ستلمت المغنية شاكيرا مقابل عرضها الغنائي في مهرجان موازين لعام 2011 ما قدره 7.72 مليون درهم. كما تقاضى المغني إلتون جون على عرضه ما يناهز 5.94 مليون درهم. وينتظر أن تتقاضى ماريا كاري في نسخة هذا العام ما يفوق 8 ملايين درهم، بعد أن تقاضت في 2008 المبلغ نفسه، ليبلغ ما ربحته هذه المغنية لوحدها ما يناهز المليار وثمانمائة مليون سنتيم من أموال الشعب المغربي. وعلى الرغم من كون هذه الأجور التي يحصلون عليها مقابل ساعتين من الغناء تبدو لنا غير مقبولة وخيالية، فإنها أقل مما يمكن أن يتقاضاه هؤلاء المغنيون في دول البترول الغنية أو في المهرجانات التي ينظمونها لأنفسهم بشكل خاص في الساحات العمومية أو داخل الملاعب الرياضية في الدول المتقدمة. إلا أن الأمور لا معنى لها إلا في إطار محيطها المباشر، الاقتصادي والاجتماعي والقيمي وغيرها (Approche systémique)، الذي يعطيها معناها الخاص والمقبول، حيث يمكن أن يكون لأي فعل معنى ما في إطار ثقافي معين، ومعنا مختلفا في إطار آخر. إن هذه الأجور يمكن أن يكون لها معنى مقبولا في العالم الغربي، الذي يعرف تقدما اقتصاديا واجتماعيا عاليا، تمكنت فيه الدول من القضاء على مظاهر الفقر والبؤس... ففي جل الدول المتقدمة، هناك أنظمة متكاملة توفر لكل مواطن حقوقا عديدة تحفظ له حقه في العيش الكريم والرقي الإنساني والاجتماعي، من التعليم والشغل والتعويض عن البطالة والحق في العيش في مجال بيئي سليم، وفي خدمات عالية في النقل والصحة ... مقابل ذلك، فإن مظاهر البؤس والفقر والتعاسة تبدو عارمة وجارفة في مجتمعنا، على الرغم من أن قيم التكافل الاجتماعي والديني لا تزال تتفاعل بقوة في المجتمع المغربي، وتخفف من وطأة هذه المظاهر. إنه إذا كانت هذه الأجور لها ما يبررها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا وفنيا في الاقتصاديات المتقدمة، فإنها غير مقبولة تماما في مجتمعنا، والذي يفرض فيه فقه الأولويات الاجتماعية والاقتصادية أن نهتم بصرف الأموال العمومية فيما يضمن لأبناء شعبنا، والذين يبلغ عددهم الفقراء منهم 8.5 مليون نسمة في تعداد برنامج لاراميد الصحي فقط، سبل عيش كريم، يضمن لهم الحق في التعليم والصحة والسكن اللائق والعمل والأجر الكريم والتجهيزات الطرقية وغيرها... إن مثل هذه الأجور تفضح بشكل صارخ انتصار قيم المال والتربح الفاحش في المجتمعات المعاصرة، ضدا على مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية، حيث انبرى المجتمع الغربي عن نظام سياسي واقتصادي فتح أمام الأشخاص والشركات أفاق للربح بلا حدود. والمعلوم أن القوة والمال ينتجان مزيدا من القوة والمال : كلما ازداد الإنسان قوة وثراء، كلما تمكن من سحق الآخرين واستغلال حاجاتهم. والمطلوب هو العمل بقيم مختلفة، أساسها العدالة في تكافل فرص الانطلاق، وتحديد أفق أخلاقي للربح، على شاكلة ما يعمل به في قانون المنافسة، حيث تمنع الشركات الأكثر قوة في السوق من شراء منافسيها، وتمنع أيضا من تجاوز حصة معينة في الأسواق، بهدف منعها من القضاء نهائيا على المنافسة، الضمانة الوحيدة للحفاظ على مصالح المستهلكين. إن المدافعين عن مهرجان موازين يجدون دائما ما يبررون به مواقفهم، باستعمالهم لحج الدفاع عن الفن والإبداع والانفتاح الثقافي. ولكن لا يمكن لهم بالمرة إيجاد الأجوبة الكافية إزاء سؤال الأولويات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لشعبنا. إن التمويلات التي يحصل عليها هذا المهرجان من أموال الشركات العمومية والجماعات المحلية، أو بالأوامر التي توجه للأرباب الشركات الخاصة باقتناء المئات من التذاكر والذين يمتثلون خوفا على ممتلكاتهم من هجوم المتنفذين في هذه المهرجانات الذين باستطاعتهم تلفيقهم كل أنواع التهم، يجب أن تخضع للحساب الصارم لمعيار هذه الأولويات التي وحدها يمكن أن تعطينا الجواب عن مدى تجاوب هذه المهرجانات مع الحاجيات الأساسية للشريحة العريضة للشعب المغربي عموما، وللثمانية مليون ونصف من الفقراء المعدمين في بلادنا خصوصا. ولعل استنكار كل المناهضين لهذا المهرجان من جهة وتعنت المنظمين له من جهة أخرى ما هو إلا تعبير عن هذه المفارقة في الأولويات والقيم والحاجات. فالأولون ينظرون إلى كل مظاهر العوز والفقر والتهميش والتخلف الذي تطال كل أطراف المجتمع المغربي، ويرغبون في صرف أموال المغاربة في النهوض بوطنهم من أجل تحقيق الأساسيات الضروريات للمواطنين في معاشهم، وما هذه المهرجانات التي تضيع فيها الملايير بالنسبة لهم إلا من قبيل «الجيعان الذي يريد خاتما». أما الآخرون، فيحكمون بمنطق الشبعان، الذي تتوفر له كل الشروط الأساسية، الباحث عن الكماليات الفنية والترفيهية. لكن الأكيد أن مناهضي هذا المهرجان هم أقرب إلى هموم غالبية الشعب المسحوق، ومتمثلون لأولوياته وحاجاته في صرف الأموال العمومية. أما منظمي هذا المهرجان والمدافعين عنه، فهم تعبير عن هموم أقلية، منقطعة عن أولويات غالبية الشعب المقهور، تعيش دورة متقدمة من الحقوق، وتريد أن تبدد أموال الوطن والمواطنين في إشباع نزواتها الفنية والموسيقية. أستاذ باحث Mundiapolis Université