كتب الزميل عبد الصمد بن شريف في عموده خارج السياق بجريدة الأيام العدد 92 مقالا بعنوان سلعة مغربية، بدا لي العنوان مثيرا بإيحاءاته التي تدفع بالخيال إلى الاشتغال الرومانسي على ما تختزنه الذاكرة من سحر الخصوصية المغربية بامتداداتها الحضارية المتنوعة. قرأت المقال لأجده أكثر إثارة، غير أنها إثارة لا تنعش الذاكرة حسب ما تصورت بل تثير من الحسرة ما لا يمكن التعبير عنه في كلمات حسرة تدفع بكل الأسئلة المحرجة إلى الواجهة: لماذا يحدث هذا؟ فلم تكن السلعة المغربية سوى نساء من المغرب عاكفات في الزوايا المعتمة حسب تعبير عبد الصمد بن شريف داخل كازينوهات القاهرة على بيع أجسادهن بالتقسيط غير المريح للكلاب الضالة التي افتقدت الوفاء لكل شيء جميل، فسالت من بترودولاراتها كل أنواع النتانة والحقارة بعد أن انتحرت الشهامة العربية ولم تعد تحتفي بالكرم الحاتمي إلا في جنح الظلام الآثم حيث الجزء الأسفل من فحول الاصطبلات المكيفة يحكي محنة الذات المهزومة العاجزة إلا على سحق وجلد العرض والشرف والكرامة العربية! هؤلاء الذين يخونون بالليل والنهار ميثاق الشرف العربي الراقصون على جراح الفقر، العابثون بالعفة العربية في النوادي المظلمة... ألا تستطيع بترودولاراتهم أن تسيل بنفس السخاء تحت شمس النهار الساطعة لنسمع عن برامج لمحاربة الفقر لدى النساء في الوطن العربي والإسلامي؟! لقد كان العربي البدائي يغض طرفه حتى تمر حليلة جاره واليوم أصبح العربي الخارق في الهزيمة المركبة رغم دولاراته الفائضة يشد الرحال أو.. أو.. كل هذه الجرائم التي يدينها القانون الدولي والمحلي تقترف تحت الحقائق المخجلة صارت للأسف موضوع أفلام سينمائية تنجز في استديوهات هوليود حيث العربي/المسلم مرادفا للهمجي الشهواني الذي يعذب النساء إرضاء لنزواته الجنسية...! فهل أفلست كل مواردنا؟ وهل نضبت كل ثرواتنا البرية والبحرية فلم يعد بإمكاننا إلا تصدير الأجساد النسائية إلى الغرب والشرق أيضا لجلب العملة القذرة؟! لست أدري هل تطلع هيئاتنا النسائية التي تقف على خط النار من أجل إقرار الكرامة والمساواة للنساء المغربيات على التقارير التي تصدر عن المنظمة الدولية للسياحة أو المنظمة الدولية للهجرة أو غيرهما حيث البغاء سلعة مغربية!؟ وتتحدث الأرقام عن فتيات مغربيات في عمر الزهور يشكلن صيدا ثمينا وسهلا لشبكات الدعارة الدولية والمحلية ومما لاشك فيه أن هؤلاء الشابات لا يحلمن بالزواج ولن تهمهن تعديلات مدونة الأحوال الشخصية ولن ينفعهن أن يعترف لهن المجتمع بأطفالهن الطبيعيين لأن بؤسهن وبؤس أطفالهن يحتاج إلى منظمات نسائية تشتغل بعمق على قضايا واقعية بدل أن تحدد مجالات أولا وأخيرا ويحق له ذلك كما يحق لنا أيضا أن نتشبت بمصالح وطننا... وعندما يشعر المجتمع المدني والقطاعات المسؤولة عن التنمية البشرية بالمأزق الأخلاقي والنفسي أمام صورة نساء مغربيات مهاجرات يقفن على الأرصفة يتفاوضن على ثمن لحومهن كما شعر بذلك كاتب عمود خارج السياق، يومها سيكون بإمكاننا أن نفتح صفحة جديدة فيما يتعلق بالنهوض بأوضاع المرأة تحت شعار: لا للمتاجرة بفقر النساء وكرامة المرأة المغربية فوق كل اعتبار. ولاشك يومها سنكون قادرين على إبداع استراتيجيات ببرامج متعددة لتأهيل المرأة المغربية وتمتيعها بكل حقوق المواطنة ومطالبتها أيضا بواجبات المواطنة التي يقف على رأسها تشريف الوطن وحماية سمعته وسد الطريق أمام من يقصدونه لاغتصاب نسائه أو تهريبهن كالعبيد... لقد صارت جل الصحف الوطنية تقدم المادة الإعلامية الموثقة بالشهادات والاستطلاعات حول نزيف المرأة المغربية في سوق النخاسة البيضاء ومع ذلك ما تزال هواية بعض الهيئات النسائية هي النضال من وراء مكاتب مكيفة جدا، وأمام كاميرات معتقلة حيث أصبح الكلام مملا عن اغتصاب النساء واستعبادهن داخل بيت الزوجية بسبب مدونة الأحوال الشخصية طبعا دون التمييز بين زوج صالح مسؤول وآخر مدمن من جلاد لأن هذا التمييز ليس في صالح أم المعارك... وشكرا للزميل عبد الصمد بن شريف الذي ذكرنا بأن هناك بيوتا أخرى غير زوجية بل مشاعية تسلخ فيها النساء من آدميتهن ويصبحن مجرد مراحيض متنقلة لتفريخ النفايات السامة وفيروس السيدا أولها! فهل نفي بالتزاماتنا التامة نحو القضية النسائية بإعادة ترتيب الأولويات حسب أهمية المشاكل ودرجة خطورتها بالنسبة لحاضر المرأة ومستقبلها ومكانتها في الداخل والخارج. بقلم سعاد لعماري