هذه القمم التي تلوح لي ؛هذه المنعرجات شاهدتها منذ عام خلا؛ها أنا ذا أرحل عن خنيفرة بعد ليلة ممطرة؛وهاهو ذا الجو مشمس دافئ؛وبقايا الوحل وأخاديد المياه على جانب الطريق حين ألتفت عبر النافذة؛فألقي ببصري بعيدا؛وحين يرتد إلي..ألتفت إلى مونية التي تجلس مرتبكة بمقعد قربي؛وقد بدا عليها الوجوم؛ترددت قبل أن أقتحم عزلتها آنسة..ذاهبة إلى افران؟ إلى فاس أنت فاسية؟ تازية-وبابتسامة ماكرة-أقصد تازة معذرة عن هذه الأسئلة؛ فالطريق طويل كما ترين؛ والصمت يحيل الذاكرة إلى الماضي ومرارته ماذا لو........؟ نظرت إليها عن قرب أرقب آثار كلماتي على وجهها؛كنت أريد أن أكتشفها؛ولما استدارت نحوي بكل جسدها؛قلت في نفسي:قطعت نصف المسافة نحو الجنة... لما غادرت مقعدي الدافئ ونزلت؛كان وجهها الأبيض المتألق يطل من خلف الزجاج؛تشيعني نظراتها في أزرو؛وإن كان ثمة كلمات من حديثها ما تزال تتردد في آذاني؛وضحكاتها تتفرقع في دواخلي؛تركت لها طرف الخيط وصعدت إلى سيارة أخرى،عبر طريق يفضي إلى شلالات وعيون أم الربيع،منبع هذا النهر؛الذي يستطيل عبر مئات الكيلومترات حتى الأطلنتي.توقفت في الطريق ولم أصل إلى المنابع؛فقد فضلت عين اللوح..قرية صغيرة في قدم الجبل؛ ولا شيء يستحق الذكر عدا البؤس الذي يطغى على جل الوجوه ،هنا شظف العيش ،هنا القهر والحرمان والتخلف ، ولكن القناعة هاهنا عزاؤهم وخير عنوان. السادسة في معصمي؛والرعد يبلل الكلأ اليابس الجاف؛ونور الشمس قد خبا؛وأنا ما أزال في القرية؛حين تركتها علمت أني قد قضيت بها وقتا شيقا.كانت عواطفي حين ذهبت مضطربة وملعونة بالفضول الملهوف؛متدفقة كزخات المطر التي رافقتنا؛ونقرات البَرَدِ الأبيض اللامع؛كأن السماء ترجم شياطين هاربة لا ترى؛حتى أزرو المغرقة في جداول مياه فياضة؛ قلت: سأحمل ذاتي إلى افران؛تلك العشيقة التي قهرتني في ما مضى؛حللت بها مطمئنا كأني أحمل إليها قربانا...بعدما أمنت المبيت؛خرجت تدغدغني قطرات المطر البارد؛ قّرّ تقشعر له الأبدان؛ تغشاني راحة نفسية عميقة؛وأنا أسري فوق الأرصفة المبللة؛ في الطرقات اللامعة بانكسار الضوء على الإسفلت؛ افران جوهرة الأطلس بلا منازع ، وسويسرا المغرب بلا شك ،لما تزخر به من منتجعات خلابة ،وكهوف بالجوار ،لذلك تسمى الآن افران أي المغارات ، في حين أنها كانت قديما تلقب ب : " أورتي " أي البستان أو الحديقة باللهجة المحلية ، افران تكاد تكون قطعة من أروبا ، بل هي كذلك تماما لمن يزورها أول مرة . عدت أدراجي إلى البيت؛ تعشيت؛ انزلقت في الفراش بارتخاء؛ وصيحات الساهرين يحملها الهواء الساري إلى أسماعي؛ إرتخت جفوني في إعياء... وانطفأت يتبع... افران : 21 غشت 1997 ذ : الحسين العمراني إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل