استنتج التقريرالتركيبي حول صورة المرأة في الاعلام السمعي البصري، الذي تم تقديمه مساء الخميس المنصرم في لقاء تواصلي بمقر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، أن الاشكالات المتعلقة بصورة المرأة في الإعلام السمعي البصري لا تنحصرفي المضامين والأحكام والتمثلات المروجة عنها، بل إن الأمر يتعدى إلى حضورها الكمي نفسه أي إلى حضورها المادي على الشاشة أو على الأثير كصحفية أومتحددثة أو خبيرة أو فاعلة أومتهمة بالشأن العام أو موضوع خبر. وذكر التقرير الذي أنجزه فريق من أطر (الهاكا)، أن صورة المرأة تشكو من التناقضات الصارخة التي تتخلل المضامين، التي تنتجها وسائل الإعلام السمعي البصري وتقدمها حول المرأة، مشيرا في ذلك إلى أن مختلف الدراسات التي تطرقت إلى موضوع صورة المرأة في وسائل السمعي البصري، توصلت إلى أن طرق المعالجة الإعلامية للبرامج التي تتناول قضايا المرأة، غالبا ما تتسم بالنمطية، وضعف الاجتهاد مما يجعل هذه الوسائل تعيد إنتاج القيم التقليدية التي من شأنها الحط من قيمة المرأة وتهميش الأدوار الحيوية بها، ويبرز ذلك – بحسبها- في أغلب البرامج سواء تلك المخصصة للمرأة أو البرامج التفاعلية أو الحوارية أو الوصلات الإشهارية أو الأعمال الدرامية. وأكد التقريرالذي اعتمد فريق العمل من خلاله على منهجية تزاوج بين الرصد العيني للصور المرصودة (الخدمات الإذاعية والتلفزية) من أجل حصرها، ثم تبويبها ضمانا لمقروئية واضحة ما أمكن، وبين الإنصات إلى اجتهادات فاعلين متعددي الأدوار والمشارب من الجنسين، من باحثين وبرلمانيين وجمعويين ومهنيين ومشتغلين بالفنون. (أكد) أن المسؤولية النوعية الملقاة على عاتق المتعهد السمعي البصري، العمومي خاصة، تتجسد في اعتماد استراتيجية إعلامية تستهدف المواطن قبل المستهلك، ولا تتوخى الربح بقدر ما تتوخى أداء دور المرفق العمومي الذي يحتم نشر القيم الحضارية الكبرى المتوافق عليها، والتعريف والتوعية بقضايا المجتمع، والمساهمة في تقديم الحلول وإيجاد المخارج للقضايا المجتمعية البارزة وضمنها القضية النسائية ولعب دور الرافعة لتطوير المعرفة، وتحديث التمثلات. من جهة أخرى، أكد التقرير من خلال عرض تجارب مقارنة (فرنسا، بلجيكا،تركيا، كندا) في مجال الضبط فيما يتعلق بصورة المرأة في الإعلام، محدودية السند القانوني والمؤسساتي في المجال السمعي البصري سواء في توصيف الاختلالات المتعلقة بصورة المرأة أو في آليات التصدي لها. ووجه التقرير الذي قدم تأطيرا قانونيا ومؤسساتيا وإجرائيا للموضوع وكذا إجراءا تحليليا لمجموعة من المعطيات حول صورة المرأة في الاعلام السمعي البصري، مجموعة من التوصيات للمؤسسات المعنية، للعمل على النهوض بصورة المرأة في الاعلام. في الخطاب الإشهاري.. صورة نمطية.. خلال الأسبوع الأول من رمضان 2010، تم بث 2582 شاشة إشهارية على القناتين الأولى والثانية ، تضمنت 1058 منها حضورا ماديا للمرأة أظهرالتقرير التركيبي، من خلال محور تحليل الشاشات الإشهارية الموجهة للنساء والتي تتضمن حضورا لصور المرأة، أنه خلال الأسبوع الأول من رمضان 2010، تم بث 2582 شاشة إشهارية على القناتين الأولى والثانية ، تضمنت 1058 منها حضورا ماديا للمرأة (القناة الأولى 35 بالمائة، القناة الثانية 55 بالمائة)، وأوضحت أن مهنيي الإشهار فيها يلجؤون بشكل كبير إلى استثمار الحضور المادي لصورة المرأة في وصلاتهم، إذ تظهر صورة المرأة على الشاشة في نحو 41 بالمائة المقدمة، مما يدل على أهمية صورة المرأة في ترويج الخطاب الإشهاري. وفيما يخص توزيع الشاشات الإشهارية الموجهة للنساء حسب المعلنين، بين التقرير لجوء المستشهرين إلى استعمال صورة المرأة في التسويق للمنتوجات الغذائية والعناية بالجمال بنسبة تتراوح ما بين 87 و92 بالمائة. مسجلا حضور ضعيفا لمرأة في تسويق منتوجات التنظيف رغم أهميته مقارنة مع المنتوجات الغذائية والتجميلية. كما أوضح غياب توظيف صورة المرأة في الدعاية لبعض المجالات كالعقار والطاقات والمؤسسات المالية والخدمات وهي مجالات تعتمد فيها الإعلانات غالبا على صورة الرجل. وبين التقرير من جهة أخرى، أن الصورة التي تكرسها الوصلات الإشهارية عن المرأة، (وقد تم الاشتغال على الوصلات الإشهارية التي تظهر فيها المرأة بشكل بارز خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2010 في أوقات الذروة، أي على ما مجموعه 36 وصلة). أن 21 وصلة تكرس صورة المرأة كمسؤولة عن الخدمة المنزلية وتمثل نسبة 56 في المائة، و13 وصلة تعكس صورة المرأة المهتمة بالتجميل والنظافة وتمثل 35 في المائة، فيما لم تظهر المادة الإشهارية صورة المرأة كفاعلة في المجتمع إلا من خلال وصلتان اثنتان، ولا تتجاوز نسبة 0.5 في المائة. واستنتج التقرير من خلال هذه النتائج، أن المادة الاشهارية المتداولة تقتصر على نقل الادوار التقليدية للمرأة فقط، وهي بذلك تساهم بشكل بارز في تكريس الصورة النمطية نظرا لتميزها عن باقي البرامج بكونها تستمد قوتها وفعاليتها وأثرها من الالحاح والتكرار. مضيفا أيضا بأنه يتم إقحام صورة المرأة في أغلب الوصلات الاشهارية الخاصة بالمنتوجات الغذائية ومواد التنظيف، وتبدو فيها تحت تأثير الخوف من رد فعل الزوج أو الحماة أو بصفتها المعنية بنظافة البيت وتقديم الوجبات للأسرة أو ثرثارة أو منشغلة بالجسد والجمال والأناقة فقط. إضافة إلى أن الوصلات الاشهارية لم تخرج عن التوجه المتمثل في تكريس الصورة النمطية عن المرأة، كأنها المعنية الأولى بعالم الاقتناء والاستهلاك والاهتمام الحصري وربما الطبيعي بكل ما هو منزلي من تغذية ونظافة واهتمام مبالغ فيه بأناقة المظهر حيث لا يخاطب الاشهار المرأة في أغلب الأحوال إلا من خلال هذه الزوايا وما شابهها. وانطلاقا من ذلك، أوصى التقرير بالسهر على توحيد المقتضيات القانونية المنظمة لقطاع الاشهار بمختلف فروعه (المسموعة والمرئية والمكتوبة)، وذلك قصد تحصينه ضد الصور النمطية، وحث المستشهرين على إدماج مقاربة النوع في أخلاقيات مهنتهم، والسهر على وضع جهاز للضبط الذاتي، يولي الأهمية لرأي الجمعيات المدنية وجمعيات المستهلكين. في الإعلام التلفزي.. تقسيم تقليدي للأدوار 42 حلقة حوارية شارك فيها 161 رجل، مقابل 18 امرأة بينت أرقام الجرد التحليلي للمعطيات الكمية والنوعية المتعلقة بصورة المرأة في الإعلام، الوراد في التقرير الذي يغطي فترة الثلاث أشهر الأولى من سنة 2010 من التتبع، ويهم البرامج التي تعدها وتقدمها القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية الخاصة والعمومية. وقد اعتمد الجرد على البرمجة المتعلقة ب 11 إذاعة جهوية، 3 إذاعات محلية عمومية و5 إذاعات محلية خاصة، إضافة إلى القناتين التلفزتين العموميتين الرئيسيتين الأولى والثانية، (بينت الأرقام) بشكل عام أن عدد البرامج المخصصة للمرأة أو المقدمة من طرف نساء صحفيات أو منشطات يصل إلى 250 برنامجا في الأسبوع من ضمن 654 برنامجا، وهو ما يمثل 38 بالمائة فقط من المجموع الإجمالي للشبكات البرنامجية. وحسب هذه النتائج فحضور المرأة في البرمجة الأسبوعية على القناتين الأولى والثانية هو 167 برنامجا من ضمن 387، أي بنسبة 43 بالمائة، في حين لا تتعدى نسبة تقديمها للبرامج على المحطات الإذاعية سوى 38 بالمائة. وسجل أن نسبة مشاركة المرأة في تقديم النشرات الإخبارية توازي نسبة مشاركة الرجل، غير أن القناة الأولى تحتل الصدارة حيث تسجل نسبة الحضور النسائي خلال الفقرات الإخبارية تفوق نسبة حضور الرجال ب 4 بالمائة (52 بالمائة نساء، 48 بالمائة رجال)، فيما بلغت نسبة النساء مقدمات البرامج نسبة 50 بالمائة في 5 محطات من بين 19 تمت معاينتها. وسجل أن المحطة التي تسجل أكبر نسبة من المشاركة النسائية في تقديم البرامج هي إذاعة «لوكس راديو» بنسبة 75 بالمائة، في حين أن إذاعة «محمد السادس للقرآن الكريم» تسجل أضعف نسبة وهي 10 بالمائة. وفيما يخص الحيز الزمني للبرامج المخصصة للمرأة في الإذاعة والتلفزة ، أوضح التقرير أن القناة الأولى تخصص حيزا زمنيا أكبر مقارنة مع القناة الثانية، وإن كان الحيز الزمني بكامله يبقى ضئيلا، حيث لا يتجاوز 18 ساعة في الأسبوع لكل البرامج المخصصة للمرأة، والتي تنشطها نساء في القناتين والتي يبلغ عددها 23 برنامجا. - في البرامج الحوارية ولاحظ التقرير في محور صور المرأة من خلال مضمون البرامج الحوارية التلفزية ذات الطبيعة السياسية التي تبثها القنوات (الأولى، الثانية، ميدي 1 تيفي) في الفترة الممتدة من فاتح أكتوبر 2010 إلى نهاية الأسبوع الأول من شهر يناير 2011، وذلك من أجل الوقوف على مشاركة النساء (برنامج مباشرة معكم، حوار، الشباب في الواجهة، بدون حرج، ملف للنقاش، مواطن اليوم)، (لاحظ) أن 42 حلقة شارك فيها 161 رجل ، مقابل 18 امرأة ، وهي نسبة لا تعكس الحيز الذي أصبحت تحتله النساء المثقفات والخبيرات والجامعيات والفاعلات السياسيات والجمعويات النشيطات داخل المجتمع. أما حضور النساء في النشرات الإخبارية، فقد سجل النسبة الأعلى 10.44 بالمائة من طرف القناة الأولى، ثم عرفت انخفاضا خلال الأشهر الثلاثة الموالية، وبالبرامج الإخبارية للقناة الثانية فتصل بالكاد إلى 15 بالمائة، بحيث لاحظ التقرير أن عدد النساء اللواتي يتم استدعائهن كخبيرات وقائدات للرأي العام أو ممثلات لمراكز القرار لا تتجاوز حسب الدراسة 8 بالمائة في المتوسط من الذين تمت مقابلتهم من قبل وسائل الإعلام. وانطلاقا من هذه النتائج، استنتج التقرير بأن القنوات التلفزية لا تخصص حيزا زمنيا في شبكة برامجها لبرامج تتناول موضوع المرأة في أبعاده المختلفة، اجتماعيا وثقافيا أو سياسيا أو اقتصاديا، أو تعرف بقضايا وخصوصية المشاكل والمعيقات التي تواجه النساء. على الرغم من أن بعض القنوات ملزمة بذلك قانونيا. كما استنتج أن الإعلام التلفزي يعتمد بشكل كبير التقسيم التقليدي للأدوار والاهتمامات والانشغالات بين الرجل والمرأة، ولا يستحضر عمق التحولات الجارية مما يقلص من دوره في التعريف بقضايا المرأة والمعوقات التي تواجهها من خلال برمجة هادفة، ويضعف دوره كإعلام عمومي موكول إليه مهام المرفق العام المتجلية في تنوير وتطوير الرأي العام المتجلية في تنوير وتطوير الرأي العام بصدد تلك المعوقات والحلول الممكنة لها. في الإعلام الإذاعي.. دور المرأة منحصر في تدبير شؤون البيت والاهتمام بالشكل تؤشر إحصائيات سنة 2010، فيما يتعلق بحضور النساء في النشرات الإذاعية كضيفات، - حسب التقرير-، على نسبة مشاركة لا تتجاوز 11.61 بالمائة في أقصاها بالنسبة للنصف الأول من السنة، و12.75 بالمائة بالنصف الثاني من السنة. كما أن المجلات لا تستثمر لإحداث التوازن رغم المجهود الذي تبذله بعض المحطات الإذاعية مثل إذاعة «أصوات» بتسجيلها أعلى نسبة، وهي نسبة لا تتعدى مع ذلك 20 بالمائة. وذكرت معطيات تقرير (الهاكا)، أن الإذاعات 19 ، تقدم ما مجموعه 28 برنامجا في الأسبوع يخصص لشؤون المرأة. 62 بالمائة من مجموع هذه البرامج وهي أعلى نسبة تخصص لمواضيع تهم شؤون الأسرة والتدبير المنزلي والبيت والأناقة والموضة والجمال...، كما تهتم بمجال الصحة (طب الأطفال والنساء) والسلوك الغذائي ويتم تناول هذه المواضيع من باب التحسيس والتوعية. وتأتي في المرتبة الثانية بنسبة 25 بالمائة المواضيع التي تهم المجال العام من قبيل معالجة الظواهر الاجتماعية ذات العلاقة بقضايا المرأة مثل العنف، الاتجار بالنساء لأغراض جنسية، ومواضيع تهم الوضعية القانونية للمرأة والأسرة في علاقتها ببعض المشاكل الاجتماعية، والتي تؤطرها مدونة الأسرة إضافة إلى مواضيع أخرى تتناول علاقة المرأة بتدبير الشأن العام المحلي والوطني. أما في المرتبة الثالثة ، بنسبة 13 بالمائة فيأتي اهتمام هذه البرامج بالمواضيع ذات الصلة بقضايا النساء في الفقه الاسلامي مع استحضار نماذج من النساء في التاريخ الاسلامي كقدوة للمستمعات. ومن خلال عملية التتبع تبين حسب التقرير، أن البرامج التفاعلية في المحطات الإذاعية، تتعامل في إطار مبدأ الفرجة مع موضوع وصورة المرأة بنوع من الاستخفاف، مما يثير العديد من الملاحظات على مستوى حياد المنشطين عوض التدخل لتصحيح مسار النقاش في اتجاه إيجابي تجاه مكانة المرأة في المجتمع. وانطلاقا من هذه النتائج، استنتج تقرير(الهاكا)، أن الإعلام المسموع يقدم مقاربة إعلامية مختلفة عن الإعلام المرئي، وأنه على الرغم من هذا التميز، يكرس هو الآخر صورة نمطية إذ يحصر دور المرأة في تدبير شؤون البيت والعناية بصحة الأسرة والاهتمام بالشكل والأناقة. أما البرامج الدينية فلاحظ التقرير أنها تتضمن نوعين من الخطاب (محافظ وحداثي)، وتتميز هذه البرامج بانفرادها بمعالجة مواضيع تهم علاقة المرأة بالمجتمع، وتجتهد لتقديم نماذج نسائية في التاريخ الاسلامي بطريقة تشجع النساء على اقتحام الفضاءات العمومية من وجهة نظر دينية. خلاصة عامة ... سجل التقرير ضمن خلاصاته أن الصور الرائجة عن المرأة في البرمجة الإذاعية والتلفزية، لم تخرج في عمومها عن الإطار الإجمالي للصور المتضمنة فيما يمكن اعتباره « مرجعية ثقافية بديهية» في المفهوم المتداول في الوسط المغربي. مبينا أنه على الرغم من تنامي الحضور المادي (الفيزيقي) للمرأة على الشاشة أو على الأثير، مما يمكن اعتباره مكسبا في حد ذاته وعلى الرغم من اضطلاع المرأة بمسؤوليات مهنية جديدة في الفضاء الاجتماعي، فإن الصورة لا زالت ترسخ الأدوار التقليدية اللصيقة بها، ولا تفتح أمامها بما يكفي من الوضوح والعزم، إمكانية الانخراط في تدبير الشأن العام ، على نحو يعزز من مشاركتها في التنمية والبناء الديمقراطي. وهذا الواقع المتعثر – حسب التقرير- يجد أحد أسبابه الرئيسية في ضعف السياسات العمومية الخاصة بالنهوض بوضعية المرأة من جهة، وغياب سياسة إعلامية تحقق هذا الهدف من جهة أخرى. وإلى ذلك، أوصى التقرير الذي اشتغل به فريق العمل على محوري رصد وتشخيص الواقع، ثم الوقوف على التصورات الرائجة داخل المجتمع بخصوص هذا الموضوع من جهة والتصورات الاخرى غير المرغوب فيها من جهة ثانية. (أوصى) بضرورة تبني استراتيجية إعلامية شاملة ومندمجة للنهوض بصورة المرأة في وسائل الاعلام السمعي البصري، قوامها التحسيس، اليقظة، الضبط، المراقبة، من خلال مرجعيات محددة سلفا عند جميع مستويات التدخل من إعداد وإنتاج وبث للمادة الاعلامية السمعية البصرية، إن على مستوى مضمون الخطاب أو على مستوى الصورة.