التجديد تفتح المناقشة حول مشاريع قوانين إصلاح الإعلام العمومي وتقنين الفضاء السمعي البصري من المنتظر أن يتدارس مجلس الحكومة في الأسابيع المقبلة عدة مشاريع قوانين تهم الفضاء السمعي البصري وإعلام الوكالة، وذلك بعد استكمال لجنة وزارية لعملها بهذا الخصوص كما صرح وزير الثقافة والاتصال السيد محمد الأشعري مؤخرا، ويتعلق الأمر بمشاريع إحداث المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري وتغيير الإطار المنظم لمؤسسة الإذاعة والتلفزة وتحويلها إلى ثلاثة شركات وطنية: شركة وطنية للإذاعة وشركة وطنية للتلفزة وشركة وطنية للبث، بالإضافة إلى إعادة تنظيم وكالة المغرب العربي للأنباء، وتستهدف هذه المشاريع حسب الوزير تمكين هذه المؤسسات الإعلامية العمومية من الوسائل القانونية والتنظيمية لمواجهة المنافسة في الميدان الإعلامي وتطوير منتوجها والتدبير المعقلن لمواردها ورصيدها البشري. خاصة وأن هناك مشروع قانون آخر ينظم تحرير الفضاء السمعي البصري ويفتح المجال أمام المبادرة الخاصة (الحرة) للاستثمار فيه بناء على مساطر معينة يسهر على مراقبة احترامها كل من المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات. وبالنسبة للجانب الحكومي فإن هذه المؤسسات الإعلامية ستواصل أداء مهامها كمرافق عمومية وستعمل على تكريس القيم الوطنية مع إبراز التعددية وفتح المجال أمام مختلف وجهات النظر بخصوص مختلف القضايا التي تهم المجتمع المغربي. وإذا كان تغيير الوضعية القانونية لهذه المؤسسات وخاصة بالنسبة للإذاعة والتلفزة وتحويلها من مؤسسات تابعة لوصاية وزارة معينة بميزانية ملحقة إلى مؤسسات عمومية تتمتع باستقلالية تامة في التدبير والتسيير سيمكنها من آليات مواجهة متطلبات العمل الإعلامي بشكل أسرع ومباشر سواء من حيث إقرار صفقات التجهيز وبرامج العمل أو التمويل أو التعاقد مع الكفاءات وتوظيف التقنيات الحديثة علاوة على الحرية والمرونة في الإنتاج والبرمجة فإن العاملين حاليا بهذه المؤسسات يتطلعون إلى أن تكون هذه المشاريع فاتحة لإصلاح حقيقي للقطاع وتحسين ظروف العمل وشروطه و الرفع من الأجور والتعويضات والمحفزات. وبالنسبة لبعض العاملين بالإذاعة والتلفزة وكذلك وكالة المغرب العربي للأنباء فإن المهم ليس هو القوانين الإطار وإنما ما سيتبعها من تطبيقات ملموسة، وما تحتاج إليه مؤسسات الإعلام ببلادنا بصفة عامة ومؤسسات الإعلام العمومي بصة خاصة هو الهيكلة التنظيمية التي تتلاءم مع طبيعة عملها والأهداف المنوطة بها، أي أن تكون مبنية على أسس مهنية إعلامية في تحديد المسؤوليات والتراتبيات، وأن يكون الجانب الإداري ثانوي، ومكمل، لضرورته التسييرية وليس مهيمنا لأنه يكبل العمل الإعلامي لثقل مساطره وطبيعته المنغلقة عكس الإعلام كمهنة مرنة وتبتغي الانفتاح، الانفتاح على الجديد، الانفتاح على الجمهور، الانفتاح على الآخر؟ إلخ.... فالأسئلة المعلقة كما يقول أحد الزملاء الصحفيين بالإذاعة الوطنية تتعلق بكيفية تسيير هذه الشركات الوطنية وهل سيمثل الصحفيون والعاملون الإعلاميون بصفة عامة في مجالسها الإدارية وهل ستحترم شروط الأهلية المهنية الملائمة للقطاع في الخصائص والمقومات التي ينبغي توفرها في مدرائها؟؟؟ وهل ستنص دفاتر التحملات بوضوح على واجبات هذه الشركات في حماية مقومات الأمة والدولة وخدمة الصالح العام ومراعاة الرأي العام واحترام العاملين بها من خلال احترام بند الضمير؟ وعدم التعسف عليهم إذا ما رفضوا القيام بمهام تتعارض مع ضميرهم المهني وهل ستنعدم كما يجب الزبونية وأساليب الترغيب والترهيب في إبرام العقود مع العاملين أو تحفيزهم؟؟؟ ومن خلال استكشاف التوجه العام للمواقف في أواسط العاملين بالمؤسسات الإعلامية العمومية؟ يبدو أن الأغلبية الساحقة منهم تركز على التساؤل عن الوضعية المادية والمعنوية والظروف المهنية في ظل القوانين والأنظمة التي ستؤطر عمل هذه المؤسسات، وإذا كان البعض من هؤلاء العاملين وخاصة من بين الصحفيين ومعدي البرامج بالنسبة للإذاعة والتلفزة واعون بمدى التأثير والتفاعل بين الموضوعين (الإطار القانوني للمؤسسة من جهة والوضعية المادية والمعنوية وظروف العمل من جهة أخرى) فإنهم يرون أنه في انتظار المراسيم التطبيقية بهذه القوانين فإن على مسؤولي القطاع وبالدرجة الأولى الحكومة أن تكون مدركة أن تطوير الإعلام السمعي البصري وإعلام الوكالة لن يتحقق بمجرد تغيير القوانين المؤطرة لهما ولا بشراء التجهيزات الحديثة، والرقمية كما هو واقع حاليا بشكل جزئي، بل لابد من رفع المستوى المادي والمعنوي للعاملين في القطاع وفي طليعتهم الصحفيون. لأنهم قطب الرحى في عمل أية مؤسسة إعلامية ولكي يقوموا بأداء مهامهم الجسام والخطيرة في المجتمع بإتقان وجدية وتفان، ولا حاجة للتذكير والكلام دائما لمجموعة من الزملاء الصحفيين بالإذاعة والتلفزة والوكالة بأن مهام الصحفيين في الإعلام العمومي لا تقل جسامة وأهمية عن مهام رجال السلطة التنفيذية أو رجال السلطة القضائية. ويرى بعض الصحفيين الذين فاتحناهم في وجهة نظرهم حول الإصلاحات المنتظرة للقوانين المؤطرة للإعلام العمومي أنه كان على الحكومة والوزارة الوصية بالخصوص وعلى الأجهزة العليا المؤثرة في توجيه الإعلام العمومي أن تفتح نقاشا واسعا وكافيا مع العاملين بالقطاع مع المعنيين به بشكل مباشر وغير مباشر ولم لا القيام باستطلاعات للرأي العام قبل مباشرة أي إصلاح لمعرفة مكامن الخلل وحقيقة الأوضاع وسبل الإصلاح وآفاقه وأبعاده، وذكروا بمثال سبق لوزارة إعداد التراب الوطني أن قامت به فيما يخص مجال اختصاصها بمبادرة من الوزير محمد اليازغي، ولم يخف بعض الزملاء الصحفيين أملهم في أن يستدرك السيد الأشعري الأمر حتى لا تأخذ المشاريع المنتظرة المسار الذي سار فيه مشروع قانون الصحافة الجديد وما خلقه من سجال وجر عليه من انتقادات من أوساط مهنية وحقوقية. وفي انتظار اطلاعهم على المشاريع المرتقبة بتفصيل تساءل بعض أعضاء جمعية خريجي المعهد العالي للصحافة الذين توجهنا إليهم بالسؤال عن موقفهم من مشاريع القوانين الجديدة المؤطرة للإعلام السمعي البصري عن مدى إمكانية نجاح المشروع في حماية الممارسة الإعلامية كنشاط إنساني نبيل يحمل رسائل حضارية بعد التحرير وفتح المجال أمام الخواص للاستثمار في قطاع ظل حكرا على الدولة مع استثناء واحد (ميدي واحد) وبالنظر إلى ملاحظة الفوضى التي يعرفها مجال إصدار الصحف، يتخوف هؤلاء من صعوبة الجمع بين حماية حرية إقامة المنشآت السمعية البصرية خاصة وأننا لم نصل بعد إلى وضع إطار قانوني وتنظيمي لحماية الممارسة الإعلامية كمهنة لها مقومات أكاديمية يجب احترامها كغيرها من المهن الإنسانية. ويذكر هؤلاء الزملاء بأن جمعية خريجي المعهد العالي للصحافة طالما دعت إلى تأطير الممارسة الإعلامية مهنيا وقانونيا حتى نخرج من السلبيات التي يعيشها المشهد الإعلامي الوطني والتي جعلت منه ذلك البناء ذي الأسوار القصيرة التي "تغري" كل من هب ودب بتسلقها. وبصفة عامة فالذي تأكد لدينا أن العاملين بمؤسسات الإعلام العمومي وخاصة الصحفيين وهم ينتظرون الإفراج الرسمي عن هذه المشاريع يأملون في أن يتم فتح الحوار معهم خصوصا سبل الرقي بالقطاع قبل عرض هذه المشاريع على البرلمان لأن الأم يتطلب استراتيجية شاملة. كتب أحمد صايم