سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إبراهيم حمداوي: التغيرات التي عرفها المجتمع المغربي انعكست على قيمه وعلى علاقة الأبناء بآبائهم قال إن تخلي بعض الأسر عن أعضائها المسنين يعتبر نكرانا لجميلهم وللتضحيات التي قدموها
أجمع المحللون على أن ظاهرة دور العجزة في المغرب دخيلة على المجتمع المغربي، وفسروا أسباب ذلك بنقل ثقافة الدول الأجنبية وطرق عيشها داخل مجتمع لا يؤمن بالتكافل الأسري. حيث لا نجد سوى أسرة صغيرة تتكون من أب وأم وأبناء، بعيدا عن الأعراف التقليدية المتعارف عليها منذ زمن، كما ساهم كذلك في انتشار هذه الثقافة، ارتفاع مستوى المعيشة وتدني الأجور ما يعجز معه العديد من الأفراد عن إعالة الأسرة، كما كان في السابق حيث نجد الفرد الوحيد الذي يتوفر على دخل يعيل الأسرة بكاملها بمن فيهم الأجداد. في نظرك، كيف ترى وضعية المسنين في دور العجزة بالمغرب؟ - يمكن القول إن المتتبع لموضوع العجزة والمسنين بالمجتمع المغربي يلاحظ تغيرا ملحوظا في التعاطي والتعامل مع هذه الفئة الاجتماعية، فإلى عهد قريب كان التكافل والتضامن الأسري والاجتماعي في أوجه داخل مجتمعنا، وهذا التكافل كان بشكل دائم وشبه مطلق في كل الظروف والوضعيات، حيث القيم الاجتماعية والدين والثقافة والعقل الجماعي وغيرها، تجعل الآباء في مكانة اجتماعية عالية ولهم قيمة، معززين ومكرمين، غير أن التغيرات السريعة التي عرفها المجتمع في السنوات القليلة الأخيرة، انعكست على القيم والثقافة والسلوك والعقل الجماعي بصفة عامة، حيث أصبحت هذه الفئة في نظر البعض، على الأقل، عبئا على أسرها ماديا ومعنويا، والشاهد على ذلك هو الإقبال الكبير للمسنين على دور العجزة في المدن المغربية. ويمكن القول إن مسألة دور العجزة بالمغرب هي ظاهرة حضرية بامتياز، لأننا لا نكاد نلاحظها في البوادي، حيث قيم التكافل لم تتغير بشكل كبير جدا، والشاهد الثاني هو وجود المتسولين من المسنين أيضا بشوارع المدن، وهم أناس يحتاجون، سواء في الشوارع أو داخل دور العجزة، إلى الرعاية والحنان من جهة، وإلى سياسة اجتماعية واضحة منصفة تحفظ كرامة الإنسان المغربي الذي ضحى بحياته وعمره من أجل بناء الوطن في كل المناحي والجهات، من جهة أخرى. ففي دور العجزة يكشف الواقع عن بؤس هذه الفئة نفسيا لشعورها بأنها قدمت تضحيات، وفي الأخير كان مصيرها الشارع، لأن لا أحد يزورها أو يسأل عنها، ولأن مسألة التخلي عنها في تمثلها الشخصي أمر مشين في الثقافة الاجتماعية. فهذه الظاهرة، أي ظاهرة التخلي عن الآباء والأجداد، دخيلة على وسطنا، ولم يستوعبها المجتمع بشكل كبير بعد، لأن التخلي لا يكون فيه رضا الطرفين، بل يمكن أن نسميه تخلصا من هذه الفئة المسنة في أرذل العمر؛ أي في الوقت الذي هم في حاجة ماسة فيه إلى التكفل والرعاية صحيا وماديا ونفسيا... يمكن القول كذلك إن هذا التخلي مقابل ما قدموه لأسرهم ووطنهم يُعتبر نكرانا للجميل وعدم وفاء بالأمانة. فهذه الفئة تجد نفسها إما مرمية في الشارع بدون معيل، وهي التي نراها تسترزق أو مرمية في دور العجزة، التي تفتقر إلى الإمكانات المادية والنفسية والاجتماعية، لأن لا شيء يمكن أن يعوض الأسرة مهما يكن، والأعذار واهية وإن وجدت، لأن هذه الفئة تعاني من الوحدة والإهمال ومن أمراض كثيرة، خصوصا مع تقدم السن، ومن اختلال في التوازن العائلي والعاطفي، وتحس بأن دور العجزة مهما كانت، لا يمكن أن تكون بديلا لدفء الأسرة، وهذا واضح من خلال مطالب دور العجزة بالمغرب ومن طلبات قاطنيها أيضا. وبكلمة يمكن القول إن هذه الفئة تعيش أوضاعا كارثية، خاصة الجانب النفسي والإحساس بالدونية والضياع، خصوصا منهم ذوي الحاجات الخاصة، والذين يعانون من أمراض مزمنة أو اضطرابات نفسية. هل ساهمت دور العجزة في التفكك الأسري؟ -إن التحولات التي عرفها المجتمع المغربي، خصوصا، هي تحولات في بنية الأسرة، حيث نلاحظ الانتقال الكبير أو التوجه العميق نحو «الأسرة النووية»، خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث تجاوزت النسبة 60 في المائة في المجتمع المغربي، إلى جانب التحولات في البنية الأسرية ودخول المرأة بشكل رسمي إلى سوق الشغل، حيث تعمل طيلة اليوم وطيلة أيام الأسبوع وطيلة السنة، بالإضافة إلى تقليص عدد أفراد الأسرة المرتبط بتنظيم النسل؛ حيث نجد في المعدل أربعة أو خمسة أفراد في الأسرة، كلهم إما يشتغلون أو يتابعون دراساتهم، مما يعني نشاط الأسرة بكامل أعضائها. إذن هذه الأمور كلها انعكست على بنية الأسرة وثقافتها، وينضاف إلى ذلك التغير في طبيعة السكن (غلاء العقار) والسكن الجماعي، الذي فرض ثقافة اجتماعية جديدة ومسألة الخادمة، إلى غير ذلك. ونخلص إلى أن كل هذه الأمور مجتمعة وأخرى أدت إلى تحولات سوسيو اقتصادية، وإلى تحولات في القيم الاجتماعية وفي القواعد والضوابط الاجتماعية، حيث ظهرت قيم الفردانية والانتقال، شيئا فشيئا، إلى ثقافة المجتمع الرأسمالي؛ حيث تذوب ثقافة التكافل والتعاون والتشارك والتضامن الاجتماعي، وهو ما يشجع على التنافس وعلى تمجيد القيم المادية، والتهافت نحو الكسب بشتى الطرق والوسائل، وإلى ذوبان الروابط الاجتماعية أو ضعفها، وإلى انفصال الفرد عن قيم المجتمع، التي تعتبر عبئا زائدا أو ثقيلا يجب التخلص منه. يمكن القول كذلك إن التغيرات في بنية المجتمع الديموغرافية والسوسيو اقتصادية أدت إلى ضعف المعايير والقيم التقليدية المرتبطة بنظام الأسرة، وظهور قيم ومعايير جديدة تحت تأثير التحضر وإكراهات الحياة والعوامل السوسيواقتصادية والديموغرافية، وما يرتبط بها من متغيرات أخرى. وأعتقد أن دور العجزة جاءت كإجابة على ظاهرة التفكك الأسري، غير أن سياساتها وإمكاناتها والثقافة المرتبطة بها وسمعتها، جعلت من الصعب استيعابها من طرف المجتمع، لهذا فهي في حاجة إلى الدعاية وأمور كثيرة لكي تستجيب لإكراهات الواقع ولمتطلبات العالم والعصر والواقع، لأنها حاجة ضرورية وماسة للمجتمع لحفظ وصيانة كرامة المواطن بصفة عامة، سواء القاطن أو غيره. إلى أي درجة تعتقد أن ثقافة دور العجزة مقبولة في المجتمع المغربي؟ -لا يمكن أن نعطي جوابا دقيقا وموضوعيا، لأن الأمر يحتاج إلى دراسة علمية، غير أنه يمكن على العموم القول بأن القبول أو الرفض يختلف حسب الفئات الاجتماعية وثقافتها ومشاكلها، فالفئة أو الطبقة التي تُعتبر خزانا وحافظا للقيم وللذاكرة الجماعية للمجتمع المغربي، حيث مازال التضامن والتكافل، تعتقد أن دور العجزة لا مكان لها في المجتمع، على الأقل في ثقافتها الشعبية، وأنها عنوان للسخط والتخلي عن الآباء، وهو شيء منبوذ ومرفوض لدى هذه الفئة، إلى درجة أن مسألة «الرضا» أو «السخط»، كمفهومين اجتماعيين ودينيين، مرتبطة لدى هذه الفئة بدرجة الاعتناء بالوالدين والاهتمام بهم حتى يتوفاهم الموت، غير أن هناك فئات أو طبقات اجتماعية أخرى حيث ظروف سكنها الضيق وإكراهاتها الاقتصادية والأسرية والاجتماعية (ضيق السكن، عمل المرأة، تمدرس الأبناء، غلاء الصحة، إكراهات الوقت والعمل وقلة عدد أفراد الأسرة الذين يسهرون على خدمة المسن داخل البيت...)، ففي الغالب الآباء يشتغلون والأبناء يتمدرسون، إلى جانب ثقافة «الأسرة النووية» ... ترى هذه الفئات أنه من المناسب، لتجنب الكثير من المشاكل، أن تكون هناك دور للعجزة تتكفل بآبائهم وهي حل وامتداد للأسرة. مؤخرا أصبحنا نتحدث عن شباب الفايسبوك والمواقع الاجتماعية، إلى أي درجة تساهم هذه التكنولوجيا الرقمية في أخذ هؤلاء الشباب من آبائهم أو حتى أجدادهم؟ - اسمحي لي أن أقول كلمة، إلى وقت قريب كنا نسمع بشباب عازف أو شباب متمرد أو شباب غير مبال، حتى أصبح الشباب في نظر من ينعتونه بنعوت كثير مشكلا اجتماعيا، فالشباب هو الذي عبر عن نفسه وقدم جوابا لكل هذه الأسئلة، بأي صفة يمكن أن نحدد الشباب؟ من خلال الواقع، نجد الشباب يغطي كل مجالات الحياة الحميدة منها، والتي تعتريها مشاكل الانحراف بأنواعه. تبين الدراسات السوسيولوجية أن شباب الخمسينيات والستينيات كانوا «مهندسين» لثقافة اجتماعية جديدة خاصة بهذا الجيل، لمجتمع في قمة التطورات والنمو، بدا الشباب حسب «ماركريت ميد» كمسؤول عن نقل المعلومات. هل يمكن الحديث عن شباب مثقف؟ للأسف الشباب اليوم ليست لهم ثقافة. ما هي عاداته الثقافية ؟ هل يقرأ شباب اليوم؟ ماذا قدم للثقافة الوطنية في زمن سرعة التواصل؟ هل الشباب منحرف؟ الشباب نظرا إلى حساسية مرحلتهم، يُحرجون الدولة الهامشية المهددة والشباب يوجد على هامش المجتمع، فهو الرافع للواقع السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وعلى كل النظم، فهو الرافع الذي يعزف عن المشاركة السياسية وهو الذي يتمرد على العادات والتقاليد وعلى الضوابط الاجتماعية. هل يمكن اعتباره قنبلة موقوتة ستنفجر حين تتحدد الشروط اللازمة لذلك؟ إذا كان الأمر كذلك، أين وأي اتجاه ستأخذه حركته الثورية أو الاحتجاجية؟ يجب أن تمر مرحلة الشباب بسلام. هل يمكن اعتبار مرحلة الشباب حركة اجتماعية؟ يمكن أن نتساءل عن الحياة الشبابية وحياة الشباب، وأية حياة تطبع حياة الشباب الدراسية والتكوين والتنشئة الاجتماعية للدخول إلى حياة الشغل وحياة الكبار؟ هل شبابنا يعيش شبابه كما ينبغي؟ وهل يمر من نفس السيرورة التنشئوية كباقي شباب العالم المتقدم؟ - هل الشباب له طموح؟ وما هي طموحاته؟ ممن أو مما يخاف شباب اليوم وماذا يخيفه؟ ما هي قيم شباب اليوم؟ هل هي امتداد قيم آبائهم أم تحددها التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال. لمواجهة المستقبل هل للشباب حجج تجعلهم يخافون من المستقبل؟ لماذا يخافون من المستقبل؟. - فالمتتبع للمجال السياسي أو الإعلامي أو الثقافي أو الاجتماعي في الخطابات الرسمية عند الفاعلين السياسيين أو الصحافة أو السلطة، يلاحظ حضور الشباب بشكل كثيف لأن الشباب يشكل موضوعا أو رقما رئيسا في السياسة والمشاريع المجتمعية والسياسية، خصوصا ارتباط الإشكالات الصعبة في كل المجتمعات بهذه الفئة، لاسيما مشاكل البطالة ومشاكل التعليم، وهذان الإشكالان يمكن اعتبارهما شبابيين على وجه التحديد. فالتعليم يرتبط به مصير وآفاق وطموحات الشباب من جهة، والشباب هو منتوج المؤسسات التعليمية من جهة أخرى. أما البطالة التي تعاني منها فئات عريضة من الشباب فتفرض تداعياتها على كل الأسر سواء الاجتماعية أوالنفسية في المدرسة كوسيلة للترقي الاجتماعي، وتراجع الفئات المتعلمة منه داخل سلم التراتبية وفرض التعبئة الدائمة للأسرة. إذن ثقافة الشباب يمكن اعتبارها إحدى الثقافات الفرعية في المجتمع، لكون الشباب يمثلون فئة عريقة داخل المجتمع ويمثلون كذلك مرحلة مهمة من مراحل النمو الإنساني، لها ثقافتها الخاصة تعكس مجموعة من القيم والاتجاهات والآراء وأنماط السلوك التي قد تتقاطع مع ثقافة المجتمع، أو قد تشكل نشازا مثلها مثل باقي الثقافات الفرعية. فهل يمكن النظر إلى الثقافة الشبابية في ضوء التغيرات البنائية الكبرى التي شهدها المجتمع المعاصر والتي أفرزت مشاكل وأزمات اجتماعية وثقافية تتعلق بأساليب تكوين وتحديد محتويات شخصية واتجاهاتها العامة .