تأتي عملية اعتقال الناشط المسلم الأمريكي من أصل (يمني) عبدالرحمن العمودي كجزء من الحملة المستمرة على الجالية المسلمة في الولاياتالمتحدة والتي يخطئ الكثيرون حين يربطونها بهجمات الحادي عشر من أيلول في الولاياتالمتحدة، إذ أنها بدأت قبل ذلك بسنوات باعتقال موسى أبومرزوق ومازن النجار ولتتوالى فصول اللعبة دون توقف. والحال أن اللعبة المذكورة قد تحركت منذ البداية على ايقاع المصالح الصهيونية أكان بتكريس فزاعة "الإرهاب الاسلامي" في العقل الأمريكي عبر اكتشاف مؤامرات وهمية لا تنتهي، أم بملاحقة الناشطين في الساحة الاسلامية ممن يحاولون توسيع مساحة الوعي لدى المسلمين هناك، أم، وهذا هو الأهم، ملاحقة أولئك الناشطين في دعم القضية الفلسطينية سياسياً أم مالياً من خلال الجمعيات الخيرية المعلنة. ثمة بعد آخر قد يكون موجوداً في عملية الاعتقال والتهم الموجهة، ربما كان له صلة بمسلسل الابتزاز الأمريكي لليبيا، وهو المسلسل الذي لازال متواصلاً رغم كل ما قدمه العقيد القذافي، فضلا عما أعلن عن استعداده لتقديمه، ومن ذلك فتح الأبواب أمام الشركات الأمريكية للاستثمار في صناعة النفط الليبية. وقد تمثل هذا البعد في اتهام العمودي بتلقي أموال من الحكومة الليبية من خلال جمعية الدعوة التابعة لها. والحال أن ذلك لا يخفي أن الرجل كان برسم الاستهداف في كل الأحوال. كما لا ينفي احتمال توريطه من قبل الليبيين في سياق مساعدتهم في ملاحقة أناس كانت لهم علاقة بدوائرها، وبالطبع، من أجل المزيد من اثبات حسن النية للسيد الامريكي!! لا يعني ذلك أن على الجالية المسلمة في الولاياتالمتحدة أن تستسلم أمام إرادة وضعها تحت لافتة الإرهاب، بل لا بد من مواصلة النضال ضد هذا المنطق الصهيوني البشع، والذي ازداد بشاعة بعد هجمات أيلول، ذلك أن زمن المحافظين الجدد لا يمكن أن يستمر الى أمد بعيد، ليس لأنه خطر على العالم أجمع، بل لأنه قبل ذلك خطر على مصالح الولاياتالمتحدة نفسها، كما بات يتردد على ألسنة رموز كبار في الساحة الأمريكية. الضخ الصهيوني ضد الجالية الاسلامية في الولاياتالمتحدة، وهو ما ينسحب على أوروبا أيضاً، لم يتوسل أدوات الضغط السياسي المعروفة فقط، وإنما تجاوزه نحو التواصل المباشر مع الجمهور من خلال المقالات والكتب والافلام الوثائقية، وحتى "الهوليودية" أيضاً، ما يشير إلى أن تكريس مصطلح "الإرهاب الاسلامي" كان برنامجاً منظماً يتحرك على مختلف المستويات. باعتقال عبدالرحمن العمودي تكون لعبة المطاردة للحالة الاسلامية في الولاياتالمتحدة قد تجاوزت الحدود باستهداف من يسمون المعتدلين في الجالية ممن كانت لهم مواقف واضحة ضد هجمات أيلول، كما كانت لهم مواقف تشجع "الاندماج" و"الاعتدال"، ولا شك أن العمودي هو واحد من أبرز رموز هذا التيار، وقد التقى قادة الولاياتالمتحدة مراراً وفي مناسبات مختلفة. ذنب عبدالرحمن العمودي يتمثل ابتداءً في عمله الدؤوب من أجل تفعيل الوجود الاسلامي في الولاياتالمتحدة، ثم رفضه التحوّل إلى صدى للرؤى الصهيونية فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، سيما ما يتصل بالموقف من المقاومة، على رغم ان الرجل كان على الدوام متحفظاً في تعبيره عن قناعاته على هذا الصعيد. ياسر الزعاترة