وأنا في عزلتي، تذكرت قبيلتي الأمازيغية التي تسكن وجداني، وحتى لا أنسى كنت بين الحين والآخر أستحضرها من الذاكرة. افتقدتها، وكتبت ما كتبت. وإليكم النص التاسع من كتاب "سفر ابزو". 9 بحيرة الأسلاف كم يحتاج العاشق من الحب ليعيد ترتيب قلبه المسكون بنغمات ذكريات ما عاد يلوح منها غير عزف باهت، يمضي يائسا نحو حواشي هاوية سحيقة، يقاوم بخجل عصف رياح شقراء تأتي من جهة البحر، رياح ترتدي رائحة الإغراء، تلف زرقة بؤبؤها حول الأبرياء، وتزرع العراء في الفضاءات السمراء، والتي كانت بالأمس القريب محتجبة بالخضرة، فها هي بحيرتك الساحرة تامدة تقاوم المحو، وتكتب بطقوسها، ترانيم نعشها، وتؤبّن نفسها بهمس منابعها العطشى، فهذا الفضاء الذي يحتضنها لا يزال يمنح العين سر الأعوام الفائتة، ويرحل بالخيال إلى زمن كانت الأرض فيه والسماء إلهين تعانقا على بساط الأبدية. ترى متى بدأت الحكاية؟ حكاية البحيرة المقدسة؟ لا أحد يتذكر، ولماذا نحتاج إلى التذكر، وكل ما يحدث هنا يقرأ ويملي تفاصيل الحكاية. من عيون للا رحمة تغتسلن النساء من أدرانهن، خوفا من أشباح وأطياف لا وجود لهم إلا في مخيلاتهن، وفي أوهام تناسلت منهن وصدقنها، وها هن يوقدن الشموع في كهفها لعلهن يبصرن عَمَاهُن. وفي للا رحمة يمكن للعوانس أن يتخلصن من خطاياهن، ومن تعويذات الساحرات الماكرات، يكفيهن رشة طحين البسيسة وتدخين العين المقدسة بالبخور، حتى تتخلص أجسادهن وأرواحهن من عيون الحساد والشياطين. .وإلى للا رحمة يأتي العرسان من أقاصي المداشر كل يوم خميس ليتطهروا من الخوف، ويستعيدوا ثقتهم برجولتهم، يلبسون البياض رجاء مطر أخضر. قالوا بأن الذين جاءوا من صحراء العرب يحملون كتابا، وسيفا، أقاموا ببابها، وتعاهدوا مع الأسلاف على الملح، من وقتها نسجوا عنها أغرب الحكايات. فكيف لا نعليك بحيرة أسلافي، وكل الأوراق النضرة من فيض دمك الرقراق، وكيف لا نسكر برؤيتك، وأنت عين الجمال والبهاء. محال أن نعرس دون أن نستظل بجلالك.