مالك الأصغر عبد الله بن أبي زيد القيرواني (310 386 ه) شيخ المغرب وإمام المالكية في عصره، جامع مذهب مالك وشارح أقواله والمنتصر له. كان أول من بسط أصول الفقه بجلاء. كان يلقب بقطب المذهب ومالك الأصغر، هو وطبقته آخر المتقدمين وأول المتأخرين، فكان تاريخ هذه الطبقة فاصلا بين التاريخين للفقه. مولده ونشأته هو عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزاوي القيرواني، أبو محمد. أصله من قبيلة (نفزة) وإليها نسبته كان من أعيان القيروان. ولد فيها سنة (310 ه). وتفقه على علمائها. قال الشيرازي: كان يعرف بمالك الصغير، وقوله ذلك فقد أخذ بفقه الإمام مالك، وعقيدته أيضا عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة. قال أبو الحسن القابسي إمام موثوق به في درايته وروايته وروايته. قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا ورحل إليه من الأقطار ونجب أصحابه وكثر الآخذون عنه وهو الذي لخّص المذهب وملأ البلاد في تواليفه حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره وكان يسمى مالكًا الصغير. واعتبره الحجوي أحق من يصدق عليه حديث: يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها. وكان ابن أبي زيد القيرواني يبني فقهه على المقاصد معتبرا تغير الواقع، ومما يدل على هذا هو اقتناؤه كلبا للحراسة مخالفا ما أثر عن مالك من كراهية ذلك. فلما لامه من لامه على مخالفته لإمام المذهب قال: لو كان مالك في زماننا لاتخذ أسدا ضاريا!! رسالة ابن أبي زيد القيرواني وتعتبر رسالة ابن أبي زيد القيرواني، المسماة ب (باكورة السعد)، خلاصة نقية لهذا المذهب، وتعد بحق إحدي عيون المؤلفات الفقهية الأصيلة، وهي باكورة المذهب المالكي. وتتميز عن جل المؤلفات الفقهية بالأصالة والشهرة وتنوع المواضيع، فقد ضمنها مؤلفها ما يكفل صلاح المجتمع ويحقق سعادته وكل ما تلزم معرفته من عقائد الإيمان وأحكام العبادات والمعاملات وما يسن أو يندب من الآداب الشرعية الرفيعة حتى قال ناظمها: فأنبتت جواب كل سائل وآتت أكلها من المسائل. وطارت شهرتها في الآفاق، حتى غطت جميع بلاد الإسلام أو كادت فوصلت بغداد واليمن، والحجاز والشام، وبلاد السودان، وصقلية والأندلس، وتنافس الناس في اقتنائها، وكان القاضي أبو العباس ابن عرضون الغماري يطلق عليها زبدة المذهب. ومقدمة الرسالة التي نحن بصدد الحديث عنها، قد أثنى عليها غير واحد من أهل العلم. فهي على عقيدة مالك وسلف الأمة من أهل السنة الجماعة، وما كان عليه السلف الصالح. والرسالة على صغر حجمها احتوت على أربع آلاف مسألة، وأربعمائة حديث. ومن مؤلفاته كتاب النوادر والزيادات على في المدونة عن غيرها من الأمهات، وهو أوعب فروع المالكية، فهو في الفقه المالكي كمسند أحمد بن حنبل عند المحدثين. وعلى كتابيه هذين المعول بالمغرب في التفقه. وله أيضا الكتاب: الجامع في السنن والآداب والحكم والمغازي، جمع فيه نحو من (300) حديث وأثر عن النبي (ص) وأصحابه في مبعث رسول الله، ونسبه، وخصائصه، وفضل الصحابة والسلف، والعشرة المبشرين بالجنة، ومجموعة آداب إسلامية، وموجز بأحداث سيرة رسول الله (ص)، والخلفاء الراشدين. بآخره مجموعة فهارس وتراجم. وله مختصر للمدونة، ورسالة في الرد على القدرية الذين أحدثوا في القدر. ورد على رسالة البغدادي المعتزلي وغيرها. وكانت وفاة أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله، سنة تسع وثمانين وثلاثمائة للهجرة (386 ه)، قال الحبّال: توفي للنصف في شعبان.