أبو محمد الآن، شاب جاوز عمره الثلاثين بسنة، قصته في إنشاء أسرة تمثل نموذجا يحتذى للشباب المعطل، بعدما حصل على الإجازة انسدت أبواب الوظيفة الرسمية أمامه، لكن رزقه لم ينقطع. تزوج صاحبنا في ظروف-حسب المعايير الاجتماعية والأسرية- شبيهة بالارتماء في تنور أوالإلقاء في اليم مكتوفا، سلاح واحد ظل يلازم تفكيره في تدبير أمور الزواج والاستقرار النفسي هو أن الله تعالى برحمته لن يخذل عبده المدفوع إلى باب مناجاته عند اشتداد الكرب. كان أبو محمد يحاكم وساوس النفس وأقاويل أفراد المجتمع المحيطين به لما جاء في القصص القرآني، ويحاور نفسه: - الله تعالى نجى إبراهيم الخليل من كيد قومه المشركين، ووهب له غلاما حليما وهو في أرذل العمر، فما سبب ذلك غير صدق علاقته مع ربه. - الله تعالى وهب لزكرياء يحيى البار رغم أن المؤشرات البيولوجية في وقته(ظهور الشيب، الزوج العاقر) تؤكد عدم الإنجاب، لكن ما رآه ولمسه بأم عينه عند تكفله بمريم واحدة سيدات نساء العالمين من بركات التقوى والدعاء، زرع في قلبه الطاهر حلاوة المناجاة فتعطلت الأسباب المادية وتحقق المراد. - حياة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي عاش يتيما، وأراد الله تعالى أن يملأ شأنه الدنيا بإنسها وجنها وعوالمها الآخرى، من ذا الذي أواه وهداه وأغناه، إنه الله عز في ملكه. إذن فما المانع لتخطي الحواجز الاجتماعية والنفسية وتكوين أسرة يغض بها البصر ويحصن بها الفرج بعد اليقين بنجاعة هذا السلاح؟ لا شيء، لدى أبي محمد وغيره. أبو محمد يجاهد الآن في صمت للاسترداد بعض الدين الذي عليه في اطمئنان وراحة بال، بعد أن علم أن الرزق بيد الله تعالى وليس بيد الوظيفة أو بعض سماسرتها. شرطان فقط توفرا لأبي محمد: يقين في نصر الله تعالى، وصحة وعلم اعتبرهما ركائز لا محيد عنهما، فانطلق يخوض مسارب الحياة هادئا مثيرا الغبارعلى أقاويل المجتمع حول إقدام المعطل على الزواج. أبو محمد مدين لربه بالطاعة والعبادة بعدما انتظم شأنه، ويخشى أن لا يوافي يوما هذا الحق الذي جعله شيئا مذكورا في الوجود المادي والاعتبار الاجتماعي. ومهما اجتهد في العبادة يحس أبو محمد في قرارة نفسه أنه لن يوافي هذا الحق حمدا وشكرا، فطالما صاحبته رعاية الله وخرج من الملمات سالما معافى، ويقلل في فترات صحوه ويقظته من شأن نفسه عندما تنهمر دموع من مقلتيه اعترافا بجميل ربه عليه، ويدعو: اللهم لا تزيغ القلوب عن طاعتك ولزوم محراب مناجاتك حتى نلقاك وأنت عنا راض يارب. وتمر الأيام مسرعة تنذر بالفناء وتؤشر لبقاء الحي القيوم الذي لا يعزب عنه شيء، لكن أمنية أبي محمد هي أن يمن الله على إخوته المعطلين بيقين يفت اليأس ويصرف عنهم الموانع لحياة سعيدة ملؤها الصلاح والتقوى. أبو محمد الأمين