في ليلة أول أمس، أفرج بعفو ملكي، عن الشيخ عمر الحدوشي، الإمام السابق في مسجد «كويلما» في تطوان، بعد اعتقاله ليلة 12 يونيو من سنة 2003، قبل أن يتم الحكم عليه ب30 سنة سجنا في ارتباط بالأحداث الإرهابية في الدارالبيضاء. فور مغادرته سجن «الصومال»، خص الحدوشي جريدة «المساء» بهذا الحوار داخل منزله، الذي تم استقباله فيه بالتمر والحليب.. - كيف تلقيت خبر الإفراج عنك بعد قضائك حوالي تسع سنوات من الاعتقال؟ والله استقبلته بشكل عادي، لأن هذا الأمر كان متوقعا. فأنا أجزم بأن الأحكام في حقنا كانت أحكاما زجرية وتحت ضغوط أمريكية. فتلك الأحكام كانت، باتفاق المنظمات الحقوقية، سواء الدولية منها أو غيرها، أحكاما جائرة. فالمحاكمة كانت مجرد مسرحية. لذلك فأنا لم أعتبر نفسي أبدا مسجونا، بل كانت فترة إجمام. أطالع فيها، وأحقق، وأعلق وأكتب. والحمد لله أنني ألّفتُ داخل السجن أكثر من 50 كتابا، طبع منها العديد، مثل كتاب «قناص «الشوارد» -في 800 صفحة- وأيضا كتاب «إتحاف الطالب في مراتب الطلب» -في أرٍبع مجلدات- ومؤلف «كيف تصير عالما في زمن النت» ومجلد آخر في أكثر من 500 صفحة ومؤلفات عديدة، بعضها في قواعد التفسير. وأخيرا، وصل إلى الدارالبيضاء كتابان آخران، أحدهما في 500 صفحة وأخرى تحت الطبع، إضافة إلى كتاب «ذاكرة سجين مكافح»، في سبعة مجلدات.. فقد كانت التسع سنوات التي قضيتها معتقلا بالنسبة إلي هي فترة إجمام وترطيب للأفكار.
- متى علمت بخبر الإفراج عنك؟ في حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء، جاء بعض حراس السجن رفقة رئيس المعقل إلى زنزانتي، قائلين لي «الهنيّة عْليك، اجْمعْ حْوايْجك. فسيتم إطلاق سراحك بعد قليل».
- إذن فقد تم إصدار قرار العفو الملكي عنك، بالتأكيد، مقابل تراجعات عن مواقفك.. هل أعدت النظر في بعض قناعاتك؟ أنا لا أقول بذلك. ولم أعِد النظر في أي شيء، لأنه لم يكن لدي أي شيء حتى أعيد النظر فيه ولن أتراجع عن قناعتي الدينية ألبتة. فمن كان له الغلو أو كانت له أقوال طائشة أو محاضرات واعترف، بعد العفو عنه، بأنه تراجع عنها فتلك شجاعة منه. أما أنا فقد دخلت السجن مظلوما وخرجت مظلوما.. وكما قلت سابقا، دخلت السجن أسدا، وسأبقى أسدا وخرجت منه أسدا، بإذن الله. وبالفعل كان الأمر كذلك.
- هل تقصد الشيخ الفيزازي بأصحاب المحاضرات؟ (يبتسم) أنا لا أقصد أحدا.. وأفضّل ألا أسمي أي شخص. فكما يقول الشيخ الخالد «المعين مبتدأ». فإذا صرح أحدهم بأنه تراجع عن مواقفه وقناعاته، فذاك الأمر يخصه ويتعلق به هو لوحده ولا يخصني أنا في شيء ولستُ ملزَماً باتباع أي أحد.
- هل قدمت ملتمسا بالعفو الملكي عنك؟
زارني أشخاص مسؤولون كبار في الدولة، وخاطبوني بالقول: «اكتب طلبا بالعفو الملكي ووقّعْه فقط وسنخرجك حالا من السجن»..
- متى حدث هذا؟ قبل ثلاث سنوات، وكذلك عندما كنت في سجن القنيطرة، عرض علينا شيء من هذا القبيل ورفضت أيضا. قلت لهم في سجن القنيطرة: «بكم حكمت علي المحكمة؟» أجابوني: بثلاثين سنة سجنا. فقلت لهم: «إذن ما عليكم سوى إضافة صفر آخر إلى الثلاثين سنة». أما أن أقدم طلبا بالعفو ف»لا».. بعدها، زارني حفيظ بنهاشم، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، رفقة سفيان عمرو، وهو أحد مساعديه، وقال لي: «اطلب العفو الملكي»، فأجبته «اطلبه أنت»، ثم أضفت: «لو قدمت طلبا للعفو، وأنا مظلوم، فلا عفا الله عني!.. أفضّل أن أحفر قبري داخل زنزانتي». أترى هذا الولد الصغير (يشير إلى ابنه الذي كان جالسا معنا خلال الحوار). لما كان عمره ثمان سنوات، وصلته أخبار تقول إنني لو طلبت العفو سأخرج من السجن فورا، فقال لي حينها «يا أبي، إياك وطلب العفو».. فإذا كانوا قد ظلموك فلماذا ستطلب العفو؟!.. وطبعا، كما تعلمون، فالعفو هو عدم المؤاخذة بالذنب، والمسؤول عن جهاز الديستي في «تمارة» قال لنا: «لقد ورطتنا المخابرات الأمريكية في هذا الملف. فأعطونا أنتم تخريجة ما لنخرجكم من هنا»..
- من يكون صاحب هذا التصريح؟ هو مسؤول عن جهاز المخابرات في تمارة يدعى الحاج (ع).. وقد تقاعد حاليا.
- على ذكر مقر «الديتسي» في تمارة.. هل قضيتم فترة اعتقال هناك؟ تمارة هي التي «جاءت» عندي إلى كوميسارية المعاريف في الدارالبيضاء.. لقد تم تعذيبي هناك تعذيبا فظيعا. عُلِّقتُ كما تعلق الشاة، وضُربت وأغمي علي ثلاث مرات نتيجة التعذيب.. وقضيت تسعة أيام من التعذيب في كوميسارية المعاريف.. كان عميد الشرطة وآخرون هناك يسبّون الدين والرب والعلماء.. لقد كانوا يقصدون ذلك. ومن فرط التعذيب والإغماء، استقدموا طبيبا حيث نصحهم قائلا: إياكم والمزيد من الضرب والتعذيب الآن، فوضعيته الصحية في خطر».. والحمد لله، كما قلت لك سابقا، دخلنا بمبادئنا وخرجنا بمبادئنا.. سجنونا ليقتلوا أفكارنا، فكان سجننا إحياء لنا ولأفكارنا. نحن لا نكفّر المجتمعات ولا نكفر كل من هب ودب. ولكنْ نكفر من كفّره الله ورسوله.. كما أننا لا نكفر العصاة ولا شاربي الخمر ولا بائعيه ولا الزناة. لكننا نكفر من يستحق التكفير إذا ما اجتمعت فيه الشروط. هم يزعمون أننا نُكفّر المجتمعات وهذه «فرية». حبة جعل منها جهاز المخابرات قبة. فحتى مسألة تسمية السلفية الجهادية، فقد قيل قبل سجني بشهور إن السلفية الجهادية «دعية» و»ابنة زنا» لا يعرف لها أب أو أم، سوى أن تكون قد وُلدت في مخافر المخابرات والشرطة..
- سبق أن تم نقلك، في شهر ماي الماضي، من سجن تطوان إلى سجن طنجة، كإجراء عقابي في حقك بسبب بثك شرائط فيديو على موقع «يوتوب» تشير من خلالها بأصابع الاتهام إلى أشخاص بعينهم، معروفين في جهاز الدولة، ارتباطا بتفجيرات مدينة مراكش الإرهابية؟ (مقاطعا) لقد كانوا 15 شريطا، وبالفعل تم تنقيلي بسببها. بل حتى المسؤولون قالوا لي حينها «إنها أوامر فوقية». وأعتقد أنك تعرف من أمر بذلك!..
- طغت قضية اعتقالك، بقوةن، هذه السنة خلال وقفات ومسيرات حركة 20 فبراير في تطوان من طرف أعضاء «تنسيقية الحقيقة للدفاع عن معتقلي الرأي والعقيدة» في المدينة. هل أنتم مدينون لهذه الحركة بتسليط الضوء على وضعيتكم ومساهمتها في الإفراج عنكم؟ أولا، ينبغي أن نعلم أن الفضل يعود إلى اله عز وجل، ثم بفضل هؤلاء الشباب، بصرف النظر عن بعضهم، إذا ما كان لهم اعتقاد مخالف لشرع الله، وهذا ما لا نرضاه، إذا ما صح ذلك أصلا. ففي سجن طنجة، زارني بعض المسؤولين للتحقيق معي وقالوا لي: «كيف تسمحون لأنفسكم بالقول إن حركة 20 فبراير تتضامن معكم وأنت تعرف أن الحركة تبيح اللواط وأعضاؤها لا يُصلّون ولا يصومون شهر رمضان»؟!. فأجبتهم متسائلا: «ومتى كانت الدولة وجهاز المخابرات يأمران بالصلاة؟!.. على أي، مسألة خروج الناس إلى الشوارع لرفع الظلم عنهم بأدب ونظام، فذلك أمر فيه نصوص وأدلة كثيرة.
- هل كانت فترة سجنك، هي أيضا، شبيهة بفترة اعتقال الشيخ الفيزازي، والتي وصفها في تصريحات صحافية بمرحلة العيش في فندق من خمسة نجوم؟ في الواقع، أنا لا ألتفت إلى هذه التفاهات. شخصيا، كيفما كان الحال فأنا أتكيف مع الوضع. فإذا ما كان معي كتابي فكما لو كانت معي جنتي وحياتي.. فقط وعكس العيش في فندق خمس نجوم، أؤكد لك أن فترة اعتقالي كانت قاسية لا تطاق. في سجن عين برجة وفي سجن الزاكي في سلا وفي سجن القنيطرة.. كما عشتُ نفس القسوة في سجن طنجة أيضا. أما هنا في سجن تطوان، ففي بداية نقلي إليه، كانت ظروف الاعتقال قاسية، قبل أن تتغير المعاملة من طرف بعض موظفيه وحراسه، الذين لم أر منهم سوى خير.. كانوا يقدروننا ويحترموننا..
- بدأت تتوارد أنباء حول إمكانية تأسيس بعض رفاقكم السابقين في السجن حزبا سلفيا في المغرب. في حالة حدوث ذلك، هل ستنضم إليه؟ لن نستبق الأحداث، «حتى يولد ونسميوه»..
- تم الإفراج عنك وعن كل من الشيخ حسن الكتاني ومحمد رفيقي، المعروف بأبي حفص، وعن آخرين بعفو ملكي، لكنْ، مرة أخرى، يتم استثناء رشيد نيني، مدير جريدة «المساء» من الإفراج؟!.. كنت، دائما، أتمنى أن يتم الإفراج عن الشيخين الكتاني وأبي حفص قبلي، فلم يكن لدي مانع، لظروفهما الخاصة. أما بخصوص الإبقاء على رشيد نيني في السجن، فأنا أتأسف لذلك بالغ الأسف، وبالتالي لا يسعنا سوى أن نطلب من رشيد نيني التحلي بالصبر والصمود..