ثلاثة أعوام مرت على هجمات الحادي عشر من أيلول في الولاياتالمتحدة، تلك التي غدت عند كثيرين المحطة التاريخية الأهم في العصر الحديث، حيث يقال قبل الحادي عشر من أيلول أو بعده. وفيما تبدو التقييمات العربية والإسلامية للتاريخ المذكور مفرطة في التشاؤم فإننا نميل إلى رؤية الوجه الآخر للصورة، سيما وأننا لم نعثر طوال الأعوام الثلاثة على الكوارث التي حدثنا ولا زال يحدثنا عنها البعض مما يمكن نسبته إلى الهجمات إياها وما كان ليحدث لو لم تكن. قصة العراق كشاهد على مصيبة هجمات الحادي عشر من أيلول على الإسلام والمسلمين لم تعد ذات قيمة بعد أن ثبت أن احتلاله كان على أجندة المحافظين الجدد قبل ذلك، وإذا قيل إن الموقف سيكون مختلفاً، فسنرد بأن الولاياتالمتحدة قد ذهبت إلى العراق من دون غطاء دولي وبتبريرات لا صلة لها بالهجمات. بالنسبة للوضع الفلسطيني، فإن من العبث أن يقال إن التراجع الذي يراه الكثيرون قد وقع بسبب تلك الهجمات، ليس فقط لأننا لا نرى تراجعاً بل تقدماً على صعيد تثبيت الحق الفلسطيني دولياً، سيما في الأوساط الشعبية التي مالت ضد الاحتلال كما ثبت في استطلاع الاتحاد الأوروبي، وليس لأن المقاومة قد أثبتت قدرتها على الاستمرار، كما أثبت الشعب الفلسطيني قدرته على إسقاط رهانات شارون، ليس لذلك كله، بل لأن أحداً باستثناء أوساط رسمية تخشى النفير اليهودي لم يضع النضال الفلسطيني مع عمليات القاعدة في سلة واحدة، بل إن كثيرين قد صرخوا ولا يزالون يصرخون في وجه الولاياتالمتحدة بأن الغضب عليها سيتواصل إذا بقيت المظالم في فلسطين على حالها. الإسلام كدين لم يتضرر من هجمات الحادي عشر من أيلول، فقد ازداد الإقبال عليه بسبب ما وفرته الهجمات من إقبال على معرفته، أما ربط الهجمات به فلم يكن صحيحاً ولم يقتنع به سوى القلة، لأن الأمة لم تجمع عليها ولم تؤيدها على رغم فرح الكثيرين بها نكاية بالغطرسة الأمريكية. الظاهرة الإسلامية عموماً شهدت ازدهاراً بعد الهجمات وتقدمت الحركات الإسلامية على أكثر من صعيد، وهو ما يخالف رأي بعض متطرفي العلمانيين ممن ذهبوا إلى أن الحادي عشر من أيلول سيكون بمثابة هزيمة 67 للفكر القومي. أما احتلال أفغانستان فقد شكل ورطة للأمريكان ولم يخسر المسلمون منه الكثير، بل ربما ربحوا موقفاً رجولياً غير مسبوق في العصور الأخيرة مثّله موقف الملا محمد عمر بشأن ضيفه الطريد. تبقى مسألة التضييق والمعاناة التي تسببت بها الهجمات للمسلمين في الولاياتالمتحدة والغرب. وفي هذا السياق يمكن القول إن ثمة مبالغة في طرح هذا الملف وربطه بالهجمات المشار إليها، ذلك أن من المبالغة بمكان القول إن ثمة تضييق واسع النطاق يحدث للمسلمين، فيما يبدو أن جزءً لا بأس به كان سابقاً على ذلك التاريخ. ويبقى أن من حسنة الهجمات على الجالية الإسلامية في الغرب هو دفعها نحو التمسك بهويتها الإسلامية على نحو غير مسبوق، الأمر الذي يمكن القول إنه يعود بالخير عليها وعلى مستوى تعاطيها الرسالي مع الدين الذي تعتنقه. نعود إلى قصة العراق. وهنا ينبغي القول إن ما جرى لم يكن سيئاً على أية حال، فقد كان الاحتلال فرصة لتوريط الأمريكان في مستنقع لن يخرجوا منه كما دخلوا، قوة لا يمكن لأحد أن يقول لها لا، وفي ذلك بالتأكيد مصلحة للإسلام وللمسلمين الذي عانوا أكثر من الآخرين من الغطرسة الأمريكية. بقي أن نقول أن ذلك لم يحدث لأن هجمات الحادي عشر من أيلول كانت عملاً صائباَ ومبرراً من الزاوية الشرعية أو الأخلاقية على رغم أن منفذيها لا يعدمون التبرير والتخريج، بل حدث لأن الغطرسة الأمريكية قد حولتها كذلك، سيما حين أدرك العالم أجمع أن المحافظين الجدد قد قرروا استغلالها على ذلك النحو البشع، والذي تحول بفضل الله إلى ورطة لهم لن يخرجوا منها إلا بهزيمة تترك ظلالها على مستقبل هذه الإمبراطورية التي لم يعد ثمة خلاف يذكر على كونها الأقوى في التاريخ البشري.