لسان الحال : لماذا ضرب برلوسكوني؟ تعرض رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلوسكوني لاعتداء الأحد الماضي ، إصابة مباشرة في الوجه كلفت الوزير الأول الإيطالي طبعا سنا أو سنين و كسرت أنفه و شجت شفته. وسائل الإعلام تقول إن الجاني شخص مخبول قذف تمثالا، من تلك التماثيل الرخامية الصغيرة التي توضع في الكنائس، في وجه برلوسكوني و هو على مسافة قريبة منه. ولنتأمل دلالة المقذوف به أي التمثال بغض النظر عن مدى سلامة عقل القاذف : التمثال له دلالته الروحية باعتبار مكان وجوده ( الكنيسة ) و ما يرمز إليه في الفكر المسيحي ( يسوع ، العذراء....) و لعل القاذف أراد أن ينقل لبرلوسكوني رسالة مفادها أن الإله غاضب منه بسبب ما شيع عنه من فساد و فضائح ... و من قبله حذاء الصحفي العراقي ذو المقاس الكبير ( 42 ) الذي صوب إلى وجه بوش . و الضرب بالحذاء في الثقافة العربية إشارة إلى دونية المقذوف... أعجبني التحليل الإيطالي لهذا الحادث ، و الجميل فيه هو تركيز المحللين في تفسيرهم للواقعة على " لماذا؟ " أكثر من التركيز على " من؟ ". فكان السؤال الكبير : لماذا ضرب برلوسكوني؟ و كان جوابهم بأن الأمر راجع إلى ثقافة الكراهية التي باتت تسود مجتمعهم ، و هذه مقاربة نفسية لفهم مسببات هذا الحادث ، و لتفادي تكراره مستقبلا ،لأن معرفة مصدر نشوء الخلل أول مفاتيح الحل. المشكلة في عالمنا العربي أن التعامل مع أحداث مماثلة أو أكثر دموية تطغى عليه المقاربة الأمنية و عقلية المؤامرة, و تنتهي القصة باعتقال الجناة أو أكباش الفداء: من ضرب بوش؟ من قتل السادات؟ من قتل الحريري؟ من فجر بغداد؟..... عوض التساؤل : لماذا ضرب بوش؟ لماذا قتل السادات؟ لماذا قتل الحريري؟ لماذا تفجر بغداد؟... سؤال أكبر يطرح نفسه : لماذا تفشت العقلية الأمنية و عقلية المؤامرة في مجتمعنا العربي؟ لعل ذلك راجع لطبيعة الأنظمة السياسية ذات الهواجس الأمنية. و العربي منذ حداثة سنه يخاف من رجال الأمن و أعوان السلطة و كل ما يرمز إلى المخزن من قريب أو بعيد، و لكل بلد مخزنه ، و قد يتجرأ الشخص على الأستاذ أو الممرض أو ساعي البريد ، و لكن جرأته تنتهي في أروقة الجماعة أو البلدية أو العمالة أو مخفر الشرطة. و قد انتقلت للأسف هذه العقلية من السلف إلى الخلف ، فترى الطفل يشي بأخيه إلى والديه، و ترى الزوجة تفتش جيوب و هاتف زوجها، و ترى الأستاذ بمجرد خروجه يكلف أخلص خدام نظامه بحراسة زملائه ، بل و يتهافت جميع التلاميذ على هذا المنصب المغري حيث السلطة و النفوذ. إن المطلوب اليوم هو دراسة الظواهر الاجتماعية دراسة علمية عميقة و الغوص في ما وراء الحدث، و التشبع بثقافة " لماذا؟"، و طرح أسئلة كبيرة في أفق البحث عن الحلول الجذرية : لماذا يهاجر الشباب في قوارب الموت؟ ..... قبل نشر آلاف من القوات المساعدة كحرس للسواحل. و لماذا يتظاهر المواطنون في الشوارع ؟ ...... قبل وضع سيارات شرطة مكافحة الشغب عند أي تجمع بشري. و لماذا يضرب الموظفون و المهنيون ؟ ....... قبل تشديد القوانين و التهديد بالاقتطاع من الأجور. يونس حماد [email protected]