تعيش الطفولة المغربية تهديدات حقيقة على مختلف المستويات، منها الصحة والتعليم وتشغيل القاصرين وتشريد الأطفال وغيرها من المخاطر التي تتعرض لها، في وقت دقت أكثر من منظمة عالمية ناقوس الخطر، وسجلت في نفس الوقت تحسنا في بعض المؤشرات. وتتحدث الحكومة عن إحراز تقدم مهم في مجال ترسيخ حقوق الطفل، إلا أنها تعترف في نفس الوقت بوجود تحديات في مختلف المجالات. بينما يرى باحثون استقت «التجديد» تصريحاتهم أن «هناك مؤشرات سلبية تقود إلى الشعور بالألم نحو وضعية الطفولة»، واعتبر آخرون أن المجتمع المدني عليه أن يضطلع بدوره الفعال في تأطير الأطفال وتوعيتهم بما يهددهم، بينما يربط آخرون بين ما تعيشه الطفولة من وضع مقلق وبين واقع الأسرة والمدرسة المغربي. وتتحدث تقارير رسمية في هذا المجال عن إنشاء 1600 نادي بالمؤسسات التعليمية في سنة واحدة، وسحب 5614 طفلا من العمل خلال ثلاث سنوات. «التجديد» تفتح هذا الملف وتقدم معطيات مقلقة حول وضع الأطفال المغاربة، كما تستقي آراء فاعلين في هذا المجال، وتعرض استراتيجية الحكومة لترسيخ حقوق الطفل. 10 في المائة يعانون الهزال الشديد والمتوسط كشف تقرير منظمة الأممالمتحدة للأطفال لسنة 2012، أن معدل وفيات الأطفال المغاربة دون سن الخامسة بلغ حوالي 36 وفاة عن كل ألف ولادة حية سنة 2010. ويعاني نحو 10 في المائة من أطفال المغرب من الهزال الشديد والمتوسط، ويعاني نحو 22 في المائة من الأطفال من النمو المتعثر، في حين يعاني حوالي 2 في المائة من الأطفال دون سن الخامسة من نقص في الوزن. وبلغ معدل وفيات الرضع أقل من سنة نحو 30 وفاة عن كل ألف ولادة حية، وسجل التقرير أيضا، معدل 19 وفاة بالنسبة للرضع حديثي الولادة. وأوضح تقرير اليونيسيف، أن العدد السنوي للوفيات بالنسبة للأطفال المغاربة دون سن الخامسة بلغ 22 ألف، من العدد الإجمالي للمواليد المسجلة في نفس السنة حوالي 632 ألف مولود. ويستعرض تقرير للبنك الدولي، عرض أول أمس بالرباط، أهم المخاطر التي تهدد نمو الطفل منذ ولادته إلى أن يصل خمس سنوات من عمره، منها صعوبات ولوج المدرسة وسوء التغذية ووفيات الرضع، والتعرض للأمراض المعدية، وغياب اهتمام بالتنمية النفسية والاجتماعية. بينما يسجل التقريرأن تغطية تلقيح الأطفال عالية، يقول أنها تختلف من مجموعات سكنية إلى أخرى، حيث وصلت نسبة التغطية 94 بالمائة في عام 2008، بينما في سنة 2003، لم يستفد من التلقيح 16 بالمائة من الأطفال بالمناطق القروية و19 بالمائة بالمناطق الحضرية. 10 في المائة ينقطعون عن الدراسة منذ الابتدائي رغم المجهودات التي تبذلها الدولة من أجل الحد من ظاهرة الهدر المدرسي، وتشجيع الآباء على تمدرس أبنائهم، فإن المؤشرات الواقعية والتقارير الدولية الصادرة مؤخرا، تؤكد استمرار المشكل وترسم صورة «قاتمة» عن وضعية الأطفال المغاربة في المدرسة، فقد كشف تقرير معهد اليونسكو للإحصاءات الذي صدر في مارس الماضي، أن نسبة 10 في المائة من الأطفال الذين يبلغون السن المخولة لهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي لم يلتحقوا قبل ثلاث سنوات، وسجل التقرير، أن 13 في المائة من الأطفال المغاربة لم ينتقلوا إلى مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي لأسباب مختلفة، في حين أن عددا من الدول العربية استطاعت أن تحارب الهدر المدرسي وسجلت نسبا أقل من المغرب، مثل الجزائر وتونس والسودان لا تتعدى نسبة الهدر بها أكثر من 4 في المائة. كما أظهرت التقارير، أن نسبة التحاق التلاميذ بالثانوي لم تتجاوز قبل ثلاث سنوات نسبة 34.5 في المائة. وسجلت المعطيات الرقمية الواردة في تقرير اليونسكو، أن معدل الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس قبل الابتدائي بلغ نحو 20 في المائة بالنسبة للذكور ونسبة 47 في المائة بالنسبة للإناث، يعني ذلك أن الإقبال على «روض الأطفال» والكتاتيب التي تعلم القراءة والكتابة للأطفال غير متواز بين الجنسين. من جهة أخرى، استبعد معهد «اليونسكو» أن يحقق المغرب المساواة بين الجنسين في التعليم ما بعد الابتدائي بحلول سنة 2015، وتوقع أن يحقق مساواة بين الجنسين في التعليم الابتدائي فقط في أفق ثلاث سنوات القادمة. ووضع التقرير المغرب في قائمة الدول التي تشهد اتساع الهوة بين الملتحقين بالمدرسة من الذكور والإناث. 650 ألف طفل يشتغلون.. كشف تقرير للمنظمة الدولية لحماية الطفولة، أن 8 في المائة من الأطفال المغاربة يزاولون أعمالا دون أن يستفيدوا من حقهم في اللعب والدراسة والتمتع بفترة الطفولة التي يعيشونها، ويشكل الإناث نفس النسبة مقارنة مع الذكور. وأظهر التقرير أن 3 في المائة من الأطفال عند 15 سنة يتزوجون، و16 في المائة يتزوجون قبل بلوغ سن 18 سنة. وأشار أن هذه النسب قريبة من عدد من الدول العربية. ويفيد تقرير للبنك الدولي، بأن عددا كبيرا من الأطفال يشتغلون، حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، 11 بالمائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و14 سنة تعتبر من الفآت النشيطة، «650 ألف طفل»، 87 بالمائة منهم في المناطق القروية، وهو رقم يعتبره التقرير لا يصل إلى الرقم الحقيق على اعتبار غياب أرقام حول خادمات البيوت، والتي قدرت مؤخرا بحوالي 30 ألف خادمة طفلة. وفي المناطق الحضرية أول عمل للفتيات هو خادمات البيوت، وأظهر استطلاع نشر في الدارالبيضاء أن خادمات البيوت الأقل من 18 سنة يشكلن أغلبية خادمات البيوت في الدارالبيضاء، ويشتغلن 12 ساعة في اليوم بأجر لا يتعدى 500 درهم شهريا. أما في مهن الحرف والنجارة والميكانيك.. فيشير التقريرعلى غياب إحصائيات بهذا الخصوص، بينما في قطاع الزراعة تحدث عن أن نصف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و15 يعملون، من 8 إلى 12 ساعة في اليوم ولا يلجون المدرسة، بينما يشتغل من يلجون المدرسة ما بين أربعة إلى ثمانية ساعات في اليوم. كما أن 48.6 بالمائة من الأطفال يشتغلون في مجالات تهددها أخطار من مستوى عال، بينما يوجد 30،5 بالمائة من الأطفال يواجهون خطر متوسط المستوى، و20.9 بالمائة من يواجهون مستوى منخفض من المخاطر، حسب معطيات المنظمة الدولية للعمل. 58 ألف طفل في مؤسسات الرعاية سنة 2007 يقول تقرير لبنك المغرب صدر حديثا أن عدد أطفال الشوارع في تزايد في المدن الكبيرة والمدن المتوسطة الحجم، وقد تضاعف عدد الأطفال بين عامي 2000 و 2005 ليصل إلى 8300 طفل في الدارالبيضاء فقط، كما أن الأطفال معرضون لخطر العنف الجسدي والاعتداء الجنسي، ويوجد طفل من كل خمسة أطفال يهدده خطرالمخدرات، و في سنة 2007 ما يقرب من 58000 طفلا، تم وضعهم في مؤسسات الرعاية الاجتماعية لأسباب الفقر وتفكك بنية الأسرة، ويرى التقرير أن الإشراف على هذه المؤسسات بحاجة إلى توفير الظروف الملائمة لتنمية الأطفال والاعتناء بهم. المجهودات الرسمية والتحديات - إنشاء 1600 نادي بالمؤسسات التعليمية في سنة واحدة. - في مجال مكافحة عمل الأطفال، سُحب من العمل 5614 طفلا خلال ثلاث سنوات، وسُحب 7661 طفلا بشكل وقائي. - سعي إلى إقرار ميثاق وطني حول الأطفال ووسائل الإعلام. يعتبر المغرب أنه أحرز تقدما مهما في مجال ترسيخ حقوق الطفل، إلا أنه يعترف بوجود تحديات في مختلف المجالات. ويتحدث المغرب في تقريره الوطني الشامل حول وضع حقوق الإنسان بالمغرب، الذي عرض الأسبوع الماضي بجنيف، عن انخفاض وفيات الرضع، ويقر في نفس الوقت بأن هناك “حاجة إلى مزيد من الجهود لتحقيق الهدف الرابع من الأهداف الإنمائية للألفية، الذي ينص على خفض وفيات الرضع والأحداث إلى 25 في الألف، ووفيات الرضع إلى 19 في الألف في عام 2015 “، ويرى التقرير المغربي الرسمي أن هناك “نتائج إيجابية في مجال التثقيف والتدريب وكذلك الوصول إلى الأنشطة الترفيهية، مع شبه تعميم للتعليم الابتدائي للأطفال من 6 سنوات إلى 11 عاما”، ويضيف، “غير أن معدلات التسرب المدرسي والتكرار ما زالت عالية”. من جهة أخرى يتحدث المغرب عن تكريس الحق في المشاركة بفضل قوانين مختلفة وإنشاء حيز لمشاركة الأطفال وتعبيرهم، “برلمان الطفل والمجالس المحلية للطفل”، حيث “اتُّخذت مبادرات قطاعية تندرج ضمن تنفيذ الخطة الوطنية للطفل 2006- 2015”، مثل نوادي المواطنة والحقوق الإنسانية داخل المدارس، وبلغت 1600 في سنة 2009، بالإضافة إلى إحداث مجلس الطفل لدى مراكز حماية الطفولة. وفي مجال الحماية، يستعرض المغرب برامج مختلفة تخدم أهدافًا محددة، منها برنامج “إنقاذ للأطفال في العمل والفتيات الخادمات في المنازل؛ وبرنامج “إدماج”، وهو خدمة الإسعاف الاجتماعي المتنقل لأطفال الشوارع وغير ذلك من الآليات القطاعية. وفي مجال مكافحة عمل الأطفال، يقول التقريرالمغربي الرسمي، أنه سُحب من العمل 5614 طفلا في الفترة من 2008 إلى 2011 مع اقتراح بدائل قابلة للاستمرار وسحب 7661 بشكل وقائي. وعُززت حماية صحة وأخلاق لأطفال المتفرجين في وسائط الإعلام السمعي البصري باعتماد إشارات للسن المرخص له، كما يدور نقاش بشأن آلية للانتصاف والمتابعة في مجال حقوق الطفل، وفقًا للملاحظة العامة للجنة حقوق الطفل ومبادئ باريس. خطة العمل الوطنية من جهة أخرى، يتوفر المغرب على خطة عمل وطنية للطفولة 2006-2015، تحت شعار “مغرب جدير بأطفاله”. و تهدف هذه الخطة التي جاءت ثمرة لمشاورات مكثفة إلى الرقي بالحق في الصحة والحياة السليمة للطفل، و ضمان تعليم جيد النوعية، و توفير الحماية ضد جميع أشكال العنف، وعموما تشتغل الأوراش الكبرى التي فتحتها الخطة على تحقيق عشرة أهداف مركبة لتحسين وضعية الطفولة بالمغرب. بينما تتجلى إستراتيجية وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، في مجال النهوض بحقوق الطفل من خلال جوانب عديدة نذكر منها، “إعداد الاستراتيجيات والبرامج من أجل رعاية أفضل للطفولة”، و”تنسيق أعمال مختلف الشركاء المعنيين برعاية الطفولة”، و”مراجعة وتقويم النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالطفل و اقتراح مشاريع جديدة”، و”تنظيم حملات للتوعية والتحسيس بالآفات الاجتماعية التي تهدد سلامة و استقرار الطفل”. ميثاق وطني يتوخى مشروع الميثاق الوطني حول الطفل والإعلام، الذي يتم إعداده في إطار التعاون بين المغرب وصندوق الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف)، -يتوخى- إلى إرساء إطار ثقافي وأخلاقي يحتكم إليه النشاط الإعلامي المهني في معالجته لقضايا الطفولة، وفي تناوله للطفل كموضوع إعلامي وإشهاري، وكذا تشجيع الوسائط الإعلامية على تكريس وإشعاع ثقافة حقوق الطفل والاهتمام بقضاياه، بما يحفظ حياة الطفل ويصون كرامته ويحقق نماءه. كما تروم الوثيقة، التي تستند إلى عدد من المرجعيات الوطنية والدولية، توسيع مجال التعبير أمام الطفل في المنابر الإعلامية، بما يحقق توازن مشاركة جميع فئات المجتمع ومساهمتهم بشكل ديمقراطي في كل حوار أو نقاش وطني. ويقوم مشروع الميثاق على مبدأ الاحترام الفعلي لحقوق الطفل الكاملة المنصوص عليها في الاتفاقيات والمواثيق والإعلانات والخطط الدولية والإقليمية والوطنية، وعلى الاعتبار المسؤول لخصوصية الطفل من حيث جنسه وسنه وعرقه وانتماؤه الفئوي ووضعه وكل ما يحقق احترام شخصه كإنسان ومواطن. كما يقوم على مبدأ الاحترام الفعلي والتطبيق السليم لقواعد أخلاقيات مهنة الإعلام، كما هو متعارف عليها دوليا ووطنيا في ما يتعلق بموضوع الطفل والطفولة، خاصة ما يتعلق باحترام وحماية المصادر وتوازن المادة الإعلامية وتوظيف الصورة واستعمال اللغة. وينص مشروع الميثاق، إلى جانب التزامات عامة، على التزامات مجالية خاصة في المجال الإعلامي سواء السمعي البصري أو الصحافة المكتوبة والالكترونية أو الإشهار والصورة الصحفية، أو التعامل مع المصادر الصحفية والمقابلة الصحفية في ما يتعلق بموضوع الطفل. الحقاوي وواقع أطفال المغرب شددت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، على أن أوضاع الأطفال في الأحياء الهامشية تعرف عدة انتهاكات لحقوق الطفل، بسبب ما عرفه المغرب من تمدن كبير مما انعكس على الأطفال من حيث الافتقار للبنيات التحتية الذي تعانيه هوامش المدن الذي يعتبر المحضن الأول لهجرة القرى حيث تغيب عن هذه الأحياء الهامشية السكن اللائق والكهرباء والماء الصالح للشرب والصرف الصحي، فضلا عن نقص المرافق العمومية، كالمدرسة والمستوصف والمرافق الرياضية. وجاء أيضا في كلمة للوزارة التي ألقاها ممثل وزارة التنمية الاجتماعية، محمد آيت عزيزي، مدير مديرية الطفولة والأسرة خلال لقاء نظمته الوزارة بشراكة مع اليونيسف قبل أسابيع بمناسبة تقديم التقرير العالمي لمنظمة اليونيسيف حول وضعية الأطفال في العالم سنة 2012، في موضوع “الأطفال في العالم الحضري”، أن المدن المغربية لا تزال تطرح إشكاليات تهم وضعية الأطفال، بسبب ما عرفه المغرب من تمدن سريع وهجرة قروية مكثفة لم تواكبها تهيئة عمرانية ومجالية استشرافية بحكم الضغط الديمغرافي. وأبرزت كلمة الوزارة أن المدينة في بعض الأحيان تتحول إلى مصدر خطر على الأطفال من حيث حوادث السير وشتى أنواع العنف، أمام ضعف التأطير التربوي في الشارع العمومي، والتلوث المتزايد للمدن وتزايد أمراض الأطفال المرتبطة به وضعف الأمن وظاهرة الجريمة في بعض الأحياء الهامشية. وأشارت الكلمة إلى أن الوزارة لا تزال تواجه عدة تحديات تتجلى في ضرورة إشراك الأطفال في وضع السياسات العمومية في القضايا التي تهمهم، خاصة عبر برلمان الطفل وعبر فضاءات للمشاركة على المستوى المحلي، وضرورة وضع برامج وخطط مجالية لإدماج قضايا الطفولة في برامج التنمية المحلية، فضلا عن تفعيل البرنامج الحكومي في مجال حماية حقوق الطفل بشراكة مع كل الفاعلين العموميين والجمعويين، وذلك عن طريق إعداد المرحلة الثانية لخطة العمل الوطنية للطفولة، ووضع إطار منسجم للتدخل العمومي على المستويين المجالي والوطني لحماية الأطفال من كل أشكال العنف، عبر تعزيز الوقاية ضد العنف اتجاه الأطفال، ومأسسة هياكل القرب للتكفل بالأطفال ضحايا العنف، والرفع من مستوى جودة الخدمات، وتقوية قدرات الفاعلين المؤسساتيين، والنهوض بالتعبئة الاجتماعية لخلق يقظة مجتمعية تحارب كل أشكال العنف ضد الأطفال.