في ظل حرارة استقبال الوطن المهاجرين المغاربة الموجودين بالدول الأوروبية والاحتفاء بهم في بلدهم وبين أسرهم، تبقى فئة من المهاجرين بدول الخليج العربي شبه منسية خاصة لدى الصحافة الوطنية.. في هذا اللقاء الذي أجرته التجديد مع السفير المغربي عبد العظيم التبر نحاول أن نلامس واقع الجالة المغربية في الخليج من خلال نموذج دولة قطر، ونتعرف على بعض الفروق والمشاكل التي يعيشها أبناء المغرب في المشرق العربي.. لعل هذه الالتفاتة تجمع الشمل احتفالا بالمهاجر المغربي في يومه الوطني وغيره، وتدفع الحكومة المغربية إلى إيلاء الاهتمام بتل الفئة حتى نساهم جميعا في الثغرة التي تكاد تفصل بين شرق العالم العربي ومغربه... وإلى نص اللقاء: نود أن تعطينا نظرة شاملة عن وضع الجالية المغربية بقطر؟ * بسم الله الرحمن الرحيم، أحب أولاً أن أشير إلى أنه توجد بين دولة قطر والمغرب في ميدان الشؤون الاجتماعية اتفاقية 1981 التي تنضم وجود الجالية واليد العاملة المغربية في قطر، وهي لا تزال سارية المفعول إلى يومنا هذا، غير أننا ننوي تحيينها وإيجاد اتفاقية أخرى ترقى إلى مستوى العلاقات الجديدة والمتينة بين البلدين. الإحصائية الموجودة لدينا تقول بوجود حوالي 1200 شخص مسجلين في المصالح القنصلية، هم 750 رجلا و300 امرأة و150 طفلا إضافة إلى بعض العناصر التي لم تسجل بعد بحيث يصبح العدد في حدود 1300 فرد. تنقسم الجالية المغربية في قطر إلى ثلاثة أصناف ومعظمها تشتغل بالأعمال الحرفية كالجبص والنجارة والخياطة وغيرها. الصنف الثاني تقنيون يشتغلون في الفنادق والخطوط القطرية مثلا. أما الصنف الثالث فيضم الأساتذة والأطر المعارين والصحفيين وغيرهم. ما هي أهم الفوارق الموجودة بين الجالية الموجودة في الخليج العربي والموجودة بأوروبا؟ * يمكن تقسيم الموضوع إلى محورين، الأول: هو أن هناك ضعفاً في الأجور في الخليج. فرغم اعتقاد الناس في المغرب أن الخليج غني وأن الناس يعيشون في رغد فإن هذا ينطبق على أهل الخليج لا على العاملين فيه، زيادة على ذلك معظم الجالية المغربية تشتغل بالحرف التقليدية التي أجورها ضعيفة في العالم كله. المحور الثاني: في الخليج العربي ليست هناك حقوق وضمانات للعاملين ولا يوجد في كثير من الحالات احترام لبنود العقد بين المتعاقدين، فغالباً ما يجد العامل المغربي نقيض ما يوجد في العقد عندما يذهب إلى عمله بقطر، وهذا ليس ساريا على المؤسسات الكبيرة سواء الحكومية أو شبه الحكومية. ما دمتم أشرتم إلى مشكلة عدم احترام العقود، ما هو دور السفارة في حل هذه المشكلة؟ * أظن أن المسؤولية يتحملها الطرفان الموقعان على العقد، ما دام أن العامل جاء بعقد عمل فلا بد إذ حدث نزاع للعامل أن يلجأ إلى القانون والمحاكم للحفاظ على حقوقه هذا من جهة. المشكل الثاني في هذا الإطار هو أن السفارة تجد نفسها أمام الأمر الواقع مثلاً جاء عامل إلى هنا بعد مدة يبدأ يشتكي من ضعف الأجر أو الراتب وأن مشغله لم يحترم العقد، ففي الخليج يوجد نظام الكفيل الذي لديه سلطة مطلقة على مكفوله، فالحل الوحيد هو إيجاد حل مع الكفيل وإلا ندخل في متاهات نحن كسفارة لا نرغب الدخول فيها، فنحن لدينا يقين قوي بأن المشغل القطري لديه نية صالحة ولكن تقع المشاكل كما يحصل في أي بلد، فإذا اقتضى الأمر نتدخل كسفارة وغالبا ما يستجاب لتدخلنا فيحصل العامل على حقوقه بالتي هي أحسن. لماذا لا توجد جمعية تحت سقف السفارة تهتم بالمهاجر المغربي وتحل مشاكله؟ * المغاربة أحرار في تكوين الجمعيات وليس بالضرورة أن تكون تحت إشراف السفارة، فالمغرب بلد ديمقراطي والحريات فيه مضمونة وحتى القوانين المحلية القطرية تعطي الحق للمقيمين بتكوين الجمعيات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه إذا كانت هناك جمعية فعليها حل مشاكل الجالية وإلا تقوم السفارة بهذا العمل. وكما قلت سالفا السفارة تتدخل لحل عدد من المشاكل في إطار التخاطب مع المسؤولين القطريين والحمد لله غالباً ما تكون الاستجابة إيجابية. وأنا لا أرى ضرورة لتكوين جمعية أو هيئة للضغط، فنحن في بلد عربي إسلامي وعلاقاتنا معه قوية وأخوية، ونحن نحل المشاكل بيننا في أخوة وتفاهم. يشتكي البعض من عدم وجود أنشطة إشعاعية تربط المهاجر المغربي بوطنه؟ * إذا كان القصد من تكوين الجمعية هو هذا الغرض فأنا متفق معك. أما للدفاع عن المهاجر المغربي الذي أهضمت حقوقه فالسفارة والمصالح القنصلية موجودة لهذا الغرض. أما تكوين جمعية لتقوية الروابط بين المغاربة وربطهم ببلدهم فهذا شيئ جيد. أقصد لماذا لا تقوم السفارة بأنشطة إشعاعية تربط المهاجر ببلده من خلال عقد ندوات وغيرها؟ * نقوم بذلك مع الجهات القطرية المختصة، وأنا أرى أن التواصل مع الجالية لا يجب أن يكون في إطار مؤسساتي، فالتواصل عمل يومي إذ تستقبل السفارة يوميا مغاربة وتحل مشاكلهم، والإشعاع الثقافي في الخارج إنما يوجه للبلد المضيف وتشارك فيه الجالية المغربية أيضاً لا السفارة وحدها، فنحن كلنا سفراء للمغرب في قطر. طبعاً هناك أيام ثقافية من مثل الأسبوع الثقافي المغربي والمعارض التقليدية في المهرجانات القطرية. شخصياً لاحظت أن هناك نقصاً في هذا الجانب، ونحاول أن ننظم في السنة المقبلة الأسبوع الثقافي المغربي بالمعنى الشامل الكامل يتضمن لوحات من الفلكور المغربي والطبخ واللباس وغيرها. في هذا الإطار لوحظ في المشاركة المغربية بالمهرجانات القطرية ضعف كبير حيث لم نلاحظ حضور المنتوج التقليدي المغربي كما ينبغي؟ * صحيح، ولأول مرة وبجهد خاص للسفارة المغربية وليس للحكومة أي دور فيه أقمنا معرضا في دار الإنماء الإجتماعي التي تترأسها الشيخة موزة وأحضرنا بعض المنتوجات المغربية التقليدية وكان هناك إقبال كبير عليها. ولاحظت تجاوب وإلحاحاً وطلباً للتعرف على الثقافة المغربية بجميع جوانبها. في مسألة التحويلات المالية، الملاحظ أن هناك غيابا لبنوك مغربية تحتضن هذه التحويلات التي تؤدى عنها رسومات يعتبرها بعض المغاربة عالية؟ * جوابي صريح وبسيط وهو أن البنوك تبحث عن ربح ولو وجدت أدنى ربح في هذا الإطار لجاؤوا بالعشرات. البنك يبحث عن الربح والمصالح وإذا ما وجدها أقام فروعاً له في قطر أو غيرها هذا من جهة. من جهة أخرى كما ذكرنا من قبل دخل المغاربة في قطر ضعيف وأتمنى أن تكون أجورهم كافية لهم للعيش هنا ولا أظن أن هناك نوعا من الادخار يسمح للجالية بتحويل أموالها بكيفية تستدعي وجود فرع لبنك مغربي في قطر، علماً أن البنوك القطرية مفتوحة ويمكن لإي مغربي تحويل أمواله بكل سهولة. يقول البعض إن الرسومات التي تأخذها المصالح القنصلية لإعطاء وثائق إدارية مرتفعة وغالية؟ * الحكومة المغربية لا يمكن أن تعامل الجالية المقيمة بالخارج بوجهين، كل المغاربة متساوون أمام القانون بما فيها الرسوم التي تأخذها الدولة عن الوثائق الإدراية. هناك ظاهرة بعض الفتيات المغربيات اللواتي يعملن في الخليج العربي والمشهور عليهن أنهن يأتين أخلاقاً تضر بصورة المغرب عموما، كيف تعالج السفارة هذه الظاهرة؟ * أنا أظن أن هذه الصورة مبالغ فيها بالنسبة لقطر، وحسب معلوماتي هذه الظاهرة تكاد تكون شبه منعدمة أو منعدمة تماماً هنا، ولم أجد حتى الآن حالة منها وذلك لأسباب موضوعية، أولاً الفتيات اللائي يعملن بقطر كلهن يعملن في مؤسسات رسمية وبعقود رسمية في الخطوط القطرية والفنادق الكبرى وغيرها بدون أن تكون عليهن رقابة فإنهن يحترمن أنفسهن. بل إن كل المسؤولين الذين تذاكرت معهم في الموضوع أشادوا بانضباط العاملات المغربيات. أما عن وجود هذه الظاهرة بالخليج عموماً يمكن أن أتفق معك. لهذا عالجت السفارة بقطر هذا الموضوع مع باقي السفارات المغربية بالخليج التي طالبت بأن يكون هناك نوع من الرقابة الشديدة من المغرب وليس في الخليج حيث يصعب التحكم في الموضوع في الخارج. والحمد لله بدأ المغرب يراقب مراقبة شديدة الفتيات اللواتي يرغبن في العمل في المشرق العربي، وبالتالي بدأت هذه الظاهرة تضمحل شيئاً فشيئا. إذا انتقلنا إلى الأحداث الإرهابية التي وقعت في كل من أمريكا والمغرب وإسبانيا، هل كانت لهذه الأحداث آثار على الجالية المقيمة في قطر خاصة والخليج عامة؟ * طبعاً هذه الأحداث يؤسف لها. لكنني لم ألاحظ أي أثر لها على الجالية المغربية على الأقل هنا في قطر. هناك اتفاقيات موقعة بين المغرب وقطر، إلى أين وصلت هذه الاتفاقيات؟ * هناك جملة كبيرة من الاتفاقيات بيننا وبين دولة قطر منذ الستينيات، إضافة إلى اتفاقيات جديدة لتسهيل المبادلات والاستثمار كاتفاقية حماية الاستثمارات وهناك مشروع اتفاقية تفادي الازدواج الضريبي، وهذه الاتفاقية جاهزة للتوقيع ونتمنى توقيعها في الأشهر المقبلة. كما توجد بيننا اتفاقية في ميدان التعاون القضائي والسياحي والصيد البحري وغيرها إضافة إلى اتفاقيات أخرى موقعة مع دول خليجية وأخرى في إطار العالم العربي خاصة اتفاقية إنشاء السوق العربي الكبير أو التبادل الحر بين دول العالم العربي التي ستدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير 2005. الملاحظ أن هناك ضعفا في إشهار مزايا السياحة بالمغرب، لماذا هذا الضعف؟ ولماذا لا تثيرون هذا الموضوع مع المسؤولين في المغرب؟ * رغم أن الخط الجوي الرابط بين قطر والمغرب لم يشتغل إلا قبل سنتين فإن هناك رواجاً كبيراً سواء من الإخوة في قطر أو من دول الخليج الأخرى نحو المغرب. فهذا الربط الجوي ساعد على تنمية التدفق السياسي من منطقة آسيا عموماً وأظن أنه في المستقبل سيكون الأنشط في المنطقة. أما غياب مكتب للسياحة في قطر فهناك أولويات لدى المكتب السياحي بالمغرب الذي يختار مناطق معينة في العالم لفتح مكاتب له فيها، وقد فتح له فرعاً في الإمارات وله إشعاعات تشمل منطقة الخليج ككل. ما هي أهم الإنجازات التي حققها المغاربة هنا في الخليج لصالح بلدهم المغرب؟ * حقيقة لا يمكنني أن أتحدث باسم زملائي السفراء الذين يجدون بدول الخليج العربي. لكن حسبما أعلم هناك اهتمام كبير ومتبادل بين المغاربة والإخوة في الخليج الذين أصبحوا يرغبون في التعامل والتعاون مع بعض الأطر المغربية خاصة في بعض الميادين التي أبان المغاربة عن جدارتهم فيها كالسياحة وغيرها. في المقابل هناك اهتمام أكبر من المغاربة بدول الخليج وذلك لأسباب تاريخية وثقافية وغيرها، إلى عهد قريب كان الاهتمام منصباً على دول الجوار الأوروبية لكن الاهتمام تحول إلى كندا وأميركا فترة ثم الآن أظن أنه جاء دور الخليج العربي باعتبار أنها منطقة واعدة بها إمكانات هائلة ومفتوحة على العالم وتربطنا بها علاقة الأخوة والدين واللغة وغيرها وهذه العوامل تساعد على الاهتمام بالمنطقة الخليجية. كما أنه أصبح هناك شعور عام لدى الخليجيين بأن المغرب أصبح يمثل أحد المحطات العالمية المهمة ولدى قطر لمسنا رغبة قوية لدى سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في تقوية العلاقات والتعاون مع المغرب في كل الميادين الممكنة. عبد الحكيم أحمين-التجديد-قطر