يستمد الفن قيمه وأهدافه في منطق الإسلام من العقيدة الإسلامية التي جعلت العمل الفني يجمع بين تحقيق المتعة ومنع وإبعاد الضرر في آن واحد، هنا مفترق السبل بين الفن كوسيلة للمتعة المنضبطة بمنظومة القيم الإسلامية وغيرها من الفنون العابثة بأذواق الجماهير، بل بإنسانية الإنسان، هذا الكائن الذي صوره الله تعالى من قبضة من طين ونفخة من روح الله، لا يمكنه أن يعيش لحظة من اللحظات منفصل الروح عن الجسد أو الجسد عن الروح، وإلا دخل مقبرة الأموات بدون شك، فلا هو حي وإن كما تصوره الداروينية ولا هو ملاك كما تصفه البوذية الهندوسية. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمازح ويتمازح ولا يقول إلا حقا، فترويح المسلم على قلبه وجسمه لا بأس به، عساه ينفض بعض العبء على مشقات الحياة، لهذا فيباح لنا أن نستمتع بالفكاهة كصورة من المتعة الحلال، في إطار محكوم بقيم الإسلام. لقد أصبحت الفكاهة مطلبا اجتماعيا في ظل عالم السرعة وطاحونة العولمة، وأضحت قالبا للسخرية من مناحي الحياة المتناقضة، في هذا السياق نتساءل عن طبيعة الروابط والعلاقات التي تجمع بين الفكاهة والسخرية؟ قيل في الإنسان إنه حيوان ناطق وقيل فيه أيضا إنه حيوان ضاحك.. قال الجاحظ ووضع الضحك بإزاء الحياة، أي أن الضحك تعبير عن الحياة، كما أن البكاء تعبير عن الموت، إنه تناقض بليغ المعنى تقره الآية الكريمة في قوله تعالى: وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا. إذن بين الفكاهة والسخرية فرق واضح، فالسخرية عمل وإعمال للعقل يبتغيه الساخر ويريد من خلاله النيل من الآخرين، والساخر طعان في غيره إحساسا منه بالترفع والاستعلاء، أما الفكاهة فإنها تصدم ولا تطعن لأنها عملية تخاطب القلب والوجدان فتجعل الإنسان في موقع الضغط على أحاسيسه، لتنتقل جوارحه وعلى رأسها الوجه إلى أجواء التأثر الذي يغمر النفس بالحياة الضاحكة المفعمة بالأمل، ومن تلك الصور الفكاهية الطريفة ما قاله ابن الرومي في رجل أصلع: يأخذ أعلى الوجه من رأسه أخذ نهار الصيف من ليله هكذا يترفع الساخر عن واقعه في حين يستوي ويتساوى الفكاهي مع محيطه، بل قد يتبدل لدرجة النيل من نفسه لإبهاج الآخرين. على العموم، وبتعبير عصري ومعاصر، فالساخر أستقراطي والفكاهي ديموقراطي.. أخيرا نتمنى أن نكون قد وفقنا في إثارة الجدل في عقول قرائنا من دون سخرية، كما نتمنى أن نتوقف في دغدغة قلوبهم بفكاهة ملحة، ونترك لهم التعليق على حال الفكاهة والسخرية بمشهدنا الإعلامي في هذا الشهر المعظم. محمد لعتابي