزيف الهجرة القروية، وذلك بتشجيع بناء المآوي، لكن الوكالة الحضرية أصبحت الآن حسب المنعشين بالمنطقة عائقا للتنمية المحلية، و لذلك ينادون بإحداث ملحقة للوكالة بالمنطقة لتقف على المشاكل الحقيقية بدل الوقوف حجر عثرة أمام الاستثمار بالمنطقة وحتى لا تحد من السياحة المحلية، فالكثير من المآوي لا تتوفر على الكهرباء دون أن يبذل أي جهد لتسهيل إيصالها إليها. حين زار جلالة الملك المنطقة فوجئ بضعف بنيتها التحتية، حينها بدأ التفكير في مشروع الواد الحار وتعبيد الطريق بوسط مرزوكة وإعادة تهيئتها، فالمركز هو مرآة السياحة بالمنطقة بل وبالمغرب كله. لكن سيتغير الأمر نهاية السنة المنصرمة، حيث دشنت مشاريع تنموية وأعطيت الأوامر بإعادة هيكلة مرزوكة وتدشين مشروع التطهير وتأهيل المنطقة وترميم واجهات المنازل والمآوي. منعشون متگتلون منذ سنة 1998 تأسست بالمنطقة جمعية يرأسها الصادوق عبد السلام سميت ب «جمعية منعشي السياحة الصحراوية»، هي جمعية تضم حاليا حوالي 47 منعشا بالمنطقة كلهم يملكون مآو سياحية. حددت الجمعية كأهداف لها تشجيع التنمية المستدامة للسياحة الصحراوية وحماية البيئة والطبيعة الصحراوية من زحف المنطقة والحفاظ على الواحات، وأيضا مساعدة الرحل في المنطقة وخلق مهرجانات، وإنشاء معهد لإعادة تكوين مستخدمي الفنادق في المنطقة. تحتضن مرزوكة وضواحيها عددا من المهرجانات منها مهرجان «جون ميشيل جان» الذي ينظم بالتداول في منطقة ما من العالم تحت شعار «الماء للحياة» وتدعمه اليونيسكو ونظم بالمنطقة في السادس عشر من شهر دجنبر سنة 2006 وأيضا مهرجان موسيقى الصحراء ونظمه مركز طارق بن زياد في إطار موسيقى الصحراء سنة 2005، لكنه لم ينظم السنة المنصرمة، وبدله خلق مهرجان محلي من طرف الجمعية لخدمة التنمية المحلية وسمي ب «مهرجان السياحة الصحراوية في خدمة التنمية المحلية»، وإن كان المنعشون السياحيون لا يخفون رغبتهم في عودة مهرجان موسيقى الصحراء. المنطقة في حاجة إلى مهرجانات يقول رئيس الجمعية «ولابد من عناية كبرى تعطى لها لأنها القلب النابض للسياحة بالجنوب». منذ ثلاثين سنة كانت المنطقة على موعد مع أول مشروع سياحي، كان ذلك في أرفود الذي يبعد بعدة كليومترات عن المنطقة، هناك كان فندق تافيلالت المأوى الوحيد للسياح، قبل أن ينتقل منعش عقاري هو الآن رئيس جمعية المنعشين، ليشيد سنة 1986 مأوى بمنطقة مرزوكة اكتراه من الجماعة القروية، سرعان ما بدأ يتدفق نحوه السياح من مختلف الجنسيات. الفرنسيون والإسبان كانوا في البداية الأكثر إقبالا على السياحة بمرزوكة عن طريق وكالات الأسفار، الكثير منهم ممن زاروا المنطقة يعاودون المجيء مرات ومرات، تغيرت الكثير من الأمور بعد تصاعد أعداد المآوي، وأصبح لكل منها موقعه الإلكتروني الذي يحجز عن طريقه السياح أو عن طريق وكالات أسفار باسبانيا والتي يملك أحد أبناء المنطقة واحدة منها بالعاصمة الكاطالانية برشلونة، وهو دائم الحضور في المعارض الدولية للترويج للسياحة في المنطقة سواء ببرلين أو فرانكفورت أو نيويورك وحتى في ساوباولو البرازيلية. من بين هؤلاء الشبان علي اليعقوبي البالغ من العمر 34 سنة من مواليد الطاوس، سافر في سن السابعة عشرة إلى الديار الإسبانية وبالضبط إلى مدينة برشلونة هناك تزوج باسبانية واشتغل في مهن عديدة قبل أن يؤسس وكالة أسفار خاصة به. سنة 2003 بنى له مسكنا في مرزوكة، ثم أعاد بناءه سنة 2007، وحوله إلى مأوى سياحي سماه «رياض علي»، وحاليا يشتغل معه أربعة شبان من نفس جيله تقريبا. رغم أن الوكالة الحضرية رفضت الترخيص له على غرار مالكي المآوي الجديدة إلا أن الكثير منهم ومن بينهم علي لجؤوا إلى تأسيس شركات قانونية، ويؤدون الرسوم الجبائية للجماعة القروية. أغلب زوار مأوى علي هم من الإسبان الذين يعشقون رياضات الصحراء وركوب الجمال، ثم يليهم الفرنسيون، أما المغاربة فكل ما يعرفونه عن المنطقة هو الرمال الساخنة وتداوي الروماتيزم، خاصة في منطقة المرداني وحاسي المرداني على بعد أربعين كيلومترا من الحدود المغربية الجزائرية.