لم تكن رعاية المسنين في يوم من الأيام، موضع بحث أو سؤال في وسط الأسرة، التي كانت تخفض جناحيها للوالدين المسنين وتوليهما كل رعاية واحترام. كما كان المجتمع ينظرإلى المسنين نظرة توقير واحترام، ويصفهم بالحكماء الذين تنبغي استشارتهم والاستفادة من خبراتهم دون إهمالهم. ومع الزمن، وبفعل مجموعة من المتغيرات المجتمعية، أصبحت رعاية المسنين عملا تقوم عليه مؤسسات اجتماعية متخصصة، بعد أن تعقدت مشكلة رعاية المسنين وتعمقت العناية بهم داخل الأسرة. وحدث تطور في فهم الاحتياجات النفسية والاجتماعية للمسنين، حيث أصبحت من مشكلات الحكومة على المستوى الاجتماعي، ووضعت لها قوانين ومواثيق تضمن حقوقهم في المجتمع، وتتمحور هذه الرعاية في جانبين: تخطيطي من ناحية السياسات والتشريعات التي تدعم كبار السن، وجانب مؤسسي يتمثل في مؤسسات خدمة المسنين. وفي ظل تنامي ظاهرة إحالة الآباء والأمهات على دور المسنين، وهي مؤسسات يغلب عليها الطابع الطبي أو الاجتماعي مع قصور في الوفاء بحاجات المسنين، حتى في هذه الخدمة أحادية التوجه. قد يكون من الأهمية، إفراد مساحة للحديث عن واقع المسنين وكيفية رعايتهم، وعن واقع مؤسسات خدمة المسنين، وما تعانيه من مشكلات تترتب على عدم العناية بتقديم خدمات الرعاية في كافة الجوانب المحتملة. وإن كان سؤال الهوية، يبقى هاجسا مؤرقا في عمل هذه المؤسسات، بفعل الجدل حول جدواها، في ظل القيم التي تفرض على الأسر التضامن والتكافل العائلي، بدل تفويت هذا الدور إلى مؤسسات الرعاية. في سياق هذا الواقع، فالسؤال المطروح اليوم، يتوجه نحو بذل نوعية جديدة من التعامل السليم مع مشاكل الشيخوخة، والبحث في الاحتياجات الخاصة لتأهيل كبار السن لحياة جديدة خارج حدود أسرهم التقليدية. 3224 شخصا في 45 دارا للمسنين حسب إحصائيات التعاون الوطني، التابع إداريا لوزارة التضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية، والقطاع الوصي على الجمعيات المشرفة على مؤسسات الرعاية الاجتماعية، الخاصة بالأشخاص المسنين، فإن عدد نزلاء دور رعاية الأشخاص المسنين المنتمين إلى مؤسسات حكومية، وصل سنة 2011 إلى 3224 نزيلا، 50.5 بالمائة منهم نساء. ويبلغ عدد المؤسسات والأجنحة الخاصة برعاية الأشخاص المسنين بدون موارد وبدون دعم أسري، 45 مؤسسة، موزعة عبر المدن التالية: سطات، الجديدة، آسفي، بولمان، فاس، القنيطرة، سيدي قاسم، الدار البيضاء، قلعة السراغنة، مراكش، الرشيدية، خنيفرة، مكناس، آزرو، بركان، الناظور، وجدة، تاوريرت، الرباط، الخميسات، أكادير، ورززات، تارودانت، أزيلال، بني ملال، الشاون، طنجة، تطوان، الحسيمة، تازة. وتوجد في بعض المدن أكثر من مؤسسة لرعاية هذه الفئة، كالدار البيضاء وتطوان ثم أكادير، كما تعد دور الرعاية بكل من تطوانوفاسوقلعة السراغنةومراكش من أكثر الدور استقطابا للمسنين. وأظهرت الاحصائيات بأنه قد تمت عملية مواكبة إعمال القانون 14.05 الرامي إلى إعادة تأهيل مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ل 61 دارا للمسنين. ويملك التعاون الوطني، ومن خلاله وزارة التضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية، حق المراقبة، لكن المشرع لا يلزمهما ببناء هذه المؤسسات التي تأخذ مبادرات إنجازها في الغالب طابعا إحسانيا، رغم أن فتحها أصبح يتوقف على ترخيص يستند إلى دفتر التحملات. التصنيف المقترح للمؤسسات الاجتماعية بحسب الاستراتيجية الوطنية لفائدة الأشخاص المسنين : • «نوادي السن الثالث»: فضاءات للقاء والترفيه والأنشطة الثقافية. • «دور الإيواء»: للأشخاص المسنين المعوزين أو في وضعية هشة. • «دور التقاعد»: ذات تسيير خاص وبهدف ربحي أو تعاضدي. • «دور التقاعد الطبية ومؤسسات الإيواء الخاصة بالأشخاص المسنين فاقدي الاستقلالية» : مؤسسات تعنى بالصحة النفسية. الوردي: سنعمل على تعزيز التعاون مع مختلف الفاعلين بحسب التوقعات السكانية لمركز الدراسات والأبحاث الديمغرافية، ستمثل فئة المسنين 15 بالمائة من الساكنة في أفق 2030، أي ما يعادل 5,8 مليون نسمة. بعد أن كانوا يشكلون سنة 2004، 8 بالمائة من الساكنة أي 2,4 مليون. ونتيجة لتغيير الهرم السكاني، فإن معدل عبئ المرضى على الصعيد الوطني تغير ليبلغ 67.8 بالمائة وليصل إلى 75.8 لدى الاشخاص المسنين البالغين أكثر من 75 سنة، وأن أكثر من 58.9 بالمائة من كبار السن، يعانون على الأقل من مرض مزمن. وبناء على هذه المعطيات، قال وزير الصحة، البروفيسور الحسين الوردي بالبرلمان، إن الوزارة ستعمل على تعزيز التعاون والشراكة مع مختلف القطاعات الاجتماعية الحكومية والجمعيات العلمية والمجتمع المدني في مجال طب الشيخوخة وعلم الشيخوخة، وكذا تحسين فرص الحصول على العلاجات الجيدة لكبار السن، وتعزيز التدابير الوقائية والكشف المبكر للامراض المزمنة المرتبطة بالشيخوخة. الحقاوي: بنية استقبال المسنين تحتاج إلى إصلاح باعتبار المعطى الدستوري الذي يعطي أهمية للأسرة، يجب أن نقارب موضوع الأشخاص المسنين أسريا، وأن يدمج المسن في الأسرة، وبالتالي فمساعدة المسن واحتضانه من موجبات مساعدة الأسرة الحاضنة. هذا دون أن نغفل البنية التحتية المستقبلة للذين يتعذر عليهم العيش وسط أسرهم، ولا يخفى أن هذه البنية وضعيتها مهترئة جدا، وتحتاج إلى إصلاح كبير، وإلى مبادرة خاصة، ننهي فيها مع مؤسسات الإيواء والاستقبال لهاته الفئة، التي لا تتوفر على أدنى خدمة تحفظ الكرامة. وأعتقد، أن عدة خدمات ضرورية يجب أن تقدم للأشخاص المسنين، معلقة بسبب عدم تأهيل البنية التحتية المستقبلة. وفيما يتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، أعتقد أن الأمر يتعلق بموضوع شائك جدا، لازال يعتبر من بؤر الفساد. وسنعمل على تصحيح مجموعة من الوضعيات في جانبها القانوني والتنظيمي و الخدماتي. لذا فمراجعة القانون المؤطر لدور الرعاية الاجتماعية رهان أولي. ونحتاج إلى جهد كبير في ظل توجهنا الإصلاحي، ووقت معتبر ونفس جديد، يجب أن ينخرط فيه كل المعنيون والقائمون على هاته المؤسسات، وآثار عملنا ستظهر تدريجيا، بعد الاطلاع على الملفات وتفحصها بدقة. العنف ضد المسنين ظاهرة مسكوت عنها تشير الدراسات إلى أن كبار السن، يتعرضون يوميا لسوء المعاملة والعنف، سواء جسديا أو نفسيا أو حتى ماديا من خلال حَجْر بعض الأبناء على آبائهم، بهدف الاستئثار بأموالهم على حساب بقية المستحقين، كما تؤكد الدراسات أن قضايا الاعتداء على كبار السن وإهمالهم وممارسة العنف ضدهم لا تزال من القضايا الاجتماعية المسكوت عنها، حيث ثمة حقيقة تؤكد أن الأبناء يشكلون المتهم رقم واحد في قضايا العنف، ويأتي الزوج أو الزوجة بنسبة الثلث، وتؤكد دراسة لمنظمة الصحة العالمية أن النساء المسنات يتعرضن للعنف، بما نسبته 36 بالمائة من قبل الشباب، بينما يتعرض المسنون الرجال للعنف بنسبة أقل. وتبرز الظاهرة عند رعاية كبار السن على صورة إهمال، وسوء معاملة، وعدم مراعاة ضعفهم النفسي والجسماني، إلى جانب الخلاف والصراع بين أفراد الأسرة من أبناء وبنات وزوجات الأبناء، على من هو المسؤول عن العناية بالمسن (الكل يحاول التنصل بشكل أو بآخر أو اتهام الآخرين بالتقصير). • المسنون بركة اقتصادية أكد بحث قام به خبراء من المعهد المختص ببحوث التقدم بالسن، في جامعة أكسفورد البريطانية، وشمل 21 ألف شخص من المسنين، توزعوا في 21 دولة، إلى أن المسنين يمنحون اقتصاد دولهم مبالغ طائلة كل عام، سواء كان ذلك عن طريق دفع الضرائب، أو من خلال الانخراط بالعمل التطوعي أو نتيجة التزامهم بمسؤوليات اتجاه بعض أفراد الأسرة، وخصوصا الأحفاد، حيث يقومون على رعايتهم في العديد من الحالات، فهم قد يحلوا مكان الأمهات من العاملات أو يقدموا الرعاية للطفل عوضا عن دور الحضانة. • تعزيز المسؤولية الأسرية بمساعدة الدولة يتجه الاهتمام العالمي في مجال رعاية المسنين اليوم لتأكيد، أن لا يكون التوجه الأساسي في خدمات المسنين إنشاء دور الإيواء بقدر ما هو الاهتمام بإبقاء المسن في بيته وبين عائلته، على اعتبار أن علاقة المسن بأسرته، هي من أهم عوامل استقراره النفسي والاجتماعي والاقتصادي. ويفضل أن تكون الرعاية داخل الأسرة، تحت رعاية الأبناء، حيث إن جلوس المسن بين أبنائه وأحفاده يعطيه دفعة معنوية هائلة. واقتراح تجسيد الفكرة، يكون عبر ما يسمى ب “ الرعاية المنزلية” من قبل فريق طبي، كبديل عن دور ومؤسسات رعاية المسنين للتغلب على سلبيات هذه المؤسسات، وفي ذلك أيضا ينبغي العمل على تدريب الأبناء على كيفية رعاية آبائهم، من خلال مراكز متخصصة لتكون عندهم دراية بكيفية الاعتناء بفئة المسنين. وعندما يكون المسن محتاجا إلى رعاية متكاملة وعناية فائقة يصعب توفرها في البيت، يكون ذهابه إلى دور المسنين أمرا ضروريا، مع حتمية أن يقوم أبناؤه بزيارته كل يوم، وألا ينقطعوا عنه حتى لا يتأثر المسن نفسيا، وتكون دار المسنين بالنسبة له مكانا مناسبا للرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية، من خلال إقامة نهارية وليست إقامة دائمة.