او عندما تمارس السياسة بتنظيم المهرجانات لنهب المال العام محمد كاريم تشكل المهرجانات مجالا خصبا لنهب المال العام، وذلك لإنعكاساتها الخطيرة على المجتمع والقوت اليومي للمواطنين على اعتبار أن الأهداف الحقيقية التي تتوخاها الجهات المنظمة تتركز أساسا على تسطيح الوعي الاجتماعي وتكليخه وتنميطه وتكريس الثقافة السائدة بشقيها الليبرالي والظلامي، وهذا كله نوع من الاستيلاب الفكري والاجتماعي وسياسة النظام لإحتواء التناقضات الاجتماعية كما أنها تشكل مجالا خصبا لنهب المال العام، وهذا ما يتجلى بوضوح كبير في حجم الميزانيات التي تصرف على هذه المهرجانات والمواسيم والحفلات المخزنية التي تقدر بالملايير غالبيتها مستخلصة من جيوب الفقراء والكادحين وفي مقابل هذا يعمل النظام على الإجهاز والضرب على الخدمات الاجتماعية والعمومية للمواطنين من صحة وتعليم وسكن وتشغيل... مبدئيا لسنا ضد الفن الراقي والملتزم والموسيقى على وجه التحديد على اعتبار أن الوعي السائد بالموسيقى والفنون إجمالا يجعلها تعبيرا إنسانيا ملحقا بالحاجات الأساسية للإنسان، ولإستمرارية الحياة، فالفن يعد أحد أهم ابتكارات الإنسان الأساسية التي جددت صلته بنفسه بالطبيعة وبالتاريخ وبالمصير ومكنته من أبعاد وزوايا لامتناهية للإبداع وتحريك علاقته بالممكن والمستحيل. وفي كل الأزمنة التي افتقد فيها الإنسان المعنى وأسودت الأفاق وساد ظلام الجهل والاستبداد والعبودية الاقتصادية والدينية كانت الموسيقى حامية لحمى المعنى والجمال والخلق وتجديد الحياة وإعلان البداية الدائمة للعالم. إن الموسيقى هي أبلغ درس في الحياة وفي تعقيد العالم وأجمل ما يلخص جمال الحياة ويحفظ معناها ويخلدها وهي أبلغ من يوصل رسالة الحفاظ على استمرارية العيش المشترك في هذه الحياة المريضة. إن الموسيقى قاتله للفراغ وخالقه للعالم ومعمرة له وزراعة للحياة وضامنة لبقائها واستمرارها، ولعل الأعجب والأجمل أن تكون الموسيقى مخلدة حتى للموت ولفقدان الأحبة، لذا يتعذر على الإنسان أن يعيش إنسانيته ويمارسها من دون موسيقى ولعل الإضراب عن الموسيقى قد يهدد الإنسان بالموت الوجودي السريري حتى وإن كان يعيش فراغه السعيد يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق... وبما أن الموسيقى كانت دوما إحدى التغييرات الفنية التي تحيى وتبرز ثقافات الشعوب وتحفظها من الاندثار وتقتل الفراغ أيا كان طبيعيا أو ثقافيا، فإنها كانت دائما عصية على أكبر الديكتاتوريات وأقسى الطغاة فهي شكل تعبيري راقي وعميق للنضال والصمود والوفاء والإخلاص والحنين والاحتفال بالذكريات وعظيم الأحداث والحب والعشق المستحيل، إنها أجمل لغة العالم.... إن المغرب يعتبر من البلدان القلائل في العالم الذي يتمتع بغنى ثقافي وفني متنوع تمتزج فيه الهوية الثقافية والحضارة التي تشكلت عبر صيرورة زمنية تعد بآلاف السنين يلتقي فيها ما هو أمازيغي وعربي وإسلامي ويهودي وأوروبي وأندلسي، وهذا ما تترجمه مختلف المهرجانات الفنية والملتقيات الثقافية المتنوعة التي تقام على امتداد جغرافية المغرب... إن الجدل المطروح حاليا في المغرب ليس في زخم المهرجانات والمواسيم الفنية "الثقافية" التي تنظم بمختلف المدن والقرى على مدار السنة لتصل ذروتها في فصل الصيف بقدر ما تطرح إشكاليات واستفهامات من قبيل أي الجهات التي تقف وراء تنظيم هذه المهرجانات؟ والهدف منها؟ وحجم الميزانيات التي ترصد لها؟ إن العدد الخيالي من المهرجانات والمواسيم التي تنظم في غالبية المدن والقرى على مدار السنة تقف وراء تنظيمها إما مؤسسات أو جمعيات تحظى بدعم السلطات وأعيان ووجهاء المناطق ونذكر على سبيل الحصر بعض المهرجانات التي أصبحت تلصق بالأشخاص والأعيان المقربون من السلطة كأندري أزولاي (مهرجان الصويرة) ، عزيز أخنوش (مهرجان أكادير)، محمد القباج (مهرجان فاس)، حسن أوريد (مهرجان الراشدية)، منير الماجدي (مهرجان موازين) ، إلياس العماري وأخوه "مهرجان طنجة +الحسيمة والناظور...) إضافة إلى مهرجانات ومواسيم أخرى كثيرة، فالقاسم المشترك بين كل هذه المهرجانات الميزانيات الضخمة والإمكانيات اللوجستيكية العملاقة والهائلة التي توضع رهن إشارتهم هذا في الوقت الذي تحرم فيه العديد من الجمعيات الثقافية حتى من حقها في المنحة السنوية. إن قواعد اللعبة واضحة للعيان إذ تقتضي وجود شخصية نافذة يتوفر على شبكة علاقات داخل الدولة، ويتوفر على رأسمال وموقع مسؤولية في أعلى السلطة ليوفر ميزانية ضخمة من العيار الثقيل لا يختلف عاقلان في كون أهداف هذه المهرجانات في غالبيتها إما سياسية أو مادية ربحية محضة إذ تظهر الأهداف السياسية من خلال صفات القائمين على هذه المهرجانات، وكذا الشخصيات النافذة داخل دواليب الدولة والتي تقف وراءها... إن سياسة النظام من خلال تنظيم وتمويل هذه المهرجانات ليس هو الدور السياسي المعلن والمرتبط بالأبعاد الثقافية والفنية والتنموية بل من اجل التنفيس على سياسة النظام التي لا تتأقلم مع الاتجاهات والطموحات الشعبية وكذلك من أجل تأمين سياسة السلم الاجتماعي لهذا فإن هذه المهرجانات تلعب أدوارا طلائعية على مستوى امتصاص الغضب وتنفيس السخط والرفض المتراكم ففي هستريا الاحتفال بالكلمات والتموجات الصدرية للفنانات حيث ابتسامة الشاب خالد وضحكته التي تفارقه وترنحات مؤخرة شاكيرا وتنهيدات هيفاء وهبي، ولطافة إليسا وكارول سماحة ونوال الزغبي، وابتسامة تامر حسني ومليار من السنتيمات لإلتون جون ، وسانتانا، وآخرون على اختلاف هواياتهم وجنسياتهم التي تذوب وتتهاوى عند قدومهم إلى مهرجانات المغرب حيث مباشرة بعد صعودهم للمنصات المخصصة تجدهم ملفوفين بالعلم المغربي وبعد برتكول تقديمهم بالمجاملة المليونية مرحبا بكم في بلدكم الثاني المغرب ،وقبل بدايتهم في الرقص والغناء هذا المغرب بلدي الأول. وتلعب هذه المهرجانات أدوارا طلائعية على مستوى امتصاص الغضب الشعبي وتنفيس السخط والرفض المتراكم ففي الاحتفال في هذه المهرجانات يتجاوز المرء نفسه وينسى الكثير من مشاغله اليومية وهموم الحياة التي لا تنتهي... فالدولة لا يمكن أن تصل إلى عملية الضبط الاجتماعي لكل تفاصيل وميكانيزمات المجتمع وتحركاته وتمفصلاته عن طريق الأجهزة الأمنية وحدتها لهذا لابد لها من أن تستعين بأجهزة أخرى وأدوات وبنيات إيديولوجية ويأتي على رأسها سياسة المهرجانات. فالمهرجان في أصله ظاهرة شعبية وينبغي أن ينطلق من الناس وحياتهم ومعاشهم اليومي ومن إحساسهم بالفرح ولا يمكن أن يكون مقررا من لدن الحكومة والجهات الرسمية كما ينبغي أن يعبر عن واقعهم الاجتماعي والثقافي والسياسي وأن يكون عبارة عن تظاهرة حقيقية تعكس الحس الجماعي للقضية الجماعية وهذا نادرا ما نجده في أجندة المهرجانات المقررة والمهولة والمنظمة من طرف السلطة فالسياسة الرسمية تحاول أن تنظم مجموعة من المهرجانات من أجل أن تعكس نوعا من الفرح والمدح المصطنع وهو في الأساس لا وجود له، كما أن بعض المهرجانات تنظم لأغراض تجارية محضة حيث يكون وراءها رجال الأعمال وشركات خاصة تهدف إلى تسويق منتوجاتها واستثماراتها عن طريق المهرجان. وإجمالا فإذا الأموال الهائلة المرصودة لتنظيم هذه المهرجانات أو الحفلات الرسمية تعد في عداد المال العام فهي تمول من ميزانيات وزارة الثقافة والسياحة والداخلية ومن ميزانيات المجالس الجهوية والإقليمية والبلدية والقروية وبعض مؤسسات الدولة الأخرى، لهذا فمن حق المواطن أن يطرح استفهامات كبيرة عن مصير تلك الأموال، ومن حقه الإطلاع على مصادر التمويل وحجمه وذلك لضخامة الأموال المرصودة لها، لكي لا يتم استعمال هذه المهرجانات كوسيلة من وسائل اختلاس الأموال العمومية وتحويلها إلى حسابات بعض النافذين أو الزبناء والمقربين والاغتناء على حساب المصلحة العامة.. ما أحوجنا إلى مهرجانات فنية وثقافية لكن ليس كهاته بل بمقاربات جديدة تعكس الانتظارات الشعبية للكادحين ليس المهم هو الكم بل الكيف هو المهم، حيث يجب أن تنظم هذه المهرجانات بأقل التكاليف ولا نحتاج إلى تبذير أموال الشعب من أجل البهرجة وتراعي فيها خصوصية الثقافة الوطنية بعيدا عن استنزاف الميزانية العامة والبهرجة من أجل مصلحة البلد الذي يكفيه ما فيه... إن الأحداث المرصودة لتنظيم المهرجانات تدخل في عداد المال العام، لهذا يجب أن يخضع تنظيم هذه المهرجانات لمراقبة الرأي العام، وأن تكون تلبية لحاجياتها الثقافية والفنية وليست وسيلة لتحويل المال العام لفائدة الانتهازيين والنفعيين على حساب المصلحة العامة. لهذا يجب امتصاص مالية المهرجانات بإخضاعها للمراقبة الصارمة على اعتبار أن هذه المهرجانات تتطلب عشرات الملايير حيث تتجاوز بكثير ميزانيات بعض الجماعات بفوارق كبيرة، وواهم جدا من يعتقد بأن غالبية هذه المهرجانات يتم تمويلها عن طريق مساهمات خاصة تمنح لجمعيات أو جماعات معينة من المجتمع المدني وليست هيئات عمومية ، لكن الحقيقة التي تقدمها تلك الهيئات والمؤسسات سواءا كانت مقاولات عمومية أو شركات خاصة تقتطع من حصيلة الضرائب على شكل إعفاءات وبالتالي فهي جزء من المال العام... إن المهرجانات التي تنظمها بعض الجمعيات المقربة من دوائر السلطة تصرف فيها الملايير من دون حسيب ولا رقيب حيث لا داعي للتمييز بين الجمعيات التي تنظم تلك المهرجانات من حيث بعدها أو قربها من دوائر السلطة فلسلطة وسائلها وطرقها للتحكم في تمويل المهرجانات ونادرا ما يتم التضييق على بعض الجمعيات الجادة التي تريد الحفاظ على استقلاليتها والقيام بدورها المدني في التنشيط الثقافي والمساهمة في الرقي بالذوق الفني وتنمية وتطوير التعبيرات الجمالية في المجتمع بعيدا عن التوضيفات السياسة الضيقة، وهذا على العكس تماما حيث نجد السخاء المبالغ فيه من طرف المانحين وبتشجيع فاضح من السلطة ورموزها تجاه الشخصيات المقربة والجمعيات المسخرة لديها... إن أبجديات التباري الفني بين الجمعيات تقتضي أن طريق صرف الأموال المحصلة عليها لتنظيم المهرجانات وبحكم اعتبارها من المالية العامة أن تنشر كل الميزانيات المخصصة والمرصودة لكل المهرجانات ليطلع الرأي العام على مصادر التمويل ومن أين أتت المنح والمساهمات؟ وأين وكيف صرفت؟ ومن المستفيد من كل النفقات؟ وذلك من أجل وضع حد للتسيب المالي في مجال جمع مصادر التمويل لهذا لابد من تكثيف المراقبة الشعبية والبرلمانية ،إن الثقافة السائدة في المهرجانات المغربية تعتبر أجور المغنيين الأجانب أسرارا ليست قابلة للكشف حيث أنه لا يمكن نهائيا للعملية الحسابية أن تستقيم إذ أن مهرجان كمهرجان موازين تفوق ميزانيته 03 ملايير سنتيم، وهو رقم يقارب ما ناله كل من ستينغ وسانتانا بمعنى أن النجوم العالميين الثلاثة بعملية حسابية استنفذوا ميزانية المهرجان، مما يطرح الأسئلة بخصوص مصادر الأموال التي صرفت لاستقدام باقي الفنانين الآخرين... إن الفنان يشترط في العقدة المبرمة معه عدم الإفصاح عن أجره لأن الإفصاح عن أجر المغني في المغرب مرتبط في جزء كبير بعدم إجبار ضيوف المغرب يحصدون الملايير الممليرة على أداء الضرائب، وهناك جانب آخر مهم على اعتبار إن الميزانية في جزء كبير منها مصدرها من المال العمومي إما عبر مساهمات العمالات والجماعات المحلية أو عن طريق احتضان المؤسسات العمومية. فشتان إذن بين المهرجانات الفنية التي تستقدم الفنانين وتتكلف الجمعيات والهيئات المنظمة بالتكفل بمصاريف التكفل والإقامة والسفر، والمهرجانات التجارية التي تهدف إلى تحقيق الأرباح الخيالية وبتشى الطرق... إلتون جون مليار سنتيم، إليسا 60 مليون سنتيم، و50 مليون سنتيم لنوال الزغبي وتامر حسني 60 مليون سنتيم، أما صاحب الانخراط الدائم بالإبتسامة التي لا تفارقه مع حمل العلم المغربي الشاب خالد فيحلو له أن يفتخر بأنه أعظم شاب في العالم بحصوله على مبلغ 70 مليون سنتيم عن كل مسخة فنية يحضرها، إضافة إلى بعض الوجوه الأخرى التي ألفت الحضور إلى المغرب عفوا إلى الملايين الحبيبة سنويا ككارول سماحة ب 30 مليون سنتيم وإليسا ب 60 مليون سنتيم والمعلمة هيفاء وهبي ب 65 مليون سنتيم وكاظم الساهر بمنحه 100 مليون سنتيم، أما الفنانون المغاربة فيكتفون بالتنشيط التلفزيوني كل سبت نهاية الأسبوع بمبالغ فتاتية تتراوح ما بين 5000 وعشرة ألاف درهم، فهذا يكفيهم لأنهم يعيشون في أغرب بلد في العالم، وأمام كل هذه الأرقام الفولكرورية والفلكية ما علينا إلا أن نقول مادمت في مهرجان موازين فلا تستغرب ؟ لأن آخر بلد في جغرافية العالم يمكن أن يكون فقيرا فهو المغرب.