1 - النشأة لما كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجَّة في الدين، صار لزاما على كل مسلم أن يعلم طرق وصوله إلينا، كي يعمل بما ثبت منه دون ما لم يثبت. لقد تكفل الله عز وجل بحفظ القرءان الكريم من التغيير والتحريف والزيادة كما بينه قوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). ولعل من أعظم المؤيدات لحفظه هو أسلوبه ونظمه المعجز، فلو تكلم أحد بكلام من عنده وادعى أنه قرءان، لتواترت عليه شهادات الإنكار على كل قلب ولسان، ولما صدقه أحد عاقل. وهذا أمر عجيب في حفظ هذا القرءان، فضلا عن أمور أخرى تعلم في موضعها. لكن لعل حفظ الحديث النبوي أعجب وأدل على التوفيق الإلهي لهذه الأمة، فإن لفظ الحديث ليس معجزا كالقرءان، ومع إقرارنا بمنتهى الفصاحة النبوية، فلسنا نَأمَن أن يُموّه أحد من الكذابين على الناس بكلام من عنده ويسميه حديثا نبويا، ليصبغه بصبغة القبول. ثم لسنا نأمن حتى من الصادقين أن يخطئوا في نقل الحديث وروايته، فيزيدوا فيه أو ينقصوا منه، من غير قصد خبيث في التحريف. لعلك أيها القارئ قد تنبهت الآن إلى أن هناك أمرين يعترضان طريق من يبحث عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأول الكذب فيه، والثاني الغلط في تذكره أو روايته. وإن علم الحديث قد قام للتصدي لهذين الأمرين، فكان بحق أعظم سياج يحمي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريفه عمدا بالكذب، أو خطأ بالغلط. قال ابن عباس رضي الله عنه: « إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ، وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ » إن ما ذكرته في هذه العجالة هو جملة تحتاج إلى تفصيل، ونود في هذه الحلقات إن شاء الله تعالى أن نقرب للقارئ الكريم علوم حفظ الحديث النبوي، بما ينبئ عن كنز يحق للأمة الإسلامية أن تفخر به في ماضي العصور ومستقبلها.