تطرح السياسة الواقفة وراء تنظيم المهرجانات الفنية بالمغرب اليوم أكثر من سوءال خاصة في ما يتعلق بالجانب القيمي والمادي والنوعي وكذا الكمي لهذه المهرجانات. سيما أمام الانتشار الفطري والمتسارع لها، وأيضا أمام الإمكانيات الاستثنائية والأسطورية أحيانا التي تحيل على استراتيجية هذا التوجه لدى القائمين عليه أكثر من كونه مجرد مساهمة في تنمية أو ترويج لمنتوج أو احتفاء بفن من الفنون أو تغذية لجانب كمالي لدى الجمهور. لقد وصلت هذه المهرجانات درجة من التناسل والتفريخ إلى درجة أصبح السؤال جديا حول ما إن كانت بالفعل تسعى إلى خدمة الترفيه والترويح والى إشباع الحاجيات الفنية لدى المواطن المغربي أم هي سياسة مدروسة وممنهجة للتخدير والتسطيح والإلهاء والاستحمار والتمييع بكل ألوانه الفكرية والثقافية والأخلاقية. هذه المهرجانات تطرح اليوم وأكثر من أي وقت مضى سؤال ترشيدها من الناحية الكمية والنوعية؟ وأيضا ما يرتبط بتبديد المال العام وإهداره فيها؟ وقبل هذا وذاك سؤال أولويات الشعب المغربي واحتياجاته الضرورية؟ ثم ما يخص ضرورة احترامها لقيم وثقافة المغاربة إن لم يكن الأصل هو الانضباط لها والانبعاث منها؟ فضلا عن السياسة المتحكمة فيها ومدى خدمتها للصالح العام وقدرة الشعب على مراقبة الواقفين ورائها ومسائلتهم ومحاسبتهم إن اقتضى الأمر ذلك؟ إنه لمن باب السماء فوقنا، التذكير بأن لا مشكل للإسلاميين خاصة اليوم مع الفن الملتزم والهادف الذي يروم تهذيب السلوك والرقي بالذوق والترويح عن النفس والمساهمة عموما في الإقلاع الحضاري للأمة وذلك بمعالجته لقضايا الشعوب والتحامه أولا وأخيرا بقضاياها وتاريخها وثقافاتها وقيمها، فإن تهمة مناهضتم الفن ستظل لصيقة بهم ما لم ينتجوا فيه ويقدموا بدائل ويحتضنوا أخرى، وهو المنحى الذي بدأت العديد من مؤشراته الفكرية والعملية وملامحه تتأكد وتتكاثف يوما بعد يوم. هذه المهرجانات والتي قارب عددها بالمغرب اليوم 200 مهرجان في السنة بميزانيات تبتدئ من 100 مليون سنتيم أو أقل بالنسبة لأصغرها وتصل إلى عشرة ملايير سنتيم فما فوق كما هو الشأن لمهرجان موازين الغنائي والمهرجان الدولي للفيلم بمراكش وما شابههما. تسجل غلبة جانب الرقص والموسيقي متبوعة بمجال السينما والمسرح ثم جانب الموروث الفني في مرتبة ثالثة وبطريقة فولكلورية استعراضية ضاربة في الاستلاب والتغرب وذلك بمجموعة من المدن الكبرى والصغرى، والتي بات بعضها يعرف أكثر من مهرجان خلال السنة الواحدة. بل عمم على مداشر وقرى ما تزال غارقة في غياهب سحيقة للتنمية. لهذه الأسباب كلها علينا أولا التفريق بين تنظيم المهرجانات وبين سياسة المهرجانات، فتنظيم المهرجانات بالتأكيد لا يطرح أي مشكل وهو أمر مطلوب بما يعنيه ذلك من تبريز للتراث الفني والحضاري للشعب المغربي ومن تسويق له. وبغض النظر عن ملاحظات مختلفة لكنها غير أساسية فإن المشاكل مع هذه المهرجانات تبتدئ أولا: بالسياسة الممنهجة التي تقف وراء هذه المهرجانات والتي تعد مجهولة مصادر التمويل الحقيقية، كما يقف من ورائها شخصيات نافذة، وهو الأمر الذي يكشفه كل من مهرجانات الرباط والصويرة وفاس ومراكش... وهؤلاء الأشخاص النافذين جدا، لا تتم ولا يمكن محاسبتهم ولا مراقبتهم من طرف الشعب لا أمام البرلمان ولا أمام باقي المجالس المنتخبة الأخرى سواء على المستوى الجهوي أو الإقليمي أو المحلي. بالنظر إلى كونه لم يخترهم الشعب ويتمتعون بنفوذ يفوق سلطة الحكومة والبرلمان وكل المؤسسات المنتخبة، ويحضر في هذا الصدد جواب وزير الثقافة الاتحادي في البرلمان المنتهية ولايته عندما أجاب عدة فرق برلمانية حول مهرجان موازين بأنه لا سلطة له عليه. وينضاف لذلك وضمن هذا المشكل الأول كون هؤلاء الشخصيات ينتمون إلى جمعيات لا تخضع لرقابة أي مؤسسة ولا تعمل حتى على إعلان الميزانية الحقيقية وأجور الفانين و...كما هو الشأن لموازين وغيره ولا تقرير عن أوجه صرف الميزانية كما يحدد ذلك القانون ودفاتر التحملات في علاقة هذه المهرجانات مع مؤسسات المنتخبة نموذجا. المشكل الثاني مع هذه المهرجانات هو كونها ومن خلال سياستها تعمل على صرف انتباه المغاربة وإشغالهم عن قضاياهم الحقيقية والمصيرية التي ينبغي أن تعطاها الأولوية وفق القضايا الخادمة للتنمية الشاملة والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. وهنا يطرح بحدة موضوع القرار السياسي والإستراتيجي الذي كان مهربا وقد يستمر لصالح أقلية تتحرك من أجل مصالحها الخاصة في ارتباط مع أجندات خارجية ضدا على مصالح الشعب المصيرية وهو الأمر المفروض عليه بقوة التسلط والتحكم واستغلال النفوذ والقمع وإلا لو كانت له كلمة لفضل النهوض بعيشه وكرامته أولا وما يرتبط بالصحة والسكن والتعليم و...وإن كانت هذه المقارنة تزعج البعض لكن لا أحد منهم على كل حال ضمن الفئة المسحوقة من هذا الشعب فإما هم متنفعون أو قائمون على هذا الشأن. والمشكل الثالث مع هذه المهرجانات والتي أظن أنها لدى أغلبية المغاربة، يطرح على مستوى توظيفها للمال العام والذي يستخلص شق منه وبشكل مباشر من جيوب المغاربة المثقوبة أصلا وهي الأموال المسلوبة غصبا من المجالس المحلية والجهوية ومن عدد من الوزارات والمراكز والصناديق والمؤسسات العمومية والشبه عمومية فضلا عن السلب غير المباشر وهي مبالغ خيالية وأسطورية في جزء مهم منها. ومن غرائب هذه المهرجانات المالية كونها تحصل على التمويل من جماعات محلية لديها أصلا عجز مالي، بل إن الميزانية السنوية لعديد من الجماعات لا تساوي الميزانية التي يستهلكها مهرجان واحد خلال أسبوع أو أقل، وإذا استحضرنا إلى جانب هذا مصادر التمويل الأخرى المجهولة فسنجد أنفسنا أمام تبذير مباشر للمال العام في الوقت الذي تعد فيه الجماعات المحلية في حاجة لهذه الأموال خاصة أمام التحديات التنموية الجمة التي تعانيها المدن والقرى المغربية. أما المشكل الرابع فيهم الجانب القيمي والثقافي الهوياتي لكون العديد من هذه المهرجانات لا تراعي الخصوصيات القيمية والثقافية للمغاربة، كما لا تراعي العمق العربي والإسلامي للمغرب.في مبادرات تروم من خلالها المصادمة وتفكيك هذه القيم وإفراغها من محتواها وملئها بقيم دخيلة تستهدف الثقافة وتجاوز حدود الحوار الحضاري والتسامح والتبادل الثقافي والتي ترفع كشعارات لاستهداف هوية المغاربة وقيمهم. ويحضر هنا مشكل خامس مرتبط بعدم عكس هذه المهرجانات للتعددية الثقافية والفكرة ولما لا السياسية بالمغرب، حيث نجد أنفسنا أمام وجهة نظر واحدة ووحيدة هي المقبولة وهي المدعومة مما يجعل المتلقي مضطر إلى متابعة اختيار واحد ووجهة نظر واحدة مما لا يتيح حتى فرصة للاختيار بين منتوج وآخر، وهذا أمر لا يخرج مرة أخرى عن دائرة التحكم وفرض نمط وحيد على الجميع. ويحضر هنا مشكل خامس هو المرتبط بضرورة عكس هذه المهرجانات للتعددية الثقافية والفكرة ولما لا السياسية بالمغرب، حيث أننا نجد أنفسنا أمام وجهة نظر واحدة ووحيدة هي المقبولة وهي المدعومة مما يجعل المتلقي مضطر إلى متابعة اختيار واحد ووجهة نظر واحدة مما لا يتيح حتى فرصة للاختيار بين منتوج وآخر، وهذا أمر لا يخرج مرة أخرى عن دائرة التحكم وفرض نمط وحيد على الجميع. والخلاصة إن الإسلاميين ومن ورائهم جل المغاربة ليسوا ضد الفن ولا ضد تنظيم المهرجانات لكنهم ضد السياسة الممنهجة التي تحكم تنظيمه والتي تهدف إلى تحقيق أجندات خاصة تحضر فيها لغة المصالح الشخصية بدل المصلحة العامة. بكلمة واحدة إن مجمل المؤشرات والمعطيات والنتائج التي تهم موضوع المهرجانات الفنية بالغرب اليوم، تفيد جميعها بضرورة إعادة النظر وبشكل كلي واستعجالي في سياسة هذه المهرجانات الفنية التي عرفت انتقادات كثيرة، والحكمة تقتضي اليوم أن يتم ترشيد هذه المهرجانات، خاصة الأخطبوطي منها التي أصبحت تتحدث عن كونها خاصة وهي التي لبست الدولة إلى درجة يصعب التفريق بين الخاص والعام فيها.