السلام عليكم، إخوتي، الحياة ابتلاء وامتحان، إذ نتقلب بين الخير والشر، بين العطاء والمنع، بين الغرق في النعم وهذا هو الغالب، وبين منع بعضها عنا أحياناً ولحكمة يعلمها الله تعالى، وقد يكون المنع عطاء، وقد يكون العطاء منع، لذلك قال ابن عطاء الله:» ربما أعطاك الله فمنعك!!، وربما منعك فأعطاك!!!»، والإمتحان بالعطاء والنعمة والخير وهو الأغلب أشد وأصعب من الإبتلاء بالمنع والنقص والمصائب، لكون العطاء بالخير لمن لم ينتبه ويعترف للمنعم ويتذكر ويحمد ويشكر، يدفعه للإستغناء بالنفس بل وإلى الطغيان، وبصيرتنا في هذا من قِبَل ربنا علام الغيوب الحليم الغفور الشكور، إذ قال:{إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، إن إلى ربك الرجعى}..نعم حياتنا امتحان بين الإعتراف بالعطاء بالنعمة وشكرها وحمدها لله، والصبر على المنع و الشدائد والمصائب راحتسابها، وبصيرتنا في قول الله تعالى:{ كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ ? وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً ? وَإِلَينا تُرجَعون} نعم، كل ما نتقلب فيه امتحان وفتنة، فعلينا معرفة نعمة الله في الرخاء ليعرفنا بها ويلطف بنا في الشدة أحوج ما نكون إلى فرجه وعفوه ورضاه وولايته، وبصيرتنا هنا في توجيه نبينا ومعلمنا صلى الله عليه وآله وسلم لإبن عمه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عندما كان يوما رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له:( يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت: بلى فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، «تَعَرَّفْ إليه في الرخاء يعرفك في الشدة» وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا ان ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وان النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا) رواه أحمد.. وقد يكون العمل الواحد الخالص الذي عرف فيه الله الواحد منا، سببا في نجاة الواحد منا وخلاصه في الدنيا والآخرة، وبصيرتنا في هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم، حتى آووْا المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا:إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فناء بي في طلب شيء يوما، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج، قال النبي:وقال الآخر:اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي، فأدرتها عن نفسها فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، قال النبي : وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أد إلي أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون)رواه البخاري فاللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيينا ما علمت الحياة خيرا لنا وتوفنا إذا علمت الوفاة خيرا لنا ونسألك اللهم خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك قول الحق في الرضى والغضب ونسألك القصد في الفقر والغنى ونسألك نعيما لا يبيد ولا ينفذ ونسألك قرة عين لا تنقطع ولا تنقضي ونسألك الرضى بعد القضاء ونسألك برد العيش بعد الموت ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله، والحمد لله رب العالمين..