أكد عبد الرحمان شلقم، مندوب ليبيا لدى الأممالمتحدة، أن التيارات الإسلامية التي سطع نجمها في أعقاب الحراك العربي الذي تعرفه المنطقة العربية حاليا في حاجة إلى تحويل الدين إلى خطة وبرنامج عمل يمكنها من تحديد هوية الدولة على كافة المستويات الاقتصادية، السياسية والثقافية. واعتبر شلقم، الذي كان يشغل منصب المستشار الإعلامي ووزير خارجية معمر القذافي، في معرض مداخلته خلال ندوة حول «الحركات الإسلامية والفضاء السياسي في المغرب العربي» ضمن الأنشطة الثقافية المواكبة لفعاليات الدورة الثامنة عشر للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أنه لا يجب التخوف من الأحزاب ذات المرجعية الدينية، لأن هذا التحول في العالم العربي قد يكون شبيها بما عاشته أوربا خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصا في إسبانيا وألمانيا، حيث تولت الأحزاب ذات المرجعية المسيحية بقيادة المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية الحقيقية، وهو ما جنت أوربا، وما تزال، ثماره. ومن جهته، أوضح الباحث المغرب محمد سبيلا أن العالم العربي يشهد في الوقت الراهن تحولات مفصلية كبرى جعلت الحركات الإسلامية تعود إلى الواجهة بفعل الحراك العربي الذي يسير في نفس المسار التاريخي للحراكات على الصعيد العالمي. وأشار إلى أنه يتعين أن ننظر إلى هذه التغيرات من زاويتين، تتعلق أولاهما بقانون الدورات التاريخية (دورة الفكر ودورة الإيديولوجيات)، والتي ليست وليدة اليوم، بل عرفتها المنطقة منذ ظهور الحركات الوطنية، حيث كانت النخب تركز على مسألة الهوية ومحاربة الاستلاب. أما الزاوية الثانية فتنظر إلى ما يحدث باعتباره استحقاقا ناتجا عن فعل ديمقراطي (بغض النظر عن كافة الأحكام الجاهزة) أعطى الغلبة لحركات تمثل ثقافة معينة وفئة معينة، وأفرز قوى جديدة لها وزن في مسار التاريخ. وبالتالي، يقول سبيلا، ينبغي التعامل مع الديمقراطية باعتبارها التزاما واختبارا، بل وابتلاء أيضا، تتجسد من خلاله مدى مصداقية تلك التيارات ومدى إيمانها بالديمقراطية. وأبرز سبيلا أن التحدي الأكبر يكمن في التحدي الفكري، أي النواة الإيديولوجية أو الفكرية هي الوحيدة القادرة على إفراز الديمقراطية الموسعة التي تسمح بقبول الآخر، والاستجابة لمتطلبات هذا العصر والتفاهم معه. وفي المقابل، نفى الباحث المغربي محمد ضريف أن تكون للحركات الإسلامية السياسية أية علاقة بالدين، واعتبرها «حركات سياسية وظفت الدين» لتحقيق مكاسب سياسية، نافيا أن تكون أي من هاته الحركات، سواء في مصر أو تونس أو حتى المغرب، قد تمكنت من الوصول فعلا إلى السلطة. وشكك ضريف في أن تكون المنطقة المغاربية تتوفر فعلا على فضاء سياسي، كفضاء عمومي يقوم بدور الوساطة بين المواطنين والسلطة السياسية والذي تكون من تجلياته المشاركة السياسية التي تسمح للمواطن بالتأثير على صانع القرار السياسي. وتساءل عما إذا كانت هذه الحركات ستؤشر على ميلاد الفضاء السياسي في المنطقة، أم أنها ستكون إعلانا عن فشل التيارات الحداثية في هذا المسعى. اختتمت هذه الندوة بمداخلة الباحث المغربي بلال التليدي، الذي طرح مقاربة جديدة لتحليل المعطيات التي أفرزت بروز الحركات الإسلامية في الساحة السياسية العربية في الفترة الراهنة، التي تتميز بما يسمى بالربيع العربي. كما سلط الضوء على بعض الثوابت التي اعتمدتها الحركات الإسلامية، حسب ما رصده في أبحاثه، خلال فترة الربيع العربي، فمنها تلك التي اختارت التغيير في إطار الحفاظ على الاستقرار، ومنها تلك التي مارست ضغوطا من داخل الحراك من أجل التغيير، ومنها تلك التي ارتأت أن تقف إلى صف بعض القوى الأخرى.