تطرح السياسة الواقفة وراء تنظيم المهرجانات الفنية بالمغرب أكثر من سوءال خاصة في ما يتعلق بالجانب القيمي والمادي والنوعي وكذا الكمي لهذه المهرجانات لا سيما أمام الانتشار الفطري والمتسارع لهذه المهرجانات الفنية، والتي يغلب عليها جانب الرقص والموسيقي يليها المسرح والسينما ثم جانب الموروث الفني في مرتبة ثالثة وذلك بمجموعة من المدن الكبرى والصغرى والتي بات بعضها يعرف أكثر من مهرجان خلال السنة الواحدة وفي الفترة الصيفية على وجه الخصوص، بل عم الأمر حتى القرى والمداشر. هذه المهرجانات والتي قارب عددها اليوم 200 مهرجان في السنة بميزانية تبتدأ من 100 مليون سنتيم بالنسبة لأصغر المهرجانات وأبسطها وتصل إلى عشرة ملايير سنتيم كما هو الشأن لمهرجان موازين وما شابهه. المهرجانات تطرح اليوم وأكثر من أي وقت مضى سوءال ترشيدها من الناحية الكمية والنوعية؟ وأيضا ما يرتبط بتبديد المال العام وإهداره فيها؟ وأيضا سؤال أولويات الشعب المغربي واحتياجاته الضرورية؟ ثم من الناحية القيمية والثقافية؟ فضلا عن السياسة المتحكمة فيها ومدى خدمتها للصالح العام وقدرة الشعب على مراقبة الواقفين ورائها ومسالألتهم؟ مصطفى الطالب: الحكمة تقتضي الترشيد من جانبه قال الناقد السينمائي والفني، مصطفى الطالب، «لقد قيل الشيء الكثير عن المهرجانات الفنية والسينمائية التي تتناسل بكثرة حتى أصبحنا نتساءل هل بالفعل تسعى هذه السياسة إلى خدمة الترفيه الحقيقي المنظم والى إشباع الحاجيات الفنية لدى المتلقي المغربي أم هي سياسة للإلهاء والتسطيح والتبليد والتمييع الفكري والاجتماعي، التي أصبح الجميع واع بها وبهدر المال العام الذي تتسبب فيه؟» وتأسف الطالب لكون هذه الأمور تحدث في وقت لا يُرى هذا التناسل والاهتمام الإعلامي في الجانب الثقافي الذي يعد من بين المرتكزات الأساسية لتقدم أي بلد. كما تساءل حول إمكانية الحديث اليوم عن الدخول الثقافي كل سنة، كما هو الشأن في البلدان التي تعنى بالثقافة والإبداع الأدبي؟ فأجاب للأسف لا. وبناء على ما سبق وبالنظر إلى الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده البلاد اليوم، يؤكد الطالب على ضرورة إعادة النظر في سياسة هذه المهرجانات الفنية التي عرفت انتقادات كثيرة، والحكمة تقتضي اليوم أن يتم ترشيد هذه المهرجانات وليس إلغاؤها كلها. وذلك من خلال الاهتمام بالمهرجانات الكبرى (فنية وسينمائية) التي تحقق إشعاعا عالميا للمغرب، لكن شريطة أن تحترم الخصوصية الثقافية والوطنية و لا تتهكم على القيم الأصيلة للمغاربة. وهذا لن يتأتى حسب المتحدث نفسه، إلا باستضافة فنانين عالميين عرب أو غربيين يُسخرُونَ فنهم من أجل قضايا إنسانية عادلة وقضايا المغاربة القومية، وليس فنانين لا يفكرون إلا في الاغتناء، و يقدمون مؤخراتهم من أجل تهييج الشباب وسلب عقله وفكره، وهذا قطعا ليس بفن إنساني يؤكد الطالب. ضمن مقاربته الترشيدية يقترح أيضا الناقد الفني مصطفى الطالب إيلاء الأهمية الضرورية للمهرجانات التي تعرف بتراث الفني الأصيل للمغاربة وربط الشباب المغربي بها وتحسيسه بالانتماء إليها. وهو الذي سجل أن هذا الأمر يتم بقدر معين غير أنه لا يأخذ حقه من الإعلام والإشهار والتعزيز، وذلك على اعتبار أن الفنان المغربي هو الأولى بالتكريم ماديا ومعنويا، بدل التنقيص وعوض حضور فنان أجنبي ليلهف الملايين من الدراهم دون أن تحقيق الفرجة الفنية الحقيقية أحيانا. هذا النوع من المهرجانات الأصيلة يقول الطالب أصبحت هي الطاغي في عدة بلدان غربية وعربية من أجل قطع الطريق على العولمة الثقافية والاقتصادية الكاسحة والتي تلغي خصوصيات كل بلد. في إطار الترشيد دائما قال الناقد الفني إنه وعلى المستوى الإجرائي هناك قرار اتخذه مؤخرا المركز السينمائي المغربي يقضي بضرورة تهييئ دفتر تحملات لكل من يريد إقامة مهرجان سينمائي. وهو الإجراء الذي اعتبره محدثنا من الاهمية بمكان والذي يجب أن يعمم على جميع المهرجانات الفنية حتى تكون لها قيمة فنية وهرمية على مستوى المهرجانات، وحتى يقطع الطريق على الانتهازيين وعن الذين يبحثون عن المصالح الشخصية ولو على حساب ميزانية وهوية المواطن وقيمه الأصيلة. الطالب، الذي كان يصرح لجريدة «التجديد» اقترح ضمن الحديث المفتوح اليوم عن الجهوية الموسعة أن يتم التفكير فنيا في هذا التوجه، وذلك بتقليص المهرجانات المحلية الضيقة لفائدة مهرجانات جهوية كبرى تخدم الثقافة والموروث الفني لكل جهة، وكذلك اقتصادها، باعتبار أن كل سياسة ثقافية لابد أن تكون قاطرة للتنمية أيضا، دون التنقيص طبعا من الشأن الثقافي. لأن الهدف الأساسي من المهرجان الفني يؤكد الطالب هو خلق ديناميكية ثقافية ورفع المستوى الثقافي لدى المواطن المغربي. وهذا كله يصب في المنفعة العامة للمغرب وقضاياه الوطنية. وختم الطالب كلامه بالقول «إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها العالم اليوم ستفرض بدون شك على المسؤولين مراجعة حساباتهم في ما يتعلق بالمال العام وبسياسة الترفيه المتبعة، وبكل ما يمت بصلة للهوية المغربية. لأن المجتمعات الإنسانية تسير الآن في اتجاه تعزيز هوياتها والاعتراف بالآخر مع مناهضة العولمة الاستعمارية». رضا بنخلدون: نحن ضد سياسة المهرجانات وليس ضد تنظيمها في هذا الاتجاه يعتبر رضا بنخلدون رئيس مقاطعة أكدال بالرباط، أنه ينبغي التفريق بين تنظيم المهرجانات وبين سياسة المهرجانات، فتنظيم المهرجانات بالنسبة إليه، لا يطرح أي مشكل وهو أمر مطلوب خاصة على مستوى الجماعات المحلية بما يعنيه ذلك من تبريز للتراث الفني والحضاري للشعبي المغربي ومن تسويق له. أما المشاكل الرئيسية التي يطرحها القيادي بحزب العدالة والتنمية فتبتدئ بالسياسة الممنهجة التي تقف وراء هذه المهرجانات معتبرا أنها تعد بداية مجهولة مصادر التمويل كما أن من ورائها شخصيات نافذة ممثلا لذلك بمهرجانات على مستوى مدين (الرباط والصويرة وفاس) وهؤلاء الأشخاص النافذين، يقول النائب البرلماني، لا تتم ولا يمكن محاسبتهم ولا مراقبتهم من طرف الشعب لا أمام البرلمان ولا أمام باقي المجالس المنتخبة الأخرى سواء على المستوى الجهوي أو الإقليمي أوالمحلي. بالإضافة إلى كون هؤلاء الشخصيات ينتمون إلى جمعيات لا تخضع لرقابة أي مؤسسة. كما سجل الفاعل السياسي ذاته، أن من بين الملاحظات أيضا أن هذه المهرجانات من خلال سياستها تعمل على صرف انتباه المغاربة وإشغالهم عن قضاياهم الحقيقية والمصيرية التي ينبغي أن تعطاها الأولوية وفق القضايا تخدم التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية. أما عن الجانب القيمي فيقول عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي كان يصرح لت: «التجديد» إن العديد من هذه المهرجانات لا تراعي الخصوصيات القيمية والثقافية للمغاربة، كما لا تراعي العمق العربي والإسلامي للمغرب. سياسة المهرجانات هذه حسب المتحدث نفسه، تطرح إشكالا آخر على مستوى توظيفها للمال العام والذي يستخلص شق منه من الجماعات المحلية خاصة أمام المبالغ الخيالية التي تتطلبها هذه المهرجانات، « غريب أمور المهرجانات هذه أنها تحصل على التمويل من جماعات محلية لديها أصلا عجز مالي، بل إن الميزانية السنوية لبعض الجماعات لا تساوي الميزانية التي يستهلكها مهرجان واحد خلال أسبوع، وإذا استحضرنا إلى جانب هذا مصادر التمويل الأخرى المجهولة فسنجد أنفسنا أمام تبذير مباشر للمال العام في الوقت الذي تعد فيه الجماعات المحلية في حاجة لهذه الأموال خاصة أمام التحديات التنموية الجمة التي تعانيها المدن والقرى المغربية»، وتبعا لكل ما سبق، أكد رضا بنخلدون أنهم ليسوا ضد الفن ولا ضد تنظيم المهرجانات لكنهم ضد السياسة الممنهجة التي تحكم تنظيمه والتي تهدف إلى تحقيق أجندات خاصة تحضر فيها لغة المصالح الشخصية بدل المصلحة العامة.