يعتبر المهتمون بقضايا الطفل، أن المدرسة هي المكان الطبيعي للأطفال، كما تنص على ذلك جميع المواثيق الدولية وتوصي بها المنظمات الحقوقية وهي تخلد اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال الذي يصادف يوم 12 يونيو من كل سنة، الذي يكتسي محطة أساسية تقف من خلالها المجتمعات على خطورة ظاهرة تشغيل الأطفال، حيث أن عددا منهم يغامرون بأنفسهم ويعملون في ظروف لا تخلو من مخاطر وحوادث، بحثا عن المال أو بهدف تعلم حرفة، الشيء الذي يعتبره البعض شكلا من أشكال الاستغلال وصورة من صور العنف ضد الأطفال. وتشير الإحصائيات التي أفرزتها بعض الدراسات والأبحاث التي أجريت على ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب، إلى أن 1,4 مليون طفل خارج المدرسة من أصل 5,5 مليون طفل بالمغرب،42,85% منهم يشتغلون و57,15% بدون نشاط، منهم % 87في الوسط القروي و%17 في المدن الحضرية، حيث نجد نسبة %84 من الأطفال تشتغل بالقطاع الفلاحي و%6 في النسيج و% 3في التجارة و%2 خادمات في البيوت و%5 في أنشطة مختلفة...أرقام يؤكدها التقرير العالمي لمنظمة العمل الدولية الذي يشير إلى أن 126 مليون طفل في العالم يمارسون أعمالا توصف بالخطيرة، من أصل 660 مليون طفل يشتغل. وأرجعت الدراسات سبب انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال في المغرب بالدرجة الأولى إلى أوضاع اجتماعية واقتصادية، حيث محدودية الدخل أمام غلاء المعيشة تجبر الأسر الفقيرة على الزج بأطفالها في سوق الشغل لمواجهة تكاليف العيش اليومي، كما أن تفكك الأسر نتيجة طلاق أو وفاة أحد الوالدين أو مشاكل داخل أفراد الأسرة أو الإهمال أو بعد أحد الوالدين، يؤدي إلى تصدعات في الكيان الاجتماعي. عوامل ثقافية ودوافع مرتبطة بالهجرة وأخرى بالفشل الدراسي، لا تقل أهمية عن الأسباب الأخرى التي ترمي بالأطفال في حضن سوق الشغل غير القانوني وأحيانا غير الشرعي، تعجل بمسألة التشغيل المبكر للطفل، مما يؤدي إلى اضطرابات في النمو الجسدي والنفسي والعقلي ويعرضه للأمراض وخاصة ظروف العمل القاسية من حمل للبضائع الثقيلة والتعرض للمواد الكيماوية والغازات السامة ومخاطر الآلات والمعاملات القاسية.. أطفال، كان من المفروض على الجميع، أسرا ومجتمعا ودولة، العمل يدا في يد على تخليصهم من قبضة قساوة الزمن الذي لا يرحم، ووضعهم في مكانهم الطبيعي من التعليم والتكوين واستمتاع بمرحلة تعد هامة في بناء شخصية الطفل. وقد اعتبرت النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش) إشكالية الهدر المدرسي من أبرز الأسباب في انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال، حيث جندت قاعدة واسعة من المناضلات والمناضلين بهدف استمرارية هذا الفعل التربوي والاجتماعي بتوفير كل الشروط الضرورية لجعل المدرسة بكل مكوناتها في صلب المعركة ضد ظاهرة تشغيل الأطفال وحماية حق الأطفال في متابعة دراستهم والدفاع عن حقهم في التعليم، من خلال برنامج شعاره»المدرسة هي المكان الطبيعي لتشغيل الأطفال»، تم في البداية، تنفيذه في خمس مدارس ابتدائية بالعاصمة العلمية، قبل تعميمه على عدد من المدن الأخرى. كما قامت من خلال هذا البرنامج، الذي تم بفضله منع 32 ألفا و560 طفلا من بينهم 14 ألفا و835 فتاة من العمل سواء بشكل مباشر أو بشكل وقائي، وضع أسس لممارسة تعليمية داخل المؤسسات التعليمية المستهدفة، تراعي جل جوانب الحياة المدرسية المتعلقة بتقوية كفاءات المدرسات والمدرسين وبتدعيم التواصل وتعميق الوعي بأهمية التعليم لدى آباء وأولياء التلاميذ وكذا لدى الأطفال أنفسهم وتحسين الفضاء المدرسي مع تجهيز المؤسسات بمكتبات مدرسية بفضل الشراكة التي تربطهم بنظرائهم الهولنديين. تجربة مغربية رائدة حظيت باهتمام منظمات دولية والأممية التعليمية التي عممتها على كافة النقابات التعليمية في العالم بفضل تظافر جهود عدد من المتدخلين ، حكوميين ونقابيين وجمعويين، نستحضر من خلالهم روح الفقيد فاضيل الفوال، الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل تمكين الأطفال من حقوقهم الطبيعية، حيث يجرى تطوير هذا البرنامج في إطار شراكة بين صندوق الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) والهلال الأحمر المغربي والعصبة المغربية لحماية الطفولة والجمعية المغربية للتخطيط العائلي وجمعيات محلية، التي من شأنها أن تؤمن استمرارية عمليات محاربة استغلال الأطفال في سوق العمل. وقد سبق لوزير التشغيل والتكوين المهني جمال أغماني ، أن أبرز خلال المؤتمر الدولي حول تشغيل الأطفال المنعقد بلاهاي يومي 10 و11 ماي من السنة الماضية، تجربة المغرب في مجال محاربة تشغيل الأطفال،مذكرا المؤتمرين بخطة العمل الوطنية للطفولة 2006/ 2015 :« المغرب جدير بأطفاله» التي تم اعتمادها منذ 2006 في إطار مقاربة تشاركية تشمل جميع الفاعلين، مشيرا إلى أن هذه الخطة تروم تحقيق عشرة أهداف أساسية لتحسين وضعية الأطفال بالمغرب، المتمثلة أساسا في الحق في حياة سليمة والتنمية والصحة والحماية من الاستغلال والعنف وجودة التعليم.... للإشارة، فقد انطلق برنامج الوقاية والقضاء على تشغيل الأطفال في قطاع الصناعة التقليدية بفاس على مستوى التعليم النظامي وغير النظامي سنة 2000، حيث حدد من بين أهدافه إلحاق الأطفال دون سن الخامسة عشرة بالمدارس وتحسين ظروف عمل المتعلمين البالغين من العمر أكثر من 15 سنة ومناهضة تشغيل الأطفال وتوفير تعليم غير نظامي جيد للأطفال العاملين، الذين يوجدون في سن التمدرس، مع منحهم تكوينا تأهيليا ذا جودة، كما تم إحداث لجنة مديرية وطنية لمكافحة تشغيل الأطفال يتم دعمها بواسطة مكتب مركزي تم إحداثه على مستوى وزارة التشغيل والتكوين المهني وأيضا بواسطة نقط اتصال مركزية محدثة بداخل 43 مندوبية إقليمية تابعة للوزارة.