اختلاف المواقع لدى الحركات الإسلامية يرجع إلى موقف كل تيار على حدة من الأحداث، وعلى سبيل المثال، كان الإخوة السلفيون في مصر يقاطعون الانتخابات ولا يؤمنون بها، بل يخطئون من يدخلها وبعضهم يكفر من يشارك في العملية السياسية، وعندما قامت الثورة المصرية رفضوا المشاركة فيها وقالوا أنه يتعين الحفاظ على استقرار البلاد خشية من الفتنة والخروج على ولي الأمر حسب مفهومهم. لكن بعد أن شاركت تيارات عديدة في الثورة في مقدمتها الإخوان المسلمون بدأ السلفيون يراجعون أفكارهم والتحقوا بالثورة وحضوا بهذا الشرف، ثم بعد نجاح الثورة في إسقاط حسني مبارك عقدوا مؤتمرا في هذا الصدد وقرروا خوض غمار العمل السياسي وتقدموا بتشكيل حزبين سياسيين هما حزب النور وحزب الأصالة، والحمد لله دخلوا الانتخابات واندمجوا في الحياة السياسية، وأعتقد أن هذا مكسب كبير للحركة الإسلامية في مصر، ذلك أن الاندماج في العمل السياسي والتعاطي مع الشأن العام والتعرف على أوضاع البلاد أفضل من الانعزال واتهام البعض للبعض الآخر بالخطأ والتكفير أحيانا كما كان يحدث بالأمس. بل الأكثر من ذلك، والذي يدعوا إلى التفاؤل أنه لم يحدث أي تشابك بين حزب النور السلفي والحرية والعدالة، حيث مرت الانتخابات في روح حضرية ملتزمة بآداب الإسلام ولم يحدث ما يعكر الصفو بين الطرفين، فالجميع التزم بأخلاقيات الدعاية الانتخابية، وبعد الفوز نسقوا مع بعض الأحزاب المدنية والعلمانية لتقاسم مواقع مجلس الشعب (80 موقعا قياديا موزعة على 19 لجنة حيث كل لجنة بها أربع مواقف قيادية)، وزعوا هذه المواقع فيما بينهم حصل نفس التنسيق في تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وفي توزيع مواقع مجلس الشورى، وفي الانتخابات الرئاسية سيكون تنسيق من هذا النوع. وطبعا، هذا التنسيق نفر التيارات الليبرالية والعلمانية من التيار الإسلامي ولعلها إشكالية أخرى تحتاج إلى دراسة وبحث، لكن في المجمل، التجربة المصرية تميزت باندماج تيارات إسلامية كانت ترفض العمل السياسي منها حزب النور وحزب الأصالة السلفيين، وحزب البناء التابع للجماعة الإسلامية التي كانت تنهج العنف ولا تعترف بشرعية النظام. وختاما، إن الأحزاب في السياسة كالمذاهب في الفقه، كل حزب يرى ما لا يراه الآخر، الأمر الذي يفترض وجود وجهات نظر مختلفة، دون أن يتجاوز هذا الاختلاف الطبيعي الحدود الأخلاقية والمبادئ الإسلامية، مع عدم استخدام أسلوب لا يرضاه الشرع كالعنف والتجريح وتسفيه فكرة الآخر.