الشيخ عمر بن مسعود بن عمر الحدوشي، ولد بمدينة الحسيمة (دوار إحدوثاً بني حذيفة)، سنة 1970، حفظ القرآن وعمره 9سنوات ونصف، اعتقل بعد خروجه من المسجد يوم 8 يونيو 2003، عقب أحداث 16 ماي المؤلمة، صدر في حقه حكما بالسجن ب30 سنة، فقد عينه اليسرى بسبب التعذيب في معتقلات المعاريف بالدار البيضاء، يعتبر أن ملف السلفية الجهادية "ملفا مفبركا"، زاره حفيظ بنهاشم، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فطلب منه التوقيع على طلب العفو، فرفض، استبشر خيرا بوجود مصطفى الرميد على رأس وزارة العدل والحريات العامة، وطلب منه أن تستمر مبادراته من أجل الطي النهائي لملف المعتقلين الإسلاميين. عمر الحدوشي، أحد شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية، استفاد نهاية الأسبوع الماضي من العفو الملكي بمناسبة ذكرى المولد النبوي، والتقته "التجديد" بمنزله بمدينة تطوان، وأجرت معه حوارا حول ظروف الاعتقال ❍ بعد أكثر من ثمانية سنوات من الاعتقال، خلف القضبان، يعانق الشيخ عمر الحوشي الحرية، كيف وجدت أهلك وأبنائك؟ ● الحمد لله وجدناهم في أحسن حال بإذن الله، يقرؤون القرآن ويحفظونه، البنية رميساء ختمت القرآن الكريم، وعلى مشارف أن تختمه مرة ثانية، وعاصم كذلك ختم القرآن، وفي الطريق ليختمه ثانية، وصهيب اقترب من ختم القرآن، وأختهم ختمت نصف القرآن، الحمد لله وجدت العائلة في أمن وأمان، الله عز وجل كان الخليفة في الأبناء. ❍ كيف تلقيتم نبأ الإفراج عنكم، وهل كنتم تتوقعون ذلك؟ ● كنت اتوقع في أي لحظة أن يتم الإفراج عني، وحين بلغني النبأ، كان الخبر بالنسبة لي عادي، لأنه منذ أن نجحت العدالة والتنمية وتولت الحكومة، كثر الكلام حول ملف المعتقلين الإسلاميين، وطبعا الملف شهد خروقات كثيرة، باتفاق المنظمات الدولية والوطنية، وبإقرار من أعلى سلطة في البلاد، ففي حوار لمحمد السادس مع جريدة إسبانية، قال بأن الملف فيه خروقات، وبالتالي كنا ننتظر في أي وقت أن يتم تصحيح الخطأ القضائي الذي وقع فيه القضاء المغربي، فكان قضاء غير مستقل، ونتمنى أن يأتي زمن يتمتع فيه المغرب بقضاء نزيه ومستقل، لا يتحرك بالتعليمات ولا بالدريهمات البخيسة. ❍ ما قيمة الحرية عند عمر الحدوشي؟ ● والله الحرية شيء مقدس، ولكن لا ينبغي أن نسيء استعمالها، فالإنسان ينبغي أن يكون حرا، أنا أعتبرت سجني آنذاك عزلة، واعتبرته فترة استجمام، حتى قلت في قصيدة: من خلوة أن تستفيد.. لا تحزنن.. من جلوة أن تبتعد.. لا تطلبن.. ❍ ماذا عن مسيرتك العلمية داخل السجن؟ ● قرأت الكثير من الكتب ولله الحمد، وفي بعض الأحيان كنت أنظر إلى الكتب وأخشى أن يطلق سراحي قبل أن أختمها، ولاسيما عندما كنت أقرأ كتاب "تاريخ الإسلام، وفيات المشاعير والأعلام"، للذهبي ويقع في خمسين مجلدا، وشاءت الأقدار أن أختمه في السجن، فالسجن في الحقيقة منحة ومحنة، يعني لمن أحسن استعمال وقته ووظفه في طاعة الله، وفي القراءة والمطالعة والكتابة، والتأليف والتصنيف، فأنا كتبت داخل السجن ما يقرب من خمسين مؤلفا. منها ديوان شعري كبير، ونفحات من درر شعرية، وعندي مساجلات شعرية مع بعض الشعراء من داخل وخارج المغرب، وعندي مؤلفات كثير منها، "ذاكرة سجين مكافح"، وصلت فيها إلى سبع مجلدات، وعندي مؤلف "شفاه التبريح"، ومجموع الرسائل" و"دليل الفلاح"، و"نشر العبير"، و"نظم قواعد التفسير"، و"دليل الفلاح في شرح بعض ألفاظ المصطلح"، و"كيف تحسب عقيدتك بدون معلم"، وكتب أخرى تحت الطبع، وبعضها سيقدم للطبع قريبا بإذن الله. ❍ غادرتم السجن، وتركتم معتقلين إسلاميين خلفكم، ما إحساسك؟ ● تأسفت غاية الأسف، كنت أتمنى أن يكون الأمر شاملا، ليخرج كل الإخوة من غير استثناء، وبدون شرط أو قيد، هذه كانت أمنيتي، لأن المطلوب هو الطي النهائي لهذا الملف المفبرك، والذي يسمى بملف السلفية الجهادية، وكنت قلت أن هذا الإسم دهية ابن زنى، لا يعرف أبا له ولا أما، إلا أن يكون ولد في مخافر الشرطة، لكن عندما نرى مثلا يستثنى فلان وفلان وفلان، ندرك أنه لازالت هناك ضغوط على الملف، ولازال هناك أناس يقتاتون على الملف، ولا يريدون أن يدخلوا الفرحة على عوائل المعتقلين، وقد شردت عائلات ويتم أطفال، ورملت نساء، والله المستعان. ❍ ما الذي أحزنك كثيرا وأنت في السجن؟ ● أحزنني وفاة والدي رحمه الله وأخي الأكبر محمد. ❍ هل تحسون أن المغرب يشهد التغيير؟ ● بالفعل نحس أن المغرب يشهد التغيير، طبعا هذا مشاهد وملحوظ. ❍ هل استبشرتم خيرا بوجود مصطفى الرميد على رأس وزارة العدل والحريات العامة؟ ● لعله سيحقق الشيء الكثير بإذن الله، ومرة أخرى أشكر الأستاذ الرميد كثيرا، قدم لي خدمات كثير وهو يعرفها، (مبتسما)، وأظن أن ملف المعتقلين الإسلاميين يوجد بيد أطياف متعددة، وليس بيد طيف معين، وعلى الجميع أن يتوحد لطي هذا الملف، ولعل الأستاذ مصطفى الرميد سيقوم بدوره بإذن الله. ❍ كثر الحديث عن مراجعات التيار السلفي الفكرية، في مصر مثلا، جزء من هذا التيار، أسس حزبا سياسيا، وآمن بالمشاركة السياسية، من نصيب الشيخ عمر الحدوشي من هذه المراجعات؟ ● هذه المقارنة هنا غير صحيحية، لأن في مصر حملوا السلاح، وخططوا وكان عندهم تنظيم، أما في المغرب، لم يكن هناك من حمل السلاح، والملف كله مفبرك، ونتمنى أن يأتي يوم من الأيام يفتضح فيه من يقفون وراء فبركة هذا الملف. ❍ الحالة المصرية هي مثال فقط، وإلا عندنا في المغرب أيضا، الشيخ الفيزازي حين خرج من السجن، أعلن عن مراجعات شخصية له. ● هذا الأمر يتعلق بالشيخ الفيزازي، أنا أحب أن أسجن وأموت من أجل أفكاري، إذا كانت الشيخ صدرت منه أخطاء وتراجع عنها، فهذه من شجاعته، أما أنا فليس لي ما أتراجع عنه، يعني ليست لي أفكار مخالفة، لا أكفر المجتمعات ولا أكفر أصحاب المعاصي مطلقا، ولا ولا ..إلخ. ❍ هل صحيح أنكم فقدتم عينكم اليسرى بسبب التعذيب؟ ● نعم صحيح، عذبت داخل مركز للشرطة بالمعاريف بالدار البيضاء، وكان الضرب عشوائيا، وكنت معصب العينين، وكان كثير من الضرب يأتي على العين اليسرى، حين أحسست أن البصر بدأ يضعف، كتبت شكاية لوزير العدل، فأرسل لي إلى سجن القنيطرة طاقما طبيا، فتأكد لهم أن شبكة العين مجروحة، وطلبت منهم عدة مرات أن أخرج للمستشفى من أجل العلاج، فرفضوا، ولما أخذوني إلى طنجة، جاءني طاقم طبي آخر، فأخبرني أن شبكة عيني اليسرى انتهت تماما، وعطلت، نتيجة التعذيب الذي تعرضت له في المعاريف. ❍ هل ستقدم شكاية من جديد وتتابع من تورط في تعذيبك لتفقد بصرك؟ ● المتابعة عند الله عز وجل. ❍ التعذيب استمر أيضا في السجن؟ ● في السنوات الأولى كان التعذيب مستمر، وهو تعذيب نفسي فقط، أما الجسدي فكان خلال الأيام التسعة بمركز الشرطة بالمعاريف، واستمر فقط التعذيب النفسي بسلا والقنيطرة وعين برجة وطنجة، أما في تطوان، الموظفون كانوا طيبين، يتعاملون بأخلاقيات مهنتهم. ❍ ماذا عن الحوار مع الشيوخ السلفيين داخل لسجون؟ ● لم يكن هناك أي حوار، كانت هناك إجراءات معزولة من هذا القبيل، تقوم بها المخابرات فقط، كانوا يأتون لجس النبض فقط، كل مرة كانوا يقدمون أنفسهم بصفة معينة، بتعبير آخر، كانوا يريدون "النظر إلى ما فعله بنا السجن". ❍ وحفيظ بنهاشم، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، هل زاركم في السجن؟ ● نعم زارني، وجائني مرة وقال لي أطلب العفو وستخرج في العيد، كان يفصلنا عن عيد الأضحة ثلاث أيام، قلت له العفو هو عدم المؤاخذة على الذنب، وأنا لست مذنبا، وقلت له لو كنت مذنبا يمكنني أن أتقدم بطلب العفو، أما أن أطلب العفو وأنا مظلوم، فلا عفا الله عني، وأفضل أن أحفر قبري داخل زنزانتي، أما أن أطلب العفو وأنا مظلوم، فلا. ❍ ماذا عن مشاريعك المستقبيلة؟ ● ماذا أقول لكم، لا أحب أن أجيب عن المستقبل، لعله إن شاء الله سيكون خيرا، وما يفعل ربك إلا خيرا.