انتشرت في أيامنا هذه وسائل الترفيه بشكل لم يسبق له مثيل، حيث تطورت هذه الوسائل تكنولوجيا وانخفضت أثمانها، مما جعلها في متناول أعداد متزايدة من أفراد المجتمع. وكانت النتيجة أنها نافست المدرسة في الاستحواذ على انتباه واهتمام فئة التلاميذ. إن هذه الفئة، بحكم سنها، تشكل الهدف المثالي للقنوات التلفزية، وللألعاب الإلكترونية، ولعالم الإنترنيت. ولمحة واحدة تسمح باستنتاج الفرق الشاسع بين هذه الأدوات وبين المدرسة، التي لم تراوح مكانها، فبدت باهتة مملة إلى جانب العالم المليء حركة وألوانا وألحانا، والذي تسكبه في عقول تلامذتنا التكنولوجيا الحديثة، بكل ما فيها من خير وشر. كيف يمكن إذن للمدرسة أن تأخذ حقها من اهتمام وانتباه التلميذ؟ الجواب على هذا السؤال يستدعي بالتأكيد أبحاثا ودراسات واستراتيجيات ليس هذا مجال التطرق إليها. لكن يمكننا أن نتساءل: هل بإمكان المدرس، في حدود المجال المتاح له حاليا، أن يفعل شيئا يجعل المعادلة السابقة، والتي ليست في صالح المدرسة، تتغير شيئا ما، لتعديل الكفة؟ لاشك أن المؤسسة التعليمية لا تدخل المنافسة بدون إمكانيات، ويبدو لي أن أهم تلك الوسائل هو التعامل المباشر بين الأستاذ والتلميذ. فالأستاذ يستطيع إذن، من خلال طريقة تعامله في القسم، أن ينشيء داخل الفصل جوا من الطمأنينة والحماس يجعل التلميذ مستغرقا بكل حواسه في العملية التربوية، مما يساعد بشكل قوي على تحقيق أهداف هذه الأخيرة، وفيما يلي بعض الأفكار التي يمكن أن تشكل منطلقا للتعامل بين الأستاذ وتلاميذه داخل القسم: على المدرس أن يسعى إلى استخدام الدوافع والمحركات التي تشكل جزءا من شخصية التلميذ، وذلك بقصد تحفيزه على الاندماج بفاعلية في العملية التعليمية. إن استثارة هذه الدوافع، يولد عند المتعلم رغبة داخلية وقوية في التعلم، وهذا من عوامل نجاح المدرس في أداء مهمته. حتى يتحقق هذا الأمر، يمكن للأستاذ أن يشعر التلميذ بأن ما يتعلمه سيفيده في مناحي الحياة، إذ كلما اقتنع المتعلم بفائدة موضوع التعلم، زاد ميله إليه وسهلت عليه مهمة الاستيعاب والفهم ينبغي إذن أن يبحث المدرس عن الفوائد المنتظر كسبها من المادة التي يدرسها وأن يبينها لتلاميذه حتى تكون الرغبة في الوصول إلى تلك الفوائد حافزا على الدرس والتحصيل، وهكذا فاللغات للتواصل مع الآخرين، والفيزياء لفهم التكنولوجيا الحديثة ولإصلاح بعض الآلات، والتربية الإسلامية لمعرفة ديننا وتطبيقه في الحياة اليومية، الخ. على المدرس أن يملأ وقت الحصة بالأعمال والأنشطة المتعلقة بمادته، فذلك أدعى إلى أن يجنب تلامذته أوقات فراغ لن تلبث أن تتحول إلى فرص للثرثرة وربما لإثارة الشغب. يجب أن يتحقق جو من الاطمئنان والثقة داخل الفصل، ذلك أن شعور التلاميذ بالخوف أو القلق يجعلهم غير مستعدين لفهم واستيعاب الدرس. لابد للأستاذ من أن يعرف الفوارق التي توجد بين التلاميذ من حيث مستويات ذكائهم وإدراكهم، فهذا يمكنه من إعداد دروسه بطريقة تراعي ذلك الاختلاف مع استخدام الوسائل التعليمية المتاحة (صور، أشرطة سمعية أو سمعية/بصرية، حاسوب...) وذلك لتنمية الملكات المختلفة للتلاميذ حسب استعدادات كل منهم. ينبغي إشعار التلميذ بتقدمه وبتحقيقه لنتائج أكيده، فهذا كفيل بجعله يتحمس للاستزادة من المعارف والمهارات. ينبغي على الأستاذ أن يكون حليما واسع الصدر، بحيث يتجنب التركيز المبالغ فيه على حركات التلاميذ وتصرفاتهم، مادامت لا تتجاوز حدا معينا. ولاشك أن تتبع حركات التلاميذ وانتقادهم أو عقابهم من أجل ذلك بشكل مبالغ فيه يغيب جو الاطمئنان السالف الذكر، وغالبا ما يدفع بعضهم (خاصة في الأقسام التي يكون التلميذ فيها قد بلغ سن المراهقة) إلى القيام بما من شأنه إثارة حفيظة الأستاذ، فتصير المشاكسة نوعا من إثبات الذات والاستحواذ على الانتباه والإعجاب، خاصة من لدن التلاميذ ذوي المستوى الدراسي الهزيل. وأخيرا، على الأستاذ ألا يستنكف عن توجيه نصائح ومواعظ لقسمه، شريطة احترام الوقت والمدة المناسبين، فهذا مما يقوي الروابط بينه وبين التلاميذ، إذ يشعرون حينئذ بالعطف الأبوي للمدرس، لاقتناعهم بأنه لا يهتم فقط بتلقين دروس مادته، بل ويهتم أيضا بأحوالهم وبمشاكلهم، ولا ننسى في هذا المقام أن للمدرسة مهمة تعليمية وأخرى تربوية، وهذا أمر غالب ما يغيب عن الأذهان. هذه إذن بعض التوجيهات التي يمكن، بتفعيلها داخل أقسامنا، استرداد بعض ما فقدته المدرسة من اهتمام وانشغال التلميذ، وستكون خطوة، لم لا، للسير نحو إصلاح التعليم. خاليد الرافعي أستاذ بالمدرسة العليا لأساتذة التعليم التقني الرباط