قال المفكر المغربي محمد سبيلا في قراءة علمية لموضوع "الحركات الإسلامية والفضاء السياسي في المغرب العربي" في إطار الفعاليات الثقافية للدورة18 بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، "نحن أمام تحولات شبه نوعية أو تحولات مفصلية كبرى، وهي أن التجارب الديمقراطية الناتجة عن الربيع العربي، أنتجت التيارات الاسلامية بدرجات متفاوتة"، واعتبرأن هذا التحول يجب أن ينظر إليه من زاوية الاستحقاق التاريخي، "إذا كنا فعلا نؤمن بالديمقراطية". وتحدث سبيلا من وجهة نظر علمية هادئة في ظل حركية التاريخ عن هذا الاستحقاق التاريخي من زاويتين، فمن جهة ذكر أنه ناتج عن تطور تاريخي طبيعي وتعبير عن قانون من قوانين التاريخ، وضمن هذا المنظور تحدث عن دور نخب إسلامية قال ب" أنها امتداد لكل الحركات في تعميق الاستقلال وأيضا في الدعوة إلى نوع من العدل الاجتماعي مع التركيز على مسألة الهوية واستعادة الصورة التاريخية للأمة ومحاربة الاستبداد..."، ومن جهة ثانية اعتبر أن هذا الاستحقاق ناتج عن فعل ديمقراطي جزئي أو كلي، كونه (أي الاستحقاق)حمل قوى جديدة لها مشروعية وتمثيلية شعبية وديمقراطية، مؤكدا على أن "هذه القوى بحكم تجربتها الخاصة وتطورها النوعي الخاص، لم تعد من المحرمات سواء عبر التجربة الدائرية أو عبر التقييم الدولي".وفي أعقاب نظر المحاضر إلى هذا التحول من جهته انتصارا وفوزا انتخابيا لهذه الاتجاهات من خلال تجربتها الثقافية وحمولتها الثقافية، ومن جهة أن الديمقراطية آلية وإلزامات والتزامات وقواعد ملزمة لكل الأطراف ولكل المشاركين في اللعبة السياسية.وخلص إلى أن ذلك اختبارا أو ابتلاءا حول مدى مصداقية هذه الحركة ومدى تكيفها مع المعطيات الظرفية المحلية والدولية ومدى إيمانها بالديمقراطية. وإلى جانب ذلك أكد سبيلا بأن هذه الانتصارات هي أيضا مسؤوليات تفرض على المنتصرين في صناديق الاقتراع تحديات كبيرة، معتبرا أن التحدي الكبير يتجلى أساسا في التحدي الفكري بمعنى ما هو الحامل الثقافي لهذه التحولات، بالاضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية...وتساءل حول قدرة هذه الهيئات الايديولوجية على إفراز هذه الثقافة الديمقراطية الموسعة في قبولها بالاختلاف وتعدد الآراء والنسبية في الأحكام، قبل أن يؤكد بأنها من أصعب التحديات التي ستشكل رافدا لمدى قدرة هذه الحركات على فهم العصر وعلى التصالح مع العصر. ومن جهة أخرى، ذكر الباحث بلال التليدي، بأن الربيع العربي والتحولات الديمقراطية التي أفرزها وبشكل خاص المسار الانتخابي الذي انطلق في كل من تونس والمغرب ومصر وأنتج صعود الاسلاميين، سمح للدراسات المقارنة للظاهرة الاسلامية أو للحركات الاسلامية بأن تضع هذه الحركات في مجال الدراسة البحثية العلمية، وسيحررالمقاربات السابقة من البعد الايديولوجي والبعد التسييسي. وركز التليدي في مداخلته على قضية صعود الإسلاميين والتحديات والسناريوهات المحتملة. وقال بأن التفسيرات التي قاربت ظاهرة صعود الاسلاميين تحتاج الى مدارسة وإلى بحث، موضحا بأن كل النظريات التي تقارب السلوك الانتخابي لا تقدم الجواب الكافي. وإلى ذلك تحدث عن الحاجة إلى مقترب تفسيري جديد يحاول أن يفسر بالضبط سبب صعود الإسلاميين في تونس ومصر والمغرب. وبين أن هذا المقترب يعتمد المفهوم المثالي وهو مفهوم الانتقاء والإزالة، فالناخب بحسب هذا التفسيريعتمد المفهوم المثالي للحزب أو الشخص ويعمد إلى مفهوم الإزالة باعتماد معايير مركزية تكون حاسمة بدون الحاجة إلى عمليات ذهنية مركبة، وهذا ما يفسر سقوط الأحزاب اللبرالية واليسارية في الوطن العربي. وجوابا على سؤال هل للاسلاميين آليات موحدة للاشتغال، ذكر التليدي ثلاثة اعتبارات تطرح التساؤل هل الاسلاميين عقلا واحدا للاشتغال السياسي أم لكل حركة نمطها في التغييرالسياسي، قبل أن يخلص إلى أن كل حركة تشتغل بمنطقها الخاص أو بعقلها السياسي الخاص وأن هناك عقلا سياسيا واحدا يشتغل بنفس المنطق والاختلاف الموجود إنما هو على مستوى. وإلى ذلك حدد ثوابثا ثلاثة تحرك العقل السياسي للحركة الاسلامية، وهي التغيير السياسي في إطار المحافظة على الاستقرار، ثم الضغط بالحراك من أجل الاصلاح، فالعمل في إطار تشاركي. وأشار إلى خمسة مواقف من الحراك على مستوى الانتقال الديمقراطي، وحصرها في أن لكل مرحلة الشكل التنظيمي الذي يناسبها أي أن الحركات الاسلامية تتكيف آلتها التنظيمية بحسب السياق، ثم الاقتراب من الفاعل السياسي دون الاصطدام به،إضافة إلى أن التحالف وسيلة لفرض الاصلاح وتقوية الموقع وتجنب العزلة في مواجهة الفاعل السياسي، وختاما العادة محكمة ويعني هذا الثابث احترام البيئة السياسية بمعاييرها وقيمها ومبادئها السياسية. وانتهى التليدي في مداخلته التي لامست محتويات كتابه الذي يناقش "الإسلاميون والربيع العربي : الصعود، التحديات وتدبير الحكم" ، انطلاقا من مقاربة تصور الاسلاميين في الجواب عن التحديات، (انتهى) إلى ثلاثة سيناريوهات حددها في سيناريو تحول ديمقراطي حقيقي، وسيناريو منزلة بين المنزلتين (ما بين دولة الاستبداد ودولة الديمقراطية)، ثم سيناريو فشل الانتقال الديمقراطي. من جهته قارب الباحث محمد ظريف موضوع الندوة التي احتضنتها قاعة صالح الشرقي بفضاء المعرض الدولي للنشر والكتاب مساء الخميس الماضي، من خلال ثلاث نقط أساسية. وانطلق في المناقشة من مفهوم الفضاء السياسي في علم السياسة، موضحا بأنه مجال تقاسم القيم المشتركة بين الأفراد كمواطنين داخل الدولة. وأضاف بأن هذا الفضاء له وظيفة أساسية وهي لعب دور الوساطة بين الأفراد كمواطنين وبين السلطة السياسية، وله تجليات تثمثل أساسا في المشاركة السياسية باعتبارها قدرة المواطن على التفكير في صانع القرار السياسي كيفما كانت أشكال هذه المشاركة. وهي الاعتبارات التي قادته إلى التساؤل هل يوجد بالمغرب العربي فعلا فضاءا سياسيا بهذا المفهوم. ومن جانب آخر طرح في تناوله للموضوع، مدى شرعية الحديث عن الفضاء السياسي أو وجوده في منطقة المغرب العربي. واستند في تساؤله إلى ثلاثة مظاهر أساسية كانت تنفي وجود الفضاء السياسي وتنفي مفهوم المواطنة أو ضمان ممارسة الحقوق والحريات ومناهضة النزعة الفردانية وهي مفاهيم بحسبه ترتبط في آخر المطاف بالمجتمع المدني. وذكر أن المظهر الأول ذو طبيعة اجتماعية وتحدث من خلاله عن مفهوم المجتمع المدني واعتبره مجتمعا مدينا لوجوده إلى السلطة وإلى الأحزاب السياسية، وليس مجتمعا مدنيا لكون شروطه الموضوعية وكذا الذاتية غير متوفرة. واعتبر أن المظهر الثاني يتعلق بالأحزاب السياسية، وأشار في ذلك إلى أن الدول التي ظهرت فيها أحزابا سياسية في أغلبها كانت أحزابا موروثة عن فترة إما الحماية أو الاستعمار. وبالتالي غابت عنها الديمقراطية الداخلية. أما المظهرالثالث فبين أنه طبيعة معيارية، وتناوله من خلال وظيفة الدساتير في المغرب العربي، وأشار بأنها لا علاقة بها بالمفهوم السياسي للدستور. وإنما هي آليات لإعادة انتاج الاستبداد وإضفاء الشرعية على السلطة المطلقة للحكام. وانتقل ظريف في المحور الأخير من مداخلته، إلى علاقة الحركات الاسلامية بالفضاء السياسي، متسائلا هل وصول الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية إلى السلطة حقيقة أو مجازا؟، وهل وصولها سيكون بداية لميلاد هذا الفضاء السياسي أم أنه تعبير عن فشل حركة التحديث بعد أن وصلت إلى الباب المسدود؟، وأشار إلى أنه يجب انتظار ما ستتمخض عنه الأحداث للإجابة عن هذا السؤال. أما السكرتيرالإعلامي لنظام القدافي السابق ووزير خارجيته عبد الرحمان شلقم، فاعتبر أن موضوع "الحركات الإسلامية" موضوعا صاخبا وسائلا وجاريا وفي سيرورة معينة، وقال "إننا قبلنا ، كلنا، بنسبة من الاستبداد وكنا نتكلم بمنطق دفع الضرر" مستشهدا في ذلك بقول مأثور للشوكاني "دفع الضرر يسبق جلب المنفعة". وأكد أن مفهوم الدولة لم يكن في الوطن العربي بالمعنى الذي يعاش الآن وإنما فقط كانت هناك سلطة. موضحا بأن المواطن لم يبن علاقة سوية بالوطن. وبدل أن يناقش التحولات التي أحدتثها الثورات العربية على الخريطة السياسية، فقد حاول شلقم أن يقنع الحضور بأنه ليست هناك دولة إسلامية وأن الإسلام هو الحل في استباق صعود الاسلاميين في ليبيا إذا ما تم سن دستور ونظمت انتخابات.