لأول مرة منذ سقوط بغداد تحت نير الاحتلال الأمريكي، تعرضت الكنائس العراقية بكل من بغداد والموصل وكركوك لاعتداءات متزامنة خلفت حوالي عشرة قتلى وعدة جرحى فضلا عن الأضرار المادية. وقد سارعت سلطات الاحتلال إلى إلصاق التهمة بشماعة المجموعة المسلحة التابعة للأردني الزرقاوي المرتبط بتنظيم القاعدة، هكذا تقدمه واشنطن للرأي العام العالمي، على الرغم من التأكيد المتواصل لهيئة علماء المسلمين بالعراق بأن الزرقاوي ليس سوى أسطورة صنعتها سلطات الاحتلال الأمريكي ووسائل مخابراته وإعلامه. وبطبيعة الحال فإن هذه الاعتداءات -مهما يكن فاعلها- مرفوضة ومدانة شرعا وواقعا، لأن الإسلام دين الحنيفية السمحاء أكد في نصوص قطعية كثيرة من الكتاب والسنة على حرمة الاعتداء على المؤسسات التعبدية لأهل الكتاب وعلى الرهبان والقساوسة والأحبار ما لم يحملوا سلاحا ويلتحقوا بركب الجيوش المعتدية، بل حرم الاعتداء حتى على البيئة والمساكن، وبذلك مضت سنة الصحابة والتابعين وأتباع التابعين والدول المتعاقبة على الحكم في تاريخ المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها، عملا بوصية محمد رسول الإسلام والإنسانية عليه الصلاة والسلام عندما قال لقادة الجيوش (اغزوا باسم الله ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بيتا ولا تقتلوا امرأة ولا طفلا ولا شيخا ، وإذا رأيتم قوما يعبدون الله في صوامعهم فدعوهم وشأنهم). وبضدها تتميز الأشياء، فإن جيوش الاحتلال والاستعمار الغربي أذاقت الأبرياء والنساء والأطفال والشيوخ والعجزة صنوفا من التعذيب والتقتيل والإهانات والاغتصاب والقتل الجماعي، وما فضائح سجن أبي غريب عنا ببعيد. تساؤلات ضخمة تتصدى للإنسان العادي فضلا عن المراقب اليقظ بخصوص ما يجري في العراق، ومنها: - ألا تكون العمليات الأخيرة ليوم الأحد الماضي ضد أهل الكتاب من أتباع عيسى عليه السلام في أرض العراق والحضارة والتعايش الديني لقرون متطاولة، ألا تكون هذه الاعتداءات من عمل طرف ثالث يريد خلط الأوراق، وبث الفرقة وتعميق الشقاق وإغراق المنطقة في الفوضى بإضعاف الجميع وتقوية الاحتلال والكيان الصهيوني وترسيخ الفتنة الطائفية حتى يخلو له الجو عملا بحكمة الاستعمار والاستبداد فرق تسد. وإن اليد الكفيلة بالتنفيذ بعد التخطيط وسفك الدماء من المرتزقة عابري القارات والحدود موجودة في العراق للقيام بهذه المهمة القذرة. وذلك ما أشار إليه بيان هيئة علماء العراق يوم أمس. - ألا يكون من أهداف العمليات الأخيرة كسر العزلة الأخلاقية التي تعاني منها قوات الاحتلال، خاصة في العالم المسيحي، والمسيحي الشرقي بصفة أخص، وجر الفاتيكان والكنائس المشرقية إلى جانب الاحتلال لتزكية أعماله وتبرير أفعاله؟ وتشجيع مزيد من التدخل العسكري وتشجيع العمل المسلح غير العاقل البعيد عن كل الضوابط والالتزامات الدينية الشرعية. - الأسئلة ذاتها يمكن أن تطرح حول عمليات خطف الرهائن والتهديد بقتلهم أو ذبحهم أو ابتزاز دولهم، وحول استهداف الشرطة العراقية، وهي العمليات التي حذرت منها هيئة علماء المسلمين بالعراق التي تعلم جيدا من يقوم بخلط الأوراق ويريد تزوير الحقائق ونشر الأكاذيب، وربما كان ذلك هو السبب الرئيس الذي دفع قوات الاحتلال إلى إلقاء القبض يوم أمس الاثنين على العالم مثنى حارث الضاري عضو هيئة العلماء المسلمين ونجل أمينها العام والمسؤول الإعلامي بالهيئة، الذي وجه في يونيو 2004 انتقادات شديدة للحكومة العراقية المؤقتة، واصفا إياها بأنها مسرحية من إنتاج أمريكي. وباختصار، فإن كل الأعمال العنيفة التي تستهدف الأبرياء في أرواحهم وممتلكاتهم واستقرارهم مدانة ومرفوضة جملة وتفصيلا، سواء تلك التي يقوم بها الاحتلال، أو تلك التي يقوم بها المرتزقة أو كل المجموعات التي تدعي الانتماء للإسلام والمسلمين. وعلى العموم، فإن كل ما يجري في العراق يتحمل مسؤوليته ثلاثة أطراف رئيسية هي الاحتلال بجبروته والاستبداد بوجه الكالح والقابلية للاستعمار والاستبداد التي ما يزال قطاع عريض من المجتمعات الإسلامية تعاني منها.