أصدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بيانا عن لجنتها الإدارية حول تعديل مدونة الأحوال الشخصية. وجاء في البيان أن الخطاب الملكي يتضمن بعض الإيجابيات بالمقارنة مع مدونة الأحوال الشخصية العتيقة والرجعية المعمول بها لحد الآن، وهو ما يتجسد يضيف البيان بصفة خاصة في الإعلان عن جعل الأسرة تحت رعاية الزوجين معا بدل رعاية الزوج وحده، وعن إلغاء الطاعة مقابل الإنفاق. واعتبر البيان أن هذا التطور قد جاء نتيجة بالأساس لنضالات الحركة النسائية الديموقراطية والحركة الحقوقية والقوى الديموقراطية بصفة عامة، ولم يفت البيان أن يسجل أن المقتضيات المعلن عنها تظل بعيدة عن مطالب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بشأن الحقوق المدنية للمرأة، والتي تستند على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما دعا البيان إلى مواصلة النضال من وضع قانون الأسرة عصري وديموقراطي مبني على المساواة بين المرأة والرجل، يضمنها القانون ويحميها القضاء، كما تقرها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مما يستوجب رفع التحفظات على الاتفاقية الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وملاءمة القوانين المحلية مع مقتضياتها<. بيان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اعتبر أن الإصلاحات التي أدخلت على مدونة الأسرة قد جاءت ببعض الإيجابيات إلا أن الإيجابيات المذكورة تظل بعيدة عن مطالب الجمعية. ولقد كان من الطبيعي أن يصدر هذا التقييم مادامت الجمعية تعتبر أن مرجعيتها تستند على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وكان من الطبيعي أن تدعو إلى رفع تحفظات المغرب على الاتفاقية الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وملاءمة القوانين المحلية مع مقتضياتها. وهو نفس المنطق الذي قاد بعض الجمعيات النسائية في بداية التسعينيات إلى الدعوة إلى المساواة بين المرأة والرجل في الإرث. وهو نفس المنطق الذي قاد كتابة الدولة في عصر الخطة إلى رفع تقرير إلى بعض الهيئات الدولية تؤكد فيه أن من عوائق التقدم نحو تطبيق توصيات مؤتمر بيكين وبعض مقتضيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بعض المقتضيات الدستورية المغربية التي تجعل الملك في أكبر أبناء الملك من الذكور. من الطبيعي أن ينظر كل من يصدر عن مثل هذه الرؤية، أي تقديس المرجعية الدولية وتحكيمها في المرجعية الإسلامية، أن ينظر إلى الإصلاحات التي دخلت على مدونة الأسرة على أنها إصلاحات جزئية رغم إيجابياتها، وهو ما يكشف من جديد أن جوهر الخلاف هو، ليس بين من يريد إنصاف المرأة ومن هو ضد المرأة والأسرة، ولكنه خلاف بين من ينطلق من مشاكل واقعية وموضوعية تعاني منها المرأة نتيجة فهم خاطئ لأحكام الشريعة وسلوكات تحكمها التقاليد الرجولية، ويسعى من خلال آلية الاجتهاد أن يجد حلولا لها وأجوبة لها انطلاقا من أحكام الشريعة ومقاصدها وحقائق العصر، وبين من ينطلق من رؤى وتصورات اجتماعية ورؤى فلسفية تبلورت في ثقافة أخرى وسياق حضاري آخر في حل المشكلات الاجتماعية التي يواجهها واقعنا الاجتماعي، بل إنه يفرض على واقعنا مشكلات غير واقعية منشؤها مسبقات فكرية وإيديولوجية. الخلاف إذن بين الموقفين هو خلاف فلسفي ومنهجي وثقافي وحضاري، ومن ثم فالخلاف في تقدير نوعية الإصلاحات التي وجب إدخالها على مدونة الأسرة، وفي تقييم الإصلاحات الأخيرة، يرجع إلى هذا الخلاف الأصلي. لقد كانت إحالة إصلاح المدونة إلى لجنة مكونة من علماء وخبراء حسما لهذا الخلاف، وذلك حين زاوجت في منهجية الإصلاح بين الرجوع إلى أهل الخبرة الشرعية وأهل الخبرة الاجتماعية والقانونية. كما حسم جلالة الملك الإطار المرجعي للإصلاح حين أكد أنه بصفته أميرا للمؤمنين لا يمكنه أن يحرم حلالا أو يحل حراما. وهو الإطار المرجعي الأسلم الذي ينبغي أن نحتكم إليه باعتبارنا دولة إسلامية وشعبا مسلما، دون أن يمنعنا ذلك من الاستفادة من مقتضيات المواثيق الدولية فيما لا يصطدم بمرجعيتنا وبما يعطينا الحق في الاختلاف مع مرجعيات أخرى متسلطة ومهيمنة، أليس الحق في الاختلاف من أبسط شروط الديمقراطية؟! وأخيرا فإننا لا ندعي أن الإصلاحات التي أدخلت على مدونة الأسرة هي غاية الكمال ونهاية النهاية، فمادام واقعنا الاجتماعي متغيرا فإن تشريع الأسرة سيظل في حاجة إلى اجتهاد مواكب خصوصا فيما لا حكم قطعي فيه، أما أن تعتبر المواثيق الدولية ومقتضيات الاتفاقيات الدولية هي نهاية الطريق الذي يعتبر غيره رجعية وتخلفا، فتلك هي عين الدعوة إلى التبعية والإلحاق ومحو الهوية وإبادة الذات بدعوى الحداثة والمعاصرة والديموقراطية والكونية.