الحديث عن واقع الإعلام السمعي البصري عموما في المغرب وعن التلفزة المغربية خصوصا يثير الكثير من اليأس لدى المهنيين على الأقل، والكثير من النقاش السطحي للمنخطرين البعيدين عن معاناة هذا القاطع. ورغم ما يقال عن وصول بعض التقدم في الانتخابات الوطنية كما وكيفا فإن الواقع الذي تتم فيه هذه الانتاجات يبقى مظلما وملفوفا بغشاوة من الانتهازية والابتزاز أحيانا، وبسوء التسيير والتدبير أحيانا، وبالارتجال في العمل حينا آخر، وجميع الأوصاف تليق بالقناة المغربية الأولى إلا وصف أنها قناة تحترم نفسها وتحترم رسالتها، ويكفي أن تجلس مع أي عامل فيها في مقهى أو مكان آخر وتسأله عن الظروف التي تعيشها المهنة في هذه المؤسسة وإلى أي حد تشرف قناتنا على الانهيار بل هي منخورة كعصا سليمان التي أكلتها دابة الأرض، والشكل الهندسي لبناية دار البريهي يظهر معوجا من الخارج، فكذلك باطنها. وقد يتساءل معك هذا العامل الذي تحاوره: كيف يستقيم القصب إذا يبس معوجا(؟؟!). وسيحتار من أي مشكلة يبدأ، وعن أي قسم يتحدث: هل قسم الأخبار أم الانتاج أم البرمجة أم التوثيق أم الصفقات أم ..(؟؟!) فكل قسم ينسيك بمعاناته ومشاكله القسم الآخر، وإن كانت كلها من نسيج العنكبوت، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت صحيح أن هناك العديد من الكفاءات المهنية، وهي ليست قليلة، لكنها لا تستطيع أن تنتج في ماء عكر، وأغلب هذه الكفاءات أضحت تفكر في الهجرة نحو قنوات أجنبية وخليجية بالتحديد، ومنها من هاجر بالفعل.. والبقية تأتي. قد يقول القارئ هذا كلام عام وخواطر بعيدة عن الوصف العلمي للأشياء، لكن يجب ألا ننسى أن الأحاسيس والانفعالات والنظرة إلى الأشياء هي انعكاس للواقع. على مستوى إنتاج البرامج هناك العديد من المعوقات والمثبطات، تبدأ بماهو مادي وقد لا تنتهي عند حد معين، لأنها تتوالد باستمرار، فإذا أخذنا علي سبيل المثال وحدات التصوير في قسم الانتاج لا يتعدى تسع وحدات في أحسن الأحوال. منها ما يتفرغ لتصوير الدراما، فماذا يبقي للبرامج الأخرى(؟!). وأحيانا نجد أن من بين هذه الوحدات الخفيفة من لايتوفر على سيارة للتنقل. وإذا توفرت للمعد وحدة خفيفة للتصوير فإنه لا يجد تعويضات التنقل(!؟) أما أن تتوفر للمعد أكثر من وحدة لتصوير برنامجه فهذا غاية المستحيل، اللهم إن كان المعد من المقربين(!!!). على مستوى وحدات المونتاج نجد أن عدد هذه الوحدات الخاصة بالإنتاج لا يتعدى ست وحدات، منها وحدتان أوثلاثة مخصصة للدراما، في حين لايتبقى للبرامج، التي تتعدى عشرين انتاجا منها الاسبوعي والشهري ونصف الشهري، إلا ثلاث وحدات في أحسن الأحوال، فكيف يعقل أن قناة وطنية لا تتوفر على الامكانيات الثمينة بانتاج كل البرامج المسطرة. بل إن أغلب الانتاجات تظهر إلى حيز الوجود بفضل المجهود الشخصي للمعد أو المصور والموضب. تضحيات تتلوها تضحيات دون الاعتراف ولو معنويا بهذا المجهود المضاعف في ظل قلة الوسائل التقنية والبشرية والمادية. وإذا تحدثنا عن واقع البرمجة فإنها أبعد عن احترام المشاهد. توضع عدة برامج في غير أوقاتها المناسبة، وأحيانا يتدخل عنصر الزبونية في اختيار بعض البرامج لساعة الذروة، ويعاد بثها في وقت لاحق، في حين تهمش برامج أخرى رغم أن لها جمهورا يحبها ويتابعها، بل إنها لا تستفيد حتى من الوصلات الاشهارية لتذكير المشاهد بأوقات بثها. إن الحديث عن ظروف العمل سواء في قسم الانتاج أو قسم الأخبار وباقي المصالح ليطول كثيرا، وتراكمت فيها المشاكل فأصبحت تنأى بها الجبال، وربما نعود للموضوع من جوانب الأخرى في المستقبل. سعيد الهردة معد برنامج نادي الفنون الدفاعية