يذكر التاريخ أن أبا العباس السفاح، أول خلفاء الدولة العباسية، سير جيشا كبيرا إلى الشام بقيادة عمه لقتال من تبقى من الأمويين، فكانت مقتلة عظيمة " أبيد " فيها الكثير من الأمويين، و منها أخذ أبو العباس لقبه " السفاح". فر من نجا من الأمويين و منهم عبد الرحمان بن معاوية الذي استطاع الوصول إلى الأندلس بعد طول عناء، و أسس فيها إمارة أموية جديدة. فكان عبد الرحمن الداخل بحق درسا في قوة الإرادة و الصبر. تحولت الإمارة الأموية الفتية إلى دولة قوية، ثم إلى خلافة إسلامية خصوصا بعد ضعف الخلافة العباسية في الشرق و ظهور الفاطميين في مصر. و في أواخرها استولى الوزير المنصور بن أبي عامر على الحكم و أسس الدولة العامرية على أنقاض الدولة الأموية. ثم ما لبثت هذه الدولة أن سقطت بدورها بعد ثورة قرطبة المشهورة. و هنا بدأ عهد جديد في الأندلس، عهد ممالك الطوائف. ممالك الطوائف مملكات صغيرة انتشرت في الأندلس. عاشت في تهديد دائم من الإسبان المسيحيين الذين توحدوا في الشمال. و لوقف هذا التهديد أصبح حكام الأندلس يدفعون ضريبة سنوية للجيران الشماليين .و قد زادت العلاقة المتشنجة بين حكام الأندلس و غياب أي فكر وحدوي لديهم في تأزم الوضع السياسي. و المفارقة أن هذا الضعف السياسي قابله من جهة ازدهار اقتصادي حيث عاشت هذه الممالك في رخاء نظرا لخصوبة أرض الأندلس و وفرة معادنها و قوة نظامها التجاري. و قابله من جهة ثانية ازدهار ثقافي حيث كان عصر ممالك الطوائف عصر ثقافة و فنون و علوم بامتياز لمع فيه نجم مجموعة من العلماء و الأدباء من أمثال المعتمد بن عباد و أبن زيدون و أبو الوليد الباجي و ابن حزم... ثم بدأ الزحف المسيحي بمباركة من الكنيسة، و استمر على مدى سنوات، و انتهى بسقوط غرناطة و طرد المسلمين ، على الرغم من محاولات المرابطين و الموحدين للدفاع عن الأندلس في معارك الزلاقة و الأرك... و التاريخ يعيد نفسه، الدول العربية اليوم في تشردمها تشبه ممالك الطوائف، و إن كانت الرقعة أوسع . صراعات داخل المنظومة العربية ، بين شمالستان و جنوبستان، و شرقستان تكيد لغربستان . و كرة أشعلت حرب داحس و الغبراء من جديد، فسحبت عبس سفيرها من ذبيان. و ثراء فاحش خاصة في مشيخات الخليج، و البترول العربي يجوب كل أرجاء المعمور. و ازدهار ثقافي ، وإن كان موضع جدل: تفتح التلفاز فتجد قنوات عربية تصبح و تمسي على غناء و رقص، و بعضها الآخر للشعر و الشعراء، و أخرى للسينما و الدراما تتحداك أن تقدر على إغماض عينيك.... فيخيل إليك وأنت تتنقل بين هذه القنوات أنك في بلاط المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية. أما الأزمات السياسية فتعالج بالشجب و التنديد ، و بيانات الاستنكار، و دعوة المنتظم الدولي لتحمل مسؤولياته... و غيرها من العبارات الرنانة حيث الجعجعة و لا طحين. و أسلحة بالملاير تكدس و تكدس في انتظار وقت شدة لم يحن بعد.... و هل من شدة أكبر من استباحة الدين و الدم و العرض و المال؟؟. أما الأسلحة الخفيفة فأصبحت رديفة الطبل و المزمار، تراها حاضرة بقوة في مواسم اللهو و الغناء، فهذا يلمع شاربه و يصقل سيفه و ينطلق إلى ساحة الرقص، و ذاك يدير رشاش الكلاشنيكوف بين أصابع يديه بخفة و رشاقة و يرمي به عاليا إلى السماء تحت أنغام الموسيقى .... و المؤسف جدا أن يتحد العدو و الصديق ، على الأقل حاجز العدو من اسمنت يثقب ، أما حاجز الصديق فلن يستطيعوا له نقبا .... و إذا ما رجعنا قليلا إل الوراء، إلى فترة الستينات و السبعينات حيث ساد الفكر الناصري القومي، نجد أن محاولات العرب للذود عن الأرض العربية تشبه إلى حد ما محاولات المرابطين و الموحدين للدفاع عن الأندلس . أما الحلم العربي فأنشودة تبث في و سائل الإعلام لامتصاص شيء من الغضب الشعبي في مواسم الاحتجاج، ثم تعود إلى رفها في انتظار الموسم القادم. للأسف لا تزال الدول العربية في سباتها. لا ترجع لتاريخ الأندلس المليء بالعبر إلا في الطرب الأندلسي ، أو لاقتباس أفكار لمسلسلات رمضانية يتسلى بها المسلمون عند موائد الإفطار. ولكن كما قال أبوالبقاء الرندي الأندلسي : " لكل شيء إذا ما تم نقصان...." يونس حماد [email protected]