طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات في رحيل فيلسوف النهضة العربية الجديدة محمد عابد الجابري

لأنه أحد رواد الفكر العربي المعاصرين، وقد أثرى المكتبة العربية بمؤلفات ودراسات تحمل قيمتها المتجددة دائماً،
ولأنه أحد الأسماء الهامة، التي وإن اختلف البعض معها، إلا أن وجودها كان يعني الحياة لكل المعارضين، وهو الذي اعتاد أن تكون أفكاره وقوداً لأفكار أخرى، لذلك كان رحيله صدمة للكثيرين وخسارة نحتاج لوقت طويل جداً لتعويضها في ساحتنا الثقافية والفكرية
.
د. طيب تيزيني :

الحالة التي يجسدها الجابري في رحيله حالة خاصة فعلاً، فالرجل كافح طويلاً على صعيد الفكر، وأنجز الكثير، ومن ثمة، فإن رحيله سيترك فراغاً ملحوظاً في الفكر العربي المعاصر، لقد قدم أشياء هامة استطاع من خلالها أن يضع «العقل العربي» في مشرحة دقيقة، استطاع من خلالها أن يصل لنتائج ذات أهمية منهجية بارزة، وكذا الأمر فيما يتصل بمسائل ومقولات ومفاهيم أخرى كثيرة، واجهها بأداة العالم، ووصل من خلال ذلك إلى نتائج جديدة، يمكن أن تبنى عليها محاولات جديدة باتجاه مزيد من البحث العلمي في الفكر العربي، ولا شك، وكلل عالم ومفكر الخطأ ليس مسبة أو رذيلة، بقدر ما قد يشكل في هذه الحال لحظة من لحظات التوهج الفكري نفسه، وهذا ما عاشه الجابري . أضيف إلى ذلك بعض صفات شخصيته، التي تعرفت عليها منذ (3) عقود تقريباً، وكان ذلك في تونس فما إن التقينا، حتى نمت بيننا أواصر صداقة لم تطل، وللأسف لم تستمر أكثر من الجلسة التي كنا نحضرها ونسهم فيها، فعلى عمقه، الذي هيّأ له فتح آفاق كثيرة في الفكر، كان الرجل ينطوي على ما عرفته بوصفه نقطة ضعف، فبعد أن تحدث في الجلسة، نهضت أنا كذلك فعقبت، وأضفت، ولا حظت أن هذا كان المدخل إلى إنهاء الصداقة الوليدة الجديدة، لقد اتضح لي أنه لا يحتمل علاقة نقدية، فمن لا يستجيب لرأيه لايستمر معه بطريقة أو بأخرى، وقد أسفت لذلك، لأن هذا على صعيد الفكر والإنتاج الفكري، قد يشكل احتراقاً للعمل نفسه، ومع ذلك، بقيت على احترامه ومودته، ونشأت بيننا سجالات كانت تستعر أكثر فأكثر، بحيث وجدت نفسي في شاطئ آخر مختلف تماماً عن شاطئه.
وأريد أن أشير كذلك إلى أن هذه المعطيات، التي ذكرت، لم تجعلني أغادر الحوار أو السجال معه، مع أنه لم يكن يستجيب له نقدياً أو بشكل غير نقدي، وقد حزّ في نفسي ما حدث بيننا في أبو ظبي منذ عام تقريباً، حين نشأ سجال صاخب بيننا، بعد أن قدمت محاضرة حول الفكر العربي والعولمة. وأنا الآن أشعر بأسى شديد لأن القطيعة في سياق ذلك قد تركت بيننا شرخاً عميقاً.. لقد توفي الرجل وأنا سأذكره دائماً بالخير العميم، حتى وإن كتبت نقدياً حول ما أنجزه، بل إنني سأبقى أحترم ما قدمه، لأن ما قدمه يفتح آفاقاً للحوار لا بد وأنها ستكون مهمة لتطور الفكر العربي، إذ في ذلك طريق لابد من سلوكه على هذا الصعيد... وهو ذلك الذي أصوغه بكونه طريق التقدم الفكري العربي، عبر مناقشة حقيقية حوله، تسمح لنا جميعاً أن نبني ونعيد البناء، ونؤسس لحالة يمكن النظر إليها على أنها دخول في العصر الجديد.

د. أحمد برقاوي :

إن رحيل المفكرين والشعراء والمبدعين وكل من يضيف شيئاً إلى هذا العالم، هو أمر محزن وجلل، والجابري ينتمي إلى أولئك الذين قرروا أن يضيفوا شيئاً إلى الحياة، دون النظر إلى تلك الإضافة، وإذا أردنا برحيل الجابري أن نحدد مكانته بمعزل عن تلك العواطف، التي تنتاب الإنسان جراء الموت، فإن الجابري شأنه شأن أولئك الذين اعتقدوا أن إحداث ثورة في العقل العربي من خلال أن التفكير غير ممكن إلا بإعادة بعث التراث الفكري العربي وتأويله، وهذا وعي ناتج عن أزمة وجودية حقيقية لم تسمح للجابري، ولحسن حنفي، وللطيب تيزيني، ومحمد عمارة، ومن شابههم من تراثيين، أن يلتقطوا العلل الحقيقية لواقع الحال، وبالتالي لم يلتقطوا ملامح الطريق نحو المسقبل، ذلك أنهم اعتقدوا - وهم مخطئون في اعتقادي - أن تثوير التراث يبدأ بتثوير العالم، وكأن العودة إلى العقل لاتتم إلا إلى عقل مضى، وكأن العودة إلى الفلسفة لاتتم إلا بالعودة إلى فلسفة مضت، وبهذا لم يسعفنا تثوير التراث ولا عقليته، كما يريد الجابري، ولا جعله ماركسياً، ولا هم يحزنون، ولكن أن ينشغل مثقف ومفكر بهموم الأمة من حقه أن يخطئ بانشغاله على مستوى الوعي، وهذا أمر يدل على انحياز المثقف لهموم أمته.
وهذا الانحياز يؤكد أهمية المثقف... إن الجابري وهو يبحث عن عقلانية نقدية في التراث العربي والغربي معاً، عاد إلى نقطة الصفر، حيث انتقدها في كتابه «الخطاب العربي المعاصر»، الذي أراده تحرراً من سلطة السلف الغربي والعربي، وهو إذ أعطى علامة الصفر للقومي والوجودي والماركسي والوضعي، قرر أن يصوغ مشروعاً لما يجب أن يكون عليه التفكير، فإذا في تكوين العقل العربي رفض لبنيات التفكير على طريقة «فوكو»، ولكنه أي هذا الكتاب، يخلط بين البيان والبرهان والعرفان، مع أن الجابري أراد لهذه البنيات أن تكون منفصلة عن بعضها البعض من أجل أن يؤكد أن الفلسفة العقلانية هي فلسفة المغرب، ويقصد ابن رشد وابن باجه وابن طفيل، حيث يجب الاتكاء على فلسفة كهذه من أجل التفكير اللاحق، وهو في بنية العقل العربي لم يقم سوى بشرح لما جاء في تكوين العقل العربي، بل إن استخدام العقل العربي يشي بلحظة سكونية أكثر منها صيرورة تاريخية، في كل الأحوال لانريد أن نقول سوى أن الجابري، قد زودنا بنصوص يمكن لنا عبر نقدها أن نتجاوزه، ويجب أن نفعل ذلك، لا لأننا مختلفون معه، بل لأن من شيم الفكر التجاوز.
أعاد التفكير في ابن رشد

د. فاضل الربيعي :

برحيل الجابري أبي المفكرين العرب يكون الفكر العربي قد خسر أحد أكبر أعمدته... كان فيلسوفاً ومفكراً من طراز فريد.. ولعل مشروعه التنويري هو الذي أعاد التفكير في ابن رشد الجديد، فكان بحق فيلسوف النهضة العربية الجديدة التي لم تكتمل ملامحها، ولكنها أعطت عبر مشروعه التنوير ي الضخم إشارات على إمكانية أن تبدأ النخبة الفكرية العربية من جديد مشروع نهضتها... إن نقد الجابري للفكر والعقل والأخلاق العربية والتفسير الجديد للقرآن والتراث، هي فاتيح كبرى لإعادة صياغة وعينا في التراث والحداثة والنهضة.
مفكر متعدد الأبعاد
د. جمال باروت:

في كل ثقافة من الثقافات هناك دائماً نوع مميز من المفكرين تكون بصماته مميزة وراسخة في تاريخ هذه الثقافة أو تلك، ويعد الراحل الجابري واحداً من هؤلاء المفكرين الذين تركوا بصمات راسخة في تطور الفكر العربي عموماً، والفكر العربي الحديث خصوصاً، فكان له دور مؤسس سيبقى يمثل إطاراً مرجعياً وأساسياً في تحولات هذا الفكر.
كان الجابري مفكراً متكاملاً متعدد الأبعاد، يهتم بالسياسة والأفكار وتاريخ المجتمعات...الخ ، ولم يؤثر هذا التكامل أبداً في صلابة شخصية المفكر العميق بما أنجزه في الثقافة العربية الحديثة، التي غدت تحتل مكانة مهمة في إطار فكر الحداثة ونقدها، حيث كان الجابري ينتمي إلى إطار معين يمكن وصفه بنقد الحداثة من داخلها وبالتالي، فإن مراجعات تطورات الفكر العربي والتاريخ الفكري الاجتماعي العربي لا بد وأن تمر بمحطة إجبارية، تتمثل بالإنجاز التأسيسي الكبير الذي مثله الجابري .
إن هذا النوع من المفكرين الذي لابد وأن يترك بصمته الواضحة في تاريخ التحول في المجتمعات، والأفكار، سنبقى دائماً بحاجة إليه وهذا يعني أن حضور الجابري سيبقى دائماً ومتجدداً .

ممدوح اسكاف :

برحيل المفكر العربي الجابري تفقد الثقافة العربية معلماً بارزاً من معالمها، وركناً مفصلياً من أركانها، وقامة باسقة في الفكر والمعرفة والتاريخ والبحث الأكاديمي ... قام بنيانها على النظر العميق المدقق في الثنائيات الضدية: التراث والحداثة، السلفية والعلمانية- الأيديولوجيات السائدة ومزاحمة العولمة...الخ. لقد استمر العطاء الثقافي للجابري باذخاً على مدى عمره الإنتاجي من أجل بناء المشروع القومي العربي المعاصر ثقافياً وفكرياً واجتماعياً وسياسياً، واللوذ به طريق من الطرق الممكنة لنهوض عربي وحدوي شامل، وتأسيس دولة حضارية حديثة معاصرة، تستعيد في تطورها وحضارتها أمجاد التاريخ الناصع لوجودنا الحضاري في العصر العباسي والأندلسي، وتضيف إليه برنامجاً معرفياً لإرساء قواعده وتمكينه وتعزيز قوامه، يستفيد من طاقات التكنولوجيا الجديدة، والمعلوماتية ومختلف وسائل الاتصال الراهنة، ليثبت ماهيته وهويته في الانتماء والارتقاء والتمدن العالمي وبعث الجذوة العربية من رمادها لتلد عنقاء العروبة شعلتها المتأججة وتسير في مواكب التقدم والتنمية.
لقد تعرفت على د. الجابري شخصياً في مطالع التسعينيات من القرن المنصرم ، حين زار مقر المكتب العربي لاتحاد الكتاب العرب في حمص، بصحبة الراحل المفكر العربي نعيم اليافي، وهما في طريقهما إلى حلب وكانت جلسة فكرية حوارية مفيدة، دارت محاورها على ضرورة تجديد بنية الفكر العربي المعاصر تجديداً يجعله مواكباً للعصر بقدر حفاظه على تراث الأمة، واستثمار مضمونه الحضاري، وقد استرجعنا في أثناء حديثنا الدور المهم لعدد من المفكرين العرب السوريين في هذا المجال، وفي مقدمتهم المفكر العربي المجدد د. طيب تيزيني في شغله على مشروعه النهضوي المتوسم من خلال إصداراته المتتابعة في هذا الميدان، وإسهامه بفكره المنهجي الاستشرافي، وحراكه العملي في بلورة صيغ ووسائل تنفيذية لنقله من الورق إلى الواقع ، وتجسيده حقيقة معاشة تجعل الارتقاء بالمجتمع العربي من النواحي كافة إلى مصاف المجتمعات الحديثة على أساس تثمير العلم والتقانة ، طريقاً سالكاً لتحقيق ما تصبو إليه أمتنا العربية من الآمال .
ولا شك أن فكر الجابري ومنهجه- على الرغم مما تعرضا له من انتقاد ونقض- سيبقيان معينين ثرّين لأجيال أمتنا في غربها ومشرقها تستقي منه أصول طرائق البحث العلمي منهجاً نظرياً وزاداً معرفياً.
ظاهرة تجاوزت المألوف

د. حسين جمعة:

لا يشكل الجابري ظاهرة فكرية ثقافية مغربية فقط، إنما يشكل ظاهرة عربية ثقافية استطاعت أن تتجاوز المألوف، وهذه الظاهرة التي ارتبطت بالثقافة العربية تراثاً، استطاعت أن تشكل لذاتها مرتكزاً للمناقشة والحوار، وكان الجابري قد رمى حجره في المياه الراكدة، فاستطاع بذلك أن يحرك دوائر كثيرة، فانبرت الأقلام من هنا وهناك لمناقشة ما يطرحه، وبالتالي عندما نقرأ كتبه الكثيرة «نحن والتراث » ورباعيته «نقد العقل العربي» وغير ذلك من الكتب التي تشير إلى أن العقل العربي لم يعد يستطيع أن يستوعب المتغيرات، ومتطلبات الحداثة، فإنه أراد بذلك أن يرسم آفاق الأمة، وبما ينبغي أن نقوم به...إن الجابري يمتلك عقلاً فذّاً وقدرة على الاستيعاب والتحليل والتأويل من النادر أن تتواجد في شخص آخر... وإن إعجابي به يتشكل في إطار من التحليل، الذي اعتمد به على «القطع» أي ما نسميه القطع الغربي، وكلنا يعرف أنه حاول أن يعتمد مفهوم الاختيار الدقيق، بما يتعلق بالتراث، بحيث لا نلغيه من ذاكرتنا، إنما من خلاله لابد وأن يتشكل شكل من أشكال الثورة، وأعتقد أن هذا ما يميزه عن القطع الذي قامت به أوروبا، حين أرادت أن تنقطع عن التراث من أجل الحداثة، لقد وقف الجابري الموقف الوسط، لذلك أستطيع القول إن أحداً لن يستطيع أن يسدّ مكانه، لأنه كان يمثل ظاهرة بحد ذاتها
.
د. سامر رشواني –
«جامعة حلب»: خسارة كبيرة، وقد كان أحد المفكرين الذين حركوا الفكر العربي في القرن العشرين، حين ثوروا الفكر وجعلوه يتجه باتجاهات مختلفة... كما أنه أثار ثوراناً فكرياً فجر الكثير من المشاريع المقابلة، كان أصحابها، قد أقاموا مشاريعهم بناء على رؤيتهم المخالفة لنظرته، لذلك يمكن القول إن رحيله جعلنا نخسر المحرض الهام لإنتاج مشاريع أخرى، لقد ظل لآخر دقيقة من حياته، ورغم حالته الصحية السيئة، يصر على تقديم المشاريع المثيرة للجدل كمشروعه الأخير عن القرآن الكريم «مدخل إلى القرآن الكريم» الذي أثار جدلاً من خلال تفسيره الشخصي للقرآن، وقد طرح فيه رؤية جديدة لتفسير القرآن حين اعتمد ترتيب النزول لسور وآيات القرآن وتفسيرها في ضوء الأحداث التاريخية التي رافقت نزولها، وعلى أساس أن هذه الطريقة من التفسير، تضيء جوانب أخرى في النص القرآني ، وتكتشف أبعاداً فيه لم تكتشف بعد .
حاول أن يعمل استشراقاً على المشرق


د. غريغوار ميرشو-

« جامعة حلب »: كان طاقة كبيرة تمثلت في كتابات وكتب لاحصر لها ، وقد حاول دائماً أن يبين النقاط المضيئة للعقل العربي، وقد كان بما يحمله من آراء وأفكار يدشن لبداية التفكر في الفكر العربي، كتابه «تكوين الفكر العربي» وإن كان البعض يرى أن زلته الكبرى كانت حين نمّط الفكر العربي بعقل المشرق الذي هو عقل حسي، وعقل المغرب الذي رأى فيه الفكر العقلاني، وبذلك حاول أن يعمل استشراقاً على المشرق العربي، ويحسب له في كل الأحوال أنه حرض وشجع وأثار العديد من التساؤلات في ساحتنا الفكرية، وكفى أنه كان وقوداً لأفكار ورؤى أخرى.
مؤسس لما يشبه جبهة فكرية ثقافية

أبو يعرب المرزوقي:

لم ينلني شرف الاقتراب الحميم من المرحوم ولم يحصل بينه وبيني لقاءعلمي إلا في مناسبة واحدة عابرة قبل بعض سنين في ندوة ابن خلدون بالبحرين. ولعل ذلك بسبب عزوفه منذ عقدين عن المشاركة في الندوات العلمية لأسباب صحية وبعدي المبدئي عن الحياة العامة والنضالية التي يعد الأستاذ الجابري رحمه الله من كبار روادها بل ومن قادتها. وقد شرفني فكان أحد أعضاء اللجنة التي ناقشت رسالتي حول الكلي. وما بين عملها الفكري ومحاولالتي من غايات عملية رغم اختلاف الأدوات النظرية فيه الكثير من أوجه الشبه وخاصة من حيث المقصد الأساسي الذي أشهد بأنه كان فيه الرائد ومحدد الوجهة لكل من أتى بعده من المفكرين المهمومين بشروط نهضة الأمة.
فهو بلا منازع رائد الوصل والحوار والمؤسس بفكره بل وبعمله كذلك لما يشبه الجبهة الفكرية والثقافية بين تياري الفكر الأساسيين في نهضة الأمة. ولعل أهم رمز مؤيد لهذا التوجه في فكره هو جمعه بين محنة ابن حنبل وامتحان ابن رشد. ومن المعلوم أنه قد دخل إلى هذا الوصل الحي من طلب مقولات الفكر الحديث في الفكر الأصيل مبرزا ما فيه من مقومات التأسيس الأصيل للحداثة من داخله.
ولعل أهم ثمرات هذا التوجه النظري في فكره قد كانت أحد العوامل الأساسية لانطلاق التواصل بين التيارين القومي والإسلامي اللذين وجد الكثير من زعمائه فيه ما يسند سعيهما إلى التقارب: وليس ذلك بالغريب فالرجل رحمه الله كان الهم العملي ملازمه بل هو قد مارسه فكان عنده المقدم على الهاجس النظري. ثم إن اجتهاداته الفكرية في تطبيق المناهج الحديثة على التراث وخاصة المنهج الذي يحدد ما يسميه فوكو بالابستميات كان بداية حقيقية جعلت المواقف من التراث تصبح منبت المحاولات النقدية المتوالية بين مدارس الفكر العربي الحديث ومن ثم تأسيسا للحيوية الفكرية التي يمكن أن تصبح منطلقا لنشأة تيارات فكرية مبدعة. وقد أساء إليه الكثير من قرائه عندما خلطوا بين منهجية تحديد الابستميات في تحقيب الذهنيات التي تحددت فكونت تراث الأمة النظري والعملي وما ظنوه قراءة ابستمولوجية للتراث. فالمنهجية الأولى ذات معنى. وهي ما طبقه بتوفيق مشهود اعتمدته أجيال من المفكرين الناشئين اعتماد أفق القراءة والفهم. والفهم الثاني عديمها.ومن ثم فمن سوء التقدير تقويم عمله في ضوئها بل هو منظور ظالم إذا ما قيست به ثمرات فكره. ذلك أن التراث ليس علما فيقرأ ابستمولوجيا بل هو أرشيف تقبل عقلياته المتواليةالتحقيبالابستمي الذي يمكن ألا يكون مما يجمع عليه الباحثون في دلالات التراث دون أن يفسد ذلك بينهم للود قضية.
رحم الله الفقيد وأسكنه رحيب جناته
حداثة في الفكر وعمق في التحليل

نصر حامد أبوزيد:

رحل الجابري عن عالمنا مخلفا لنا ثروة معرفية هائلة، أهم ما فيها هو الإنجاز المنهجي النقدي في التحليل والتفكيك. في رحلة من رحلات الاغتراب إلى إندونيسيا أبلغتني الدكتورة ابتهال بالخبر عبر الهاتف. وهذا الشكل من أشكال تلقي مثل هذه الأخبار يجعل العام خاصا. لكن لأن الجابري ليس مجرد مفكر عربي يتواصل بإطروحاته في فضاء الثقافة العربية فقد انزعج العالم الشاب "هودري عارف" حين أنبأته - بعد أن قرأ في ملامح وجهي أثر الخبر الفاجع. الجابري معروف بشكل جيد في إندونيسيا فقد ترجمت بعض أعماله إلى اللغة الإندونيسية كما تترجم أعمال كثير من المفكرين العرب والفرس. لكن لكتابات الجابري جاذبيتها الخاصة وتأثيرها الأعمق في وعي شباب الباحثين في الشأن الإسلامي، وذلك بحكم حداثة تفكير الجابري، وبحكم منهجيته الصارمة التي تتجاوب مع بحث هؤلاء الشباب عن نوافذ غير تقليدية للفهم والتحليل.
هذه الحداثة في الفكر والعمق في التحليل والدقة في العرض هي الخصائص التي ستبقي محمد عابد الجابري حيا في الفضاء الأوسع، فضاء العالم الإسلامي الرحب


منقول عن فرسان الثقافة

اختيار وتوضيب
حسن لشهب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.