سرطان في بيوتنا...! كانت الفرحة كبيرة عندما جاء التلفاز مقتحما الأسر المغربية و غيرها و تهافت عليه الجميع رغبة في الفرجة و التسلية و المعرفة و تتبع متغيرات الوطن وخارجه ،لكن لم يعلم أرباب أسرنا أن التلفاز آلة قد تزعج سكونهم و تهدد استقرارهم في يوم من الأيام.اقتحم التلفاز الأسر المغربية بقوة و سرعة،ووصل إلى كل مكان،حيث نجد اليوم بيوتا تتوفر على عدد من شاشات التلفاز،و لم يستقر في المنازل فقط بل وصل إلى المحلات التجارية،و صالونات الحلاقة،كما وصل إلى أحياء الصفيح ،و أصبح ضرورة في كل منزل،و أخيرا وصل إلى المساجد. التلفاز بعثر أوراق الأسرة منذ أن وصل التلفزيون الأسر المغربية بما فيها الميسورة و المتوسطة و المحرومة بدأ الآباء ينسحبون شيئا فشيئا من حياة أبنائهم ،حيث بدأ التواصل مع الأبناء يتقلص في مقابل متابعة مختلف البرامج على الشاشة الصغيرة ،و لم تعد الطقوس الأسرية في طابعها الجماعي ،و بفعل هذا الجهاز تقلص النظر إلى أعين الأم و الأب و توجهت الأنظار إلى الشاشة كما تراجع الحوار بين الأبناء و آبائهم، بل وأصبح الكثير من الآباء يعيشون في غيبوبة و قد شبهت الباحثة الأمريكية في الدراسات الاجتماعية \"ماري وين\" تجمع أفراد الأسرة بحضور التلفزيون ب`الجلوس مع أصحاب القبور ́ !. بمعنى أن الآباء تحولوا إلى مجرد أجساد فقط ،في الوقت الذي استطاع التلفاز جلب كل العيون، بل و إثارتها بمختلف الألوان و المشاهد، إلى حد التنويم في لحظات كثيرة ،تجعل المشاهد في غفلة عن محيطه.. التلفاز بين التساقط الدراسي و تراجع ثقافة الكتاب قبل تعميم التلفزيون كان الفشل الدراسي متعلقا بالأسباب الاجتماعية و الاقتصادية و الجغرافية و البيداغوجية و التربوية ،لكن الآن انضاف سبب أخر مجاني صَاحَب تيار العولمة و هو دخول التلفاز كل بيوتنا حيث أن مشاهدته لفترات طويلة تؤثر على أداء التلميذ لواجباته الدراسية المنزلية التقويمية. التلميذ يجد سهولة في متابعة المشاهد التلفزيونية لأنها تقدم له جاهزة عكس صفحات الكتب التي تتعبه و تتطلب منه استحضار الخيال و التأويل والترجمة و بالتالي فإن التلفاز ساهم في تراجع ثقافة القراءة ،في الوقت الذي شجع ثقافة المشاهدة.هذا الأمر ليس بالسهل حيث أن الطفل تقدم له المشاهد جاهزة لا تتطلب منه استخدام الخيال و القدرات العقلية،التي تفسح المجال للإبداع و الابتكار. التلفزيون يغذي العنف لدى الأطفال من خلال الدراسات التي أقامها الكنغريس الأمريكي في السبعينيات من القرن الماضي و الدراسات في علم الإجرام في الكثير من الجامعات الأمريكية أفضت إلى نتيجة مرعبة للباحثين مفادها أن التلفاز سبب في ارتفاع نسبة الإجرام و العنف في صفوف الشباب بنسب تفوق 10مرات. كما توصلت الحكومة الفدرالية الأمريكية عام 1982 إلى تقرير عبر إدارة الصحة العامة أن العنف الزائد على الشاشة يؤدي مباشرة إلى سلوك عدواني بين الأطفال و المراهقين من قبيل الاغتصاب و الضرب و الدفع و القذف .. و يعتقد بعض الآباء أن الانغماس في برامج أثيرية يبقيهم هادئين و يقلل من صخبهم و يحول دون وقوع انفجارات أخوية داخل الأسرة، لكن العكس هو الذي حصل! حيث أن تلقي الطفل لجرعات تلفزيونية مطردة من الموت و الدمار لها تأثير مباشر على نفسيته. و حسب دراسة أمريكية فإن التلفاز خلق نوعا جديدا من المجرمين و أنتج سلالة جينية : \"الطفل القاتل الذي لا يشعر بالندم و نادرا ما يعي تصرفاته\". و لم يكلف الباحثون الغربيون أنفسهم عناء البحث في الأدوات التي صنعوها كالتلفاز و التي تشجع العنف و لم لا الإرهاب،فمؤخرا صرح العديد منهم أن العبارة التي جاءت في القرﺁن:\"و قاتلوهم\"تشجع على الإرهاب،بيد أن الانتاجات و البرامج التلفزيونية الغربية تورد عبارات أشد من ذلك و لها منحى واحد:الانتقام و العنف و القتل من قبيل:سوف أقتلك ..سوف أدمرك..و التي اعتاد عليها أطفالنا على الشاشة الصغيرة،سواء في الرسوم الكرتونية أو المسلسلات المدبلجة.. الآثار الصحية للتلفزيون على الطفل يشد التلفزيون الطفل بقوة و يجعله في حالة من الذهول و الاسترخاء القويين ،و أحيانا تتزامن المشاهدة مع تناول الطعام مما يؤدي إلى تناول كميات كبيرة و تتبعثر العلاقة بين الإرادة الطبيعية في الأكل و الإرادة النفسية ،و أكد بعض الباحثين أن الجوع أثناء المشاهدة عادة ما يتحول من جوع بيولوجي إلى سيكولوجي . و تزداد إمكانية الإصابة بالسمنة كلما ارتفعت مدة الجلوس أمام الشاشة. كما أن تناول جرعات تلفزيونية وفيرة تؤدي إلى ركود الدورة الدموية و إلى الجلطة الدماغية و تصلب الشرايين .﴿ حسب دراسة أمريكية ﴾. كما أن تواجد الطفل في مجال كهرومغناطيسي مكون من : التلفاز و الحاسوب و المكيف الهوائي و الكهرباء يؤدي إلى إرهاق عضلات القلب، و آلام الرأس و الأعصاب و التأثير على القدرة البصرية. التلفزيون والقيم الإنسانية! التلفزيون عدو المواطنة حيث يتربى المشاهد و خصوصا الطفل على التضامن مع الأجنبي و الغازي ، كما يجعل الفرد ينجذب إلى خارج الحدود ،و أبسط مثال يمكن استعماله تحول شبابنا إلى بارسويين بحماس لا يضاهي تمسكهم ببعض القيم المغربية بفعل التلفزيون ، و قد يؤدي التلفاز إلى طمس الهوية حيث يعتبر الأداة الأكثر فعالية في ترسيخ العولمة ،فهو يؤثر في اللغة و اللباس و نمط العيش و العلاقات و الفكر و الأكل و العادات ،و يشجع الاقتداء بالأجنبي ، حيث تراجع الاقتداء بالأقارب كالخال و العم والجار والفقيه و المعلم و شخصيات إسلامية تاريخية ، و أصبح أطفالنا يتخذون من الممثلين و اللاعبين والمغنيين و عموما شخصيات تلفزيونية ، قدوة لهم !فمن السهل أن تجد طفلا يتمنى أن يكون كشخصية تلفزيونية – لاعب أو ممثل أو مغني-لكن من الصعب أن تجد آخر يرغب أن يكون كابن خلدون أو الفارابي... التلفاز يشجع على الاستهلاك بفعل المتابعة اليومية لبرامج التلفزيون و بالخصوص الإعلانات و الاشهارت،ينجذب المشاهد نحو الاستهلاك أكثر، و تشجعه في ذلك الإغراءات و الطرق التي تقدم بها الإعلانات التلفزية،تطرق عدد من الباحثين إلى موضوع الاستهلاك و تفاقمه بسبب التلفاز،و خرج بعضهم بعلاقة التلفاز و تنامي ظاهرة الاستهلاك لدى المشاهد،و بموازاة مع ذلك تراجع القناعة،و الحس الإبداعي لدى المدمنين على مشاهد التلفاز رغم بعض ايجابيات التلفزيون ،يبقى أداة قلصت الحوار الأسري، و أبعدت الآباء عن أبنائهم، كما ساهمت في تراجع الإقبال على القراءة، و نشرت العنف في صفوف الأطفال، كما ساهمت في نشر الفكر الغربي الذي أدى إلى كوارث في مجتمعاتنا، حيث تحولت مشاهدة مظاهر العراء إلى عادة لدى البعض، و تراجعت مظاهر القناعة،في الوقت الذي تطورت نسب الاستهلاك ... فهل يعي الآباء ما يجري في محيط أبنائهم بسبب التلفاز ؟... هل فكَرنا يوما في تنظيم أوقات مشاهدة التلفاز، و انتقاء ما نشاهده ؟... إلى أي حد يراقب الآباء ما يشاهده أبناؤهم؟... هل تمارس الدولة الرقابة على مشهدنا السمعي البصري ،أم أن قنواتنا أصبحت مرتعا لمن هب و دب؟ لحسن أﯖرام [email protected]