البرلمانيين المتغيبين عن أشغال مجلس النواب يقدمون مبررات غيابهم ويؤكدون حضورهم    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج عبد الله بعد 40 عاما من السجن    نشرة إنذارية.. زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية قوية    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    مهرجان الفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج "حوارات"    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده و جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة        كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارية - ''من التراث إلى الثورة''
نشر في أزيلال أون لاين يوم 17 - 09 - 2010


الجزء الأول.
معذرة من العلامة الكبير،
أستاذي..وأعتز..
بقبلة على الجبين و الكتف..
أعتذر منكم على سلفة العنوان..
لكنني حالا سأرد السلفة،
حالا ولن أتأخر.. لأن العنوان، يا سيدي، وأستاذي . .هو الذي جاء بي إلى هنا، حيث ذاكرتي ومكتبي وأوراقي، ودفاتري .. وأقلامي . .ومذياعي وكتبي .. وصوري بالأبيض والأسود،وبالالوان وأشيائي الصغيرة،..
عبد ربه يحب السلفة كثيرا ويعشقها لما تكون سلفة فكر وعلم ورؤى..وإستماع..وصحبة..وحب..
أو ليست الروح أجمل سلفة الخالق القهار للكون..
أما سلفة درهم،أكثر ما أكره....
''عبيد الصنك المعبود يا قلوب الحجر..
قلوب طايشة مليانة بالغدر..''
أول مرة أسمع هذا العنوان،''من التراث إلى الثورة''.. في مدرج كلية الحقوف.. وقلمي يلاحق محاضرة أستاذ مادة ''العلوم السياسية''،حتى ورد في سياق إرتجاله استشهاد ''وكما جاء في كتاب ''من التراث إلى الثورة''..دون أن يشير الأستاذ المحاضر إلى صاحبه..بسرعة سطرت على عنوان الكتاب ..ولما أنهى المحاضر محاضرته وبدأ يتفحص الأسئلة التي يمررها له الطلبة مكتوبة على ورقات صغيرة ..وما لحقت القيام بهذه العملية..فوقفت من بين الطلبة أعتذر من الأستاذ بسؤال شفوي..
-''من فضلكم يا أستاذ،ومعذرة لم ألحق مكاتبتكم بسؤالي ..من هو صاحب كتاب ''من التراث إلى الثورة..''لم يرد في إستشهادكم وشكرا..
فرد الأستاذ المحاضر..
-''ما إسمك يا بني..
رديت عليه في الحال،فهم بتدوينه وهو يردد إسمي، أجابني..
-''طيب،يا أستاذ،.. إسمه الطيب تيزيني..ويحصلنا الشرف لو تحضر لنا محاضرة عن هذا الكتاب الأسبوع المقبل..''صمت قليلا وأضاف..حتى نستفيد جميعا منك..وإن شاء الله ننفاش أسئلة زملائك المطروحة هنا –رافعا يده- كتابة،..السلام عليكم..''
''شمران حمادي''، يا من لا يعرفه في كلية الحقوف،جامعة محمد الخامس الرباط..أواسط السبعينات .
حوالي الستين في عمره,
بقامة عريضة وشنب أبيض،ونظارته بزجاج رمادي داكن وبإيطار كلاسيكي،
عراقي الأصل..
يملي دروسه بالإرتجال، وبلغة عربية تقول للفصاحة والسلاسة والنكتة لا تعرفون شيئا..لا يطبع محاضراته..ولا يبيع ويشتري في مطبوعاتها كما كان بعض السادة الأساتذة المحاضرين يفعلون الله يسامحم من المشرق والمغرب..مصيبتنا مصيبة واحدة من المحيط إلى الخليج وعيوبنا في سلة واحدة فنحن الوحدة العربية في المصائب والمثالب..والهزيمة والإشتراكية الديمومة على كرسي الحكم الديمومي..
ثم وقف من مكتبه يهم بجمع محفظته،وطرت راجلا، من بين الطلبة يغادرون لألحق الأستاذ قبل أن يغادر المدرج،
إستأذنته،
-'' لو سمحتم يا أستاذ لدي طلب مساعدتكم..فقاطعني..
-'' أنت فت علي بكره المكتب التاسعة الصبح..ونشوف كيف نساعدك..''
سد فمي عن كل رد..حضرني جنيي ..
-''إشتريتها لنفسك..مالك يا صاحبي أخف من رزقك،لكن ''ماعليهش''لو شاورتني أقل لك خير ما تفعل..''
المحاضرة الأسبوع المقبل..وأنا أسمع بالكتاب لأول مرة وفي ثاني محاضرة في هذه المادة الشغوف بها جدا ''العلوم السياسية''،..ترى لماذا الأستاذ المحاضر جر بي الحبل هكذا..
سلمتها لله،وللموروث الشعبي يقول في هذه الحالة ''يصبح ويفتح''،يشرق وقل باسم الله يا فتاح ويا رزاق..
الساعة التاسعة،الصبح..
الأستاذ في المكتب.
وعبد ربه بالباب،..
أنتظر أن يشاور عليه بوصولي أحد بوابي مكاتب الأساتذة.. بعد أن سلمت للبواب ورقة صغيرة كتبت عليها بالحرف.
''صباح الخير أستاذي,معكم فلان بباب مكتبكم الموقر، سنة أولى علوم سياسية،في موعده،تقبلوا أحتراماتي..
والبواب يسمح لي بالدخول وجدت الأستاذ بكامل الإنشراح والبسط يناديني..
-''تفضل أيها الزعيم إجلس..''
الزعيم،وهكذا مرة واحدة وأول كلمة،أحسست بنفسي وقتها بارتفاع المعنويات،..
زعيم بلسان أستاذ دينصور في السياسة..-بمعناه في الإنقراض،لأن مثل هؤلاء الأساتذة إنقرضوا في ثلث قرن-ومن يدري ربما هذا اللقب يصلح لأترشح لإنتخابات ''الإتحاد الوطني لطلبة المغرب..'' ولما لا وبحملة إنتخابية بمساندة دولة من الخارج في شخص أستاذ عراقي،والطلبة العرب في أواسط السبعينات في الرباط وحدها كانوا يشكلون نسبة 85 بالمائة من مجموع الطلبة الأجانب و 25 بالمائة من مجموع المجموع..وهكذا سأفوز دون أدنى شك ولو بالشهرة على الأقل.. مع العلم أن مقر سكناي في ذلك الوقت كان زملائي يسمونه بالقنصلية..فجميع الطلبة الأجانب من محتلف الجنسيات العربية والإفريقية لابد وأن يكون أحدا منهم قد زار الشقة،وهذه ليست مزحة كانت الشقة التي أقيم فيها بمساعدة صديق عزيز بالرباط.. يأتي إليها الفلسطيني المصري والسوري والعراقي واللبناني..والسوداني والنيجيري والسينيغالي..قناصلة بلدانهم بالرباط في مقر بسيط بزنقة وادي سبو حي أكدال الرباط - بدون أوراق إعتماد بدون تنصيب رسمي..ورواد أخرون
-''إحتراماتي أستاذي،لدي الشرف الكبير..وأفتخر كثيرا بهذا اللقب سأضيفه إلى إسمي..''
إبتسم في وجهي جيدا بل دنا برأسه مني..واضعا مرفقية قوق المكتب
-''وتضيفه إلى إسمك؟ تلزمك يا يني إجراءات ومساطر.. وقد تلحقك منه الشبهات..
ثم رديت وليس بالساهل أن يسميني هذا الأستاذ الجليل بالزعيم وأسكت..
لا.. عبد ربه دائما في مثل هذه الساعة السعيدة لا يسكت.. و يكتب..ويكتب.
وهو لا يكتب،يكتب..
ولا يسكت..
ولا تسكتوا السكوت المهين،
ولا تخرصوا
إنه عابر سبيل متمرس في العبور يفهم برمشة عين رسائل الزوار المشفرة..والمارين من هنا.. وهناك..
-''ولما لا يا أستاذ سوف لن تكلفنا الإجراءات أي شيء.. ونحارب الشبهات،علموننا أنتم فقط كيف ونحن نقوم بالواجب..
لم يتردد الأستاذ بتواضع كبير وكبير جدا..تواضع ضخم بوزن الفيل وأضعاف الفيل وهو يعبر لي عن سروره رافعا ورقة الزيارة الصفيرة التي كتبتها للبواب قبل الدخول قائلا..
-''تعرف يا بني أنا عنوة في المحاضرة لم أذكر صاحب الكتاب،لأختبركم فيما إذا كنتم تستمعون وتتتبعون دروسي..وقد فاجأتني بسؤالك و بإضافتك للسؤال أن أشرت علي بإغفال ذكره..ولم تلحق مراسلتي..جميل.. فأنا يا إبني لم أعفل،صاحب الكتاب.. بل أنتظر واحدا منكم يسأل عنه..ريحت ضميري..
تم جر دولاب المكتب ليخرج منه كتاب من ''الثراث إلى الثورة،بارز العنوان بالحجم المتوسط ..أول نظرة تحسبه في 400 صفحة يمده لي
-''تفضل يا بني هذا الكتاب خذه قد لا تجده الان عندكم في السوق..لا أظن..''.
مسكته -الكتاب- واقفا بيدي الإثنين شاكرا الأستاذ جزيل الشكر. وأول ما لمحت على ظهره في الأسفل ..وانا أعود للجلوس -بيروت 1976- وساعته وتاريخه لله بمكتب الأسٍتاذ المحاضر التاسعة والنصف صباحا من يوم من أيام نونبر 1976..ثم قلبت الكتاب الكاتب أسفل العنوان البروفيسور الطيب تيزيني..ثم توجهت للأستاذ..
-''والمحاضرة يا أستاذي أشتغل فيها كيف يعني احضرها بخصوص الموضوع..؟ ألخص الكتاب أم ماذا..
فكر قليلا ثم رد:
-''أنت المحاضرة القادمة تعطينا فقط نبذة عن حياة الكاتب والظروف العامة لسيرته، بخطوط عريضة..وتقدم ملخصا موجزا عن الكتاب وهذه نسخة لبحث أنجزه أحد الأساتذة المحترمين في بلادكم..ستجد إسمه بالداخل..إنها محاضرة ألقاها بمناسبة ندوة كنا نحن الأساتذه في الحقوق نحضر لإنعقادها في موضوع السياسة والثراث العربي الإسلامي لكن لم يقدر لها ان تنظم..فيما بعد ربما..''
بماذا سيشعر طالبا في هذا الموقف عمره 21 سنة..وهذه عصارة الشهادة فيه
لبيب،ويجتهد..وطموحه كبير جدا..ومتحمس لكي يذهب بنفسه بعيدا مهما كلف الثمن وبرصيد لابأس به مما حصلت عليه في الثانوي خاصة تنويه رجالات الثانوية..ورجال البلاد من الجار الأول و القريب مرورا بالسابع و حد أخر نقطة بالمنطقة..وهأنذا أعادرها.منطقتي، إلى العاصمة محلقا ككروان حط هنا منذ شهرين يؤثث عشه،..وكروانة مرة مرة تحلق بالمكان،لازلت لم ''أنده'' عليها،نشوف حالها وهل هي من هنا أم هي الاخرة مهاجرة مثلي مثلها..لكن المناسبة أكيدة قريبا لأنها بدأت تترد على المكان كثيرا..
أحسست وقتها كما وقته الان بقشعريرة زادت من نار تشتعل بداخلي،وكأن الأستاذ المحاضر مدني في لحظتها بدراعين من الحطب ، يخاطبني خطابا أخر:
-'' خذ يا بني هذا الحطب زادا لنارك إذا شعرت بها تبرد أضف إليها الحطب ولما تحتاج للمزيد تعالى اطرق باب مكتبي أزودك بدراعين وأدرع لا تنتهي وبما لم تكن ''عليه معول..'' في إنتظاره..من الحطب
هل لا زال مثل هؤلاء الأساتذه يجوبون أطراف الكليات والمعاهد العليا..بمثل ما كان هؤلاء السادة الأجلاء نهاية الستينات والسبعينات..هؤلاء الذين رفعوا بحق وحقيقي الأقلام وكأنهم يرفعون السيوف..يكتبون كما لو أنهم يحاربون في ساحة الوغى...وكم منهم سقطوا ضحايا إغتيالات وتعذيب بما يفوق السادية بسيع سموات فسقطوا وهدرت دماءهم هدرا وظلما ..شهداء عند ربهم..لأنهم وهم يكتبون يضربون بالسيف الجهل والتخلف والرجعية والتزمتية.. يجاهدون في سبيل الله وفي سبيل الكلمة..ومنهم من رموا بأقلامهم واستسلموا ..باعوا ما تبقى من عمرهم رخيصا..باعوه راكعين..أسفل سافلين..
الجلوس في الصالونات المؤجرة بأفخم الفنادق..ترى أحدهم في اخر الليل حالته حالة بالفندق..مفكر باحث سكران لحد الثمالة..ويقولون لك في الصباح فلان غادر من هنا الأمسية الفكرية لا يعرف رأسه من رجليه..
الله يرحمك يا محمود درويش وكيف كانت أمسياتك شهادة للروح وهي تبكي..وبلاغها عندما تضحك ،ونشيدها عندما تحمل الروح البندقية..ا
أما الأن فقد وقع للعديد من شعراء الصالونات ما وقع لبوريس هلتسين رئيس روسيا القيصيرية الأن أما الإشتراكية فقط نحن العرب من نهلل بها..وهو يقوم بزيارة رسمية لإحدى دول المعسكر الشرقي ، لما حطت الطائرة بالمطار لم ينزل بوريس من الطائرة ورئيس الدولة المضيفة واقف عند درجها المتنقل ينتظر..
يتظر بوريس هلستين متى ينزل ولم ينزل.. وسرعان ما عادت طائرة الرئيس الروسي تحلق في السماء عائدة إلى روسيا من دون أن ينزل الرئيس أرض الدولة المضيفة..وأقامت أمريكا الدنيا وأقعدتها عن هذه المفاجأة لعدم تنفيذ الرئيس لزيارته الرسمبة وقد وصلت به الطائرة ولم ينزل وما فتئت أن إطمأنت بسرعة للخبر وبلغت العالم بأن الرئيس لم ينزل لأنه كان شبغان فودكا..وكثير منهم شعراء الصالونات لم يقفوا بمنبر الأمسية وتغيبوا عن دورهم لأداء القصيدة المبرمجة لهم.. لأن الخمر لعبت بمزاجهم نائمين في غرفة الفندق..
سكروا واقفين..
وليس ماتوا واقفين كم أنشد محمود درويش في حق الرجال المترجلين..أما الرجال المتصبينين فقد ملؤوا الدنيا متخفين ومقنعين بقناع الثقافة العالية والبانطلون ''فان جيلس'' كمن يخفي تسوس أسنانه بالسواك..أو كمن يكون في موقف الشبكة تعاير الغربال يا أبا العيون الكبار..أو كالعريان عندما يسأل ماذا يحتاج يرد عليه خاتم يا مولاي.
والعلامة الأستاذ السوري الشامي ''الطيب تيزيني''..من بين الفرسان الذين شمروا على علمهم وشغلوا عقلهم لإعادة قراءة الثراث العربي الإسلامي بمنظور جديد وبفلسفة جديدة..لإعادة الإعتبار لهذا التراث الذي يقول الطيب تيزيني بشأنه
''إن المفكرين والمؤرخين والمثقفين العرب عموما قد عاملوه –أي الثرات العربي الإسلامي طوال سبعة قرون كما تعامل زوجة الأب الغيورة ربائبها..''
أو كما يقول أستاذي شكري البكري ''في ظل أزمة القراءة؛ وأزمة الوقت، وأزمات الحداثة... لا أحد منا يستشعر لذة في القراءة، أو الاختلاء، أو العودة إلى مكامن تراثٍ لا نذكر منه إلا أنه زمهرير، وضيغم، وهيجاءٌ، وسابغةٌ بمعنى أننا لا نذكر من تراثنا العربي إلا أنه مستعصي الأبواب منغلق النوافذ''
وإعادة قراءة الثراث العربي الإسلامي سواء الثراث الفكري أم الأدبي من قواعد ثورية،ليست سوى إعادة الإعتبار لهذا التراث والتي قادها إلى جانب الطيب تيزيني ،السوري جلال العظم والمغربيين عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري..
هؤلاء السادة الأساتذه كانت لديهم في أواسط السبعينات من القرن الماضي مشاريع منفردة بخلفيات ومناهج مختلفة..وبفلسفة تقدمية لإعادة فجص هذا الثرات وتدقيقه ''وبعث عنقائه من رمادها..''
وقد مهد الطريق لهذا الرباعي، الطيب تيزني وجلال العظم وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري المفكر السوري حسين مروة المبدع في الفكر والأدب والتراث..صاحب كتاب ''النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية'' والذي كان الأول الذي رن ناقوس إعادة قراءة هذا الثرات الدفين بمنظور تقدمي..
ترن،ترن..
حان الوقت للتراث أن يشهر السيف ويدخل بدوره ساحةالقتال وحيا على الجهاد ،..حيا على الكفاح فقد أضنتنا الخطب من وراء المنابر ..
لكن نظراته التقدمية، الشهيد حسين مروة لم تكن في متناول إدراكنا فقتلناه في بيته في بيروت عام 1987 لتنطفأ بذلك إحدى منارات الفكر العربي في القرن العشرين ولكي يظل دمه معلقا بين المقاومة اللبنانية وحزب الله..وورواد الإسلام المتشدد وقد قال فيهم نصر حامد أبو زيد الذي أحل التيار الديني المتزمت بدوره دمه..
\\\"ان الخطاب الديني يمثل الغطاء الأيديولوجي للأنظمة الدكتاتورية الرجعية وتكريس أشد الأنظمة الاجتماعية والسياسية رجعية وتخلفا\\\"..
وفي تأبين المفكر المصري محمود أمين للمناضل الفيلسوف حسين مروة قال:
''كان إمتدادا مبدعا لما سبقه من إبداعات في الدراسات الثراتية وأعاد بناء رؤيتنا للتراث الفلسفي مبرزا ماضيه من كنوز الفكر المادي الموضوعي الذي طالما غيب ومازال يغيب عن أغلب من يكتبون عن هذا التراث.. فضلا عن كشفه عن حقائق الصراع الطبقي في قلب هذاالرصيد الفكري والديني والادبي عامة بغير جمود منهجي أو إيدولوجي..
فعلى نهج حسين مروة سار العلامة تيزيني..الذي وضع عام 1976 مقدمة نظرية منهجية لقضية التراث العربي الإسلامي ضمنها كتاب ''من التراث إلى الثورة'' يدور حول نظرية مفترحة لهذا الجانب كمشروع رؤية جديدة للفكر العربي من العصر الجاهلي إلى المرحلة المعاصرة..
وسأحاول في هذه الحوارية القيام بقراءة ثانية لهذا الكتاب..والأخذ بعين الإعتبار مؤلف ''من الثرات إلى النهضة'' لنفس البروفيسور بإعتباره إمتدادا لكتاب ''من الثرات إلى الثورة على ضوء مخاضرات ونصوص مختلفة وإعتمادا على عون أساتذة في الظل..حتى أرد سلفة العنوان إلى صاحبها كما وعدته قبل قليل..
ومن عنده رأي أو توسيع النقاش فمرحبا به بروح رياضية وفكرية وعلمية ..
وكما أنشدت السيدة فيروز..
إللي عندو حكاية يحكيها..
واللي عندو أغنية يغنيها..
وأضيف إليها
والكلمة بجوارحها..
المصطفى الكرمي.
إعتمادا على الأسباذ شكري البكري.
''حدائق التراث العربي''
12 سبتمبر 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.