عكست تصريحات وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الأسبوع الماضي بكون بلاده تخطط لإنهاء دورها القتالي في أفغانستان خلال 2013 والاكتفاء بدور استشاري تدريبي، حالة من التردد داخل الإدارة الأميركية بل الورطة في الملف الأفغاني الذي تريد إغلاقه بأي طريقة خاصة بعد انسحاب الولاياتالمتحدة الأميركية العسكري من العراق. ولم يكد ينهي بانيتا تصريحاته المذكورة حتى سارع مسؤولون أميركيون للتأكيد على أنها ليست قرارا حاسما بقدر ما هي نوع من التقييم للوضع بأفغانستان، خاصة بعدما أربكت تلك التصريحات حلفاء واشنطن في الناتو بل وحكومة كرزاي كذلك. ويبدو أن الإدارة الأميركية تستعجل التخلص من المهمة العسكرية بأفغانستان، وذلك من خلال مقاربة سياسية تقوم بالأساس على الحوار مع حركة «طالبان» دون أن يعني ذلك توافرها على تصور واضح بشأن هذه المقاربة وأفقها خاصة أن الحركة المذكورة ما تزال تحافظ على قوتها في الساحة الأفغانية، وعدم اتضاح رؤيتها هي الأخرى للمقاربة السياسية ومدى قبولها للشروط الأميركية للحوار والحل السياسي للملف الأفغاني، الأمر الذي يطرح سؤال هل تفكر الإدارة الأميركية بالتخلص من الورطة دون حساب لما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد انسحابها في ظل حكومة أفغانية ضعيفة وعملية سياسية هشة، وفشل مشاريع التنمية والإعمار ببلد دمرته الحروب على مدى عقود، وصرف ملايين جمعت في مؤتمرات دعم أفغانستان دون أن يرى لها أثر على حياة الأفغانيين. ويكتسب السؤال المذكور مشروعيته من الحالة العراقية الراهنة بعد انسحاب القوات الأميركية، واستمرار مسلسل التفجيرات الإرهابية، وفشل العملية السياسية العراقية في الخروج من البلد من تداعيات الاحتلال والحرب وأبرزها الطائفية التي أطلت بوجهها القبيح على المجتمع العراقي مع الغزو الأميركي ولا تزال. ويظهر أن الإدارة الأميركية لم تعد معنية بأسئلة واستحقاقات ما بعد الانسحاب سواء من العراق وأفغانستان، بقدر ما باتت مهووسة بالخلاص من الورطة خاصة في ظل تنامي رفض المجتمع الأميركي لصرف أموال دافعي الضرائب بشكل عام في الإنفاق الخارجي، على نزوات عسكرية للحكومة الأميركية السابقة خاصة أنه كان لها انعكاس سلبي على الدخل الأميركي اقتصاديا وسياسيا، فضلا عن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وبرز هذا التوجه في خطاب أوباما الأخير حول وضعية الاتحاد من خلال استجابته لإرادة الشعب الأميركي بالتركيز على القضايا الداخلية وتحديدا من الاقتصادية والتعليمية، وتوجيه الموارد المالية للإنفاق الداخلي، والبعد عن إثارة القضايا الخارجية وتراجع اهتمام الإدارة الأميركية عما يسمى ملف السلام بالشرق الأوسط والاكتفاء بالتصريحات التقليدية في الموضوع. وفي هذا السياق يندرج مقترح تقليص حجم الجيش الأميركي لتوفير الدعم المالي لمشاريع تنموية واقتصادية توفر للأميركيين الشغل والاستقرار الاجتماعي، وهي المطالب والمواضيع التي ستهيمن بقوة على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وسيسعى أوباما من خلال التركيز عليها لضمان ولاية رئاسية ثانية.