ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارية - ''من التراث إلى الثورة''
نشر في أزيلال أون لاين يوم 17 - 09 - 2010


الجزء الأول.
معذرة من العلامة الكبير،
أستاذي..وأعتز..
بقبلة على الجبين و الكتف..
أعتذر منكم على سلفة العنوان..
لكنني حالا سأرد السلفة،
حالا ولن أتأخر.. لأن العنوان، يا سيدي، وأستاذي . .هو الذي جاء بي إلى هنا، حيث ذاكرتي ومكتبي وأوراقي، ودفاتري .. وأقلامي . .ومذياعي وكتبي .. وصوري بالأبيض والأسود،وبالالوان وأشيائي الصغيرة،..
عبد ربه يحب السلفة كثيرا ويعشقها لما تكون سلفة فكر وعلم ورؤى..وإستماع..وصحبة..وحب..
أو ليست الروح أجمل سلفة الخالق القهار للكون..
أما سلفة درهم،أكثر ما أكره....
''عبيد الصنك المعبود يا قلوب الحجر..
قلوب طايشة مليانة بالغدر..''
أول مرة أسمع هذا العنوان،''من التراث إلى الثورة''.. في مدرج كلية الحقوف.. وقلمي يلاحق محاضرة أستاذ مادة ''العلوم السياسية''،حتى ورد في سياق إرتجاله استشهاد ''وكما جاء في كتاب ''من التراث إلى الثورة''..دون أن يشير الأستاذ المحاضر إلى صاحبه..بسرعة سطرت على عنوان الكتاب ..ولما أنهى المحاضر محاضرته وبدأ يتفحص الأسئلة التي يمررها له الطلبة مكتوبة على ورقات صغيرة ..وما لحقت القيام بهذه العملية..فوقفت من بين الطلبة أعتذر من الأستاذ بسؤال شفوي..
-''من فضلكم يا أستاذ،ومعذرة لم ألحق مكاتبتكم بسؤالي ..من هو صاحب كتاب ''من التراث إلى الثورة..''لم يرد في إستشهادكم وشكرا..
فرد الأستاذ المحاضر..
-''ما إسمك يا بني..
رديت عليه في الحال،فهم بتدوينه وهو يردد إسمي، أجابني..
-''طيب،يا أستاذ،.. إسمه الطيب تيزيني..ويحصلنا الشرف لو تحضر لنا محاضرة عن هذا الكتاب الأسبوع المقبل..''صمت قليلا وأضاف..حتى نستفيد جميعا منك..وإن شاء الله ننفاش أسئلة زملائك المطروحة هنا –رافعا يده- كتابة،..السلام عليكم..''
''شمران حمادي''، يا من لا يعرفه في كلية الحقوف،جامعة محمد الخامس الرباط..أواسط السبعينات .
حوالي الستين في عمره,
بقامة عريضة وشنب أبيض،ونظارته بزجاج رمادي داكن وبإيطار كلاسيكي،
عراقي الأصل..
يملي دروسه بالإرتجال، وبلغة عربية تقول للفصاحة والسلاسة والنكتة لا تعرفون شيئا..لا يطبع محاضراته..ولا يبيع ويشتري في مطبوعاتها كما كان بعض السادة الأساتذة المحاضرين يفعلون الله يسامحم من المشرق والمغرب..مصيبتنا مصيبة واحدة من المحيط إلى الخليج وعيوبنا في سلة واحدة فنحن الوحدة العربية في المصائب والمثالب..والهزيمة والإشتراكية الديمومة على كرسي الحكم الديمومي..
ثم وقف من مكتبه يهم بجمع محفظته،وطرت راجلا، من بين الطلبة يغادرون لألحق الأستاذ قبل أن يغادر المدرج،
إستأذنته،
-'' لو سمحتم يا أستاذ لدي طلب مساعدتكم..فقاطعني..
-'' أنت فت علي بكره المكتب التاسعة الصبح..ونشوف كيف نساعدك..''
سد فمي عن كل رد..حضرني جنيي ..
-''إشتريتها لنفسك..مالك يا صاحبي أخف من رزقك،لكن ''ماعليهش''لو شاورتني أقل لك خير ما تفعل..''
المحاضرة الأسبوع المقبل..وأنا أسمع بالكتاب لأول مرة وفي ثاني محاضرة في هذه المادة الشغوف بها جدا ''العلوم السياسية''،..ترى لماذا الأستاذ المحاضر جر بي الحبل هكذا..
سلمتها لله،وللموروث الشعبي يقول في هذه الحالة ''يصبح ويفتح''،يشرق وقل باسم الله يا فتاح ويا رزاق..
الساعة التاسعة،الصبح..
الأستاذ في المكتب.
وعبد ربه بالباب،..
أنتظر أن يشاور عليه بوصولي أحد بوابي مكاتب الأساتذة.. بعد أن سلمت للبواب ورقة صغيرة كتبت عليها بالحرف.
''صباح الخير أستاذي,معكم فلان بباب مكتبكم الموقر، سنة أولى علوم سياسية،في موعده،تقبلوا أحتراماتي..
والبواب يسمح لي بالدخول وجدت الأستاذ بكامل الإنشراح والبسط يناديني..
-''تفضل أيها الزعيم إجلس..''
الزعيم،وهكذا مرة واحدة وأول كلمة،أحسست بنفسي وقتها بارتفاع المعنويات،..
زعيم بلسان أستاذ دينصور في السياسة..-بمعناه في الإنقراض،لأن مثل هؤلاء الأساتذة إنقرضوا في ثلث قرن-ومن يدري ربما هذا اللقب يصلح لأترشح لإنتخابات ''الإتحاد الوطني لطلبة المغرب..'' ولما لا وبحملة إنتخابية بمساندة دولة من الخارج في شخص أستاذ عراقي،والطلبة العرب في أواسط السبعينات في الرباط وحدها كانوا يشكلون نسبة 85 بالمائة من مجموع الطلبة الأجانب و 25 بالمائة من مجموع المجموع..وهكذا سأفوز دون أدنى شك ولو بالشهرة على الأقل.. مع العلم أن مقر سكناي في ذلك الوقت كان زملائي يسمونه بالقنصلية..فجميع الطلبة الأجانب من محتلف الجنسيات العربية والإفريقية لابد وأن يكون أحدا منهم قد زار الشقة،وهذه ليست مزحة كانت الشقة التي أقيم فيها بمساعدة صديق عزيز بالرباط.. يأتي إليها الفلسطيني المصري والسوري والعراقي واللبناني..والسوداني والنيجيري والسينيغالي..قناصلة بلدانهم بالرباط في مقر بسيط بزنقة وادي سبو حي أكدال الرباط - بدون أوراق إعتماد بدون تنصيب رسمي..ورواد أخرون
-''إحتراماتي أستاذي،لدي الشرف الكبير..وأفتخر كثيرا بهذا اللقب سأضيفه إلى إسمي..''
إبتسم في وجهي جيدا بل دنا برأسه مني..واضعا مرفقية قوق المكتب
-''وتضيفه إلى إسمك؟ تلزمك يا يني إجراءات ومساطر.. وقد تلحقك منه الشبهات..
ثم رديت وليس بالساهل أن يسميني هذا الأستاذ الجليل بالزعيم وأسكت..
لا.. عبد ربه دائما في مثل هذه الساعة السعيدة لا يسكت.. و يكتب..ويكتب.
وهو لا يكتب،يكتب..
ولا يسكت..
ولا تسكتوا السكوت المهين،
ولا تخرصوا
إنه عابر سبيل متمرس في العبور يفهم برمشة عين رسائل الزوار المشفرة..والمارين من هنا.. وهناك..
-''ولما لا يا أستاذ سوف لن تكلفنا الإجراءات أي شيء.. ونحارب الشبهات،علموننا أنتم فقط كيف ونحن نقوم بالواجب..
لم يتردد الأستاذ بتواضع كبير وكبير جدا..تواضع ضخم بوزن الفيل وأضعاف الفيل وهو يعبر لي عن سروره رافعا ورقة الزيارة الصفيرة التي كتبتها للبواب قبل الدخول قائلا..
-''تعرف يا بني أنا عنوة في المحاضرة لم أذكر صاحب الكتاب،لأختبركم فيما إذا كنتم تستمعون وتتتبعون دروسي..وقد فاجأتني بسؤالك و بإضافتك للسؤال أن أشرت علي بإغفال ذكره..ولم تلحق مراسلتي..جميل.. فأنا يا إبني لم أعفل،صاحب الكتاب.. بل أنتظر واحدا منكم يسأل عنه..ريحت ضميري..
تم جر دولاب المكتب ليخرج منه كتاب من ''الثراث إلى الثورة،بارز العنوان بالحجم المتوسط ..أول نظرة تحسبه في 400 صفحة يمده لي
-''تفضل يا بني هذا الكتاب خذه قد لا تجده الان عندكم في السوق..لا أظن..''.
مسكته -الكتاب- واقفا بيدي الإثنين شاكرا الأستاذ جزيل الشكر. وأول ما لمحت على ظهره في الأسفل ..وانا أعود للجلوس -بيروت 1976- وساعته وتاريخه لله بمكتب الأسٍتاذ المحاضر التاسعة والنصف صباحا من يوم من أيام نونبر 1976..ثم قلبت الكتاب الكاتب أسفل العنوان البروفيسور الطيب تيزيني..ثم توجهت للأستاذ..
-''والمحاضرة يا أستاذي أشتغل فيها كيف يعني احضرها بخصوص الموضوع..؟ ألخص الكتاب أم ماذا..
فكر قليلا ثم رد:
-''أنت المحاضرة القادمة تعطينا فقط نبذة عن حياة الكاتب والظروف العامة لسيرته، بخطوط عريضة..وتقدم ملخصا موجزا عن الكتاب وهذه نسخة لبحث أنجزه أحد الأساتذة المحترمين في بلادكم..ستجد إسمه بالداخل..إنها محاضرة ألقاها بمناسبة ندوة كنا نحن الأساتذه في الحقوق نحضر لإنعقادها في موضوع السياسة والثراث العربي الإسلامي لكن لم يقدر لها ان تنظم..فيما بعد ربما..''
بماذا سيشعر طالبا في هذا الموقف عمره 21 سنة..وهذه عصارة الشهادة فيه
لبيب،ويجتهد..وطموحه كبير جدا..ومتحمس لكي يذهب بنفسه بعيدا مهما كلف الثمن وبرصيد لابأس به مما حصلت عليه في الثانوي خاصة تنويه رجالات الثانوية..ورجال البلاد من الجار الأول و القريب مرورا بالسابع و حد أخر نقطة بالمنطقة..وهأنذا أعادرها.منطقتي، إلى العاصمة محلقا ككروان حط هنا منذ شهرين يؤثث عشه،..وكروانة مرة مرة تحلق بالمكان،لازلت لم ''أنده'' عليها،نشوف حالها وهل هي من هنا أم هي الاخرة مهاجرة مثلي مثلها..لكن المناسبة أكيدة قريبا لأنها بدأت تترد على المكان كثيرا..
أحسست وقتها كما وقته الان بقشعريرة زادت من نار تشتعل بداخلي،وكأن الأستاذ المحاضر مدني في لحظتها بدراعين من الحطب ، يخاطبني خطابا أخر:
-'' خذ يا بني هذا الحطب زادا لنارك إذا شعرت بها تبرد أضف إليها الحطب ولما تحتاج للمزيد تعالى اطرق باب مكتبي أزودك بدراعين وأدرع لا تنتهي وبما لم تكن ''عليه معول..'' في إنتظاره..من الحطب
هل لا زال مثل هؤلاء الأساتذه يجوبون أطراف الكليات والمعاهد العليا..بمثل ما كان هؤلاء السادة الأجلاء نهاية الستينات والسبعينات..هؤلاء الذين رفعوا بحق وحقيقي الأقلام وكأنهم يرفعون السيوف..يكتبون كما لو أنهم يحاربون في ساحة الوغى...وكم منهم سقطوا ضحايا إغتيالات وتعذيب بما يفوق السادية بسيع سموات فسقطوا وهدرت دماءهم هدرا وظلما ..شهداء عند ربهم..لأنهم وهم يكتبون يضربون بالسيف الجهل والتخلف والرجعية والتزمتية.. يجاهدون في سبيل الله وفي سبيل الكلمة..ومنهم من رموا بأقلامهم واستسلموا ..باعوا ما تبقى من عمرهم رخيصا..باعوه راكعين..أسفل سافلين..
الجلوس في الصالونات المؤجرة بأفخم الفنادق..ترى أحدهم في اخر الليل حالته حالة بالفندق..مفكر باحث سكران لحد الثمالة..ويقولون لك في الصباح فلان غادر من هنا الأمسية الفكرية لا يعرف رأسه من رجليه..
الله يرحمك يا محمود درويش وكيف كانت أمسياتك شهادة للروح وهي تبكي..وبلاغها عندما تضحك ،ونشيدها عندما تحمل الروح البندقية..ا
أما الأن فقد وقع للعديد من شعراء الصالونات ما وقع لبوريس هلتسين رئيس روسيا القيصيرية الأن أما الإشتراكية فقط نحن العرب من نهلل بها..وهو يقوم بزيارة رسمية لإحدى دول المعسكر الشرقي ، لما حطت الطائرة بالمطار لم ينزل بوريس من الطائرة ورئيس الدولة المضيفة واقف عند درجها المتنقل ينتظر..
يتظر بوريس هلستين متى ينزل ولم ينزل.. وسرعان ما عادت طائرة الرئيس الروسي تحلق في السماء عائدة إلى روسيا من دون أن ينزل الرئيس أرض الدولة المضيفة..وأقامت أمريكا الدنيا وأقعدتها عن هذه المفاجأة لعدم تنفيذ الرئيس لزيارته الرسمبة وقد وصلت به الطائرة ولم ينزل وما فتئت أن إطمأنت بسرعة للخبر وبلغت العالم بأن الرئيس لم ينزل لأنه كان شبغان فودكا..وكثير منهم شعراء الصالونات لم يقفوا بمنبر الأمسية وتغيبوا عن دورهم لأداء القصيدة المبرمجة لهم.. لأن الخمر لعبت بمزاجهم نائمين في غرفة الفندق..
سكروا واقفين..
وليس ماتوا واقفين كم أنشد محمود درويش في حق الرجال المترجلين..أما الرجال المتصبينين فقد ملؤوا الدنيا متخفين ومقنعين بقناع الثقافة العالية والبانطلون ''فان جيلس'' كمن يخفي تسوس أسنانه بالسواك..أو كمن يكون في موقف الشبكة تعاير الغربال يا أبا العيون الكبار..أو كالعريان عندما يسأل ماذا يحتاج يرد عليه خاتم يا مولاي.
والعلامة الأستاذ السوري الشامي ''الطيب تيزيني''..من بين الفرسان الذين شمروا على علمهم وشغلوا عقلهم لإعادة قراءة الثراث العربي الإسلامي بمنظور جديد وبفلسفة جديدة..لإعادة الإعتبار لهذا التراث الذي يقول الطيب تيزيني بشأنه
''إن المفكرين والمؤرخين والمثقفين العرب عموما قد عاملوه –أي الثرات العربي الإسلامي طوال سبعة قرون كما تعامل زوجة الأب الغيورة ربائبها..''
أو كما يقول أستاذي شكري البكري ''في ظل أزمة القراءة؛ وأزمة الوقت، وأزمات الحداثة... لا أحد منا يستشعر لذة في القراءة، أو الاختلاء، أو العودة إلى مكامن تراثٍ لا نذكر منه إلا أنه زمهرير، وضيغم، وهيجاءٌ، وسابغةٌ بمعنى أننا لا نذكر من تراثنا العربي إلا أنه مستعصي الأبواب منغلق النوافذ''
وإعادة قراءة الثراث العربي الإسلامي سواء الثراث الفكري أم الأدبي من قواعد ثورية،ليست سوى إعادة الإعتبار لهذا التراث والتي قادها إلى جانب الطيب تيزيني ،السوري جلال العظم والمغربيين عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري..
هؤلاء السادة الأساتذه كانت لديهم في أواسط السبعينات من القرن الماضي مشاريع منفردة بخلفيات ومناهج مختلفة..وبفلسفة تقدمية لإعادة فجص هذا الثرات وتدقيقه ''وبعث عنقائه من رمادها..''
وقد مهد الطريق لهذا الرباعي، الطيب تيزني وجلال العظم وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري المفكر السوري حسين مروة المبدع في الفكر والأدب والتراث..صاحب كتاب ''النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية'' والذي كان الأول الذي رن ناقوس إعادة قراءة هذا الثرات الدفين بمنظور تقدمي..
ترن،ترن..
حان الوقت للتراث أن يشهر السيف ويدخل بدوره ساحةالقتال وحيا على الجهاد ،..حيا على الكفاح فقد أضنتنا الخطب من وراء المنابر ..
لكن نظراته التقدمية، الشهيد حسين مروة لم تكن في متناول إدراكنا فقتلناه في بيته في بيروت عام 1987 لتنطفأ بذلك إحدى منارات الفكر العربي في القرن العشرين ولكي يظل دمه معلقا بين المقاومة اللبنانية وحزب الله..وورواد الإسلام المتشدد وقد قال فيهم نصر حامد أبو زيد الذي أحل التيار الديني المتزمت بدوره دمه..
\\\"ان الخطاب الديني يمثل الغطاء الأيديولوجي للأنظمة الدكتاتورية الرجعية وتكريس أشد الأنظمة الاجتماعية والسياسية رجعية وتخلفا\\\"..
وفي تأبين المفكر المصري محمود أمين للمناضل الفيلسوف حسين مروة قال:
''كان إمتدادا مبدعا لما سبقه من إبداعات في الدراسات الثراتية وأعاد بناء رؤيتنا للتراث الفلسفي مبرزا ماضيه من كنوز الفكر المادي الموضوعي الذي طالما غيب ومازال يغيب عن أغلب من يكتبون عن هذا التراث.. فضلا عن كشفه عن حقائق الصراع الطبقي في قلب هذاالرصيد الفكري والديني والادبي عامة بغير جمود منهجي أو إيدولوجي..
فعلى نهج حسين مروة سار العلامة تيزيني..الذي وضع عام 1976 مقدمة نظرية منهجية لقضية التراث العربي الإسلامي ضمنها كتاب ''من التراث إلى الثورة'' يدور حول نظرية مفترحة لهذا الجانب كمشروع رؤية جديدة للفكر العربي من العصر الجاهلي إلى المرحلة المعاصرة..
وسأحاول في هذه الحوارية القيام بقراءة ثانية لهذا الكتاب..والأخذ بعين الإعتبار مؤلف ''من الثرات إلى النهضة'' لنفس البروفيسور بإعتباره إمتدادا لكتاب ''من الثرات إلى الثورة على ضوء مخاضرات ونصوص مختلفة وإعتمادا على عون أساتذة في الظل..حتى أرد سلفة العنوان إلى صاحبها كما وعدته قبل قليل..
ومن عنده رأي أو توسيع النقاش فمرحبا به بروح رياضية وفكرية وعلمية ..
وكما أنشدت السيدة فيروز..
إللي عندو حكاية يحكيها..
واللي عندو أغنية يغنيها..
وأضيف إليها
والكلمة بجوارحها..
المصطفى الكرمي.
إعتمادا على الأسباذ شكري البكري.
''حدائق التراث العربي''
12 سبتمبر 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.