في سياق التحولات الكبيرة التي يعرفها العالم العربي اليوم برز بشكل لافت يشد الانتباه، التنوع والتمايز في مواقف واجتهادات الإسلاميين، بحيث أصبح هذا الأمر واضحا وظاهرا بشكل جلي سواء تعلق الأمر بالمواقف أو باختيار المواقع في ساحات التدافع السياسي والمدني. ولئن كان الرأي العام لا يعير اهتماما كبيرا لهذا التنوع وهذا التمايز رغم وجوده بشكل دائم، على اعتبار أن الإسلاميين ينهلون من نفس المرجعية، وبالتالي ينظر إليهم على أنهم كتلة واحدة وجبهة واحدة وصفا واحدا، فإنه اليوم مع تصدر بعض الإسلاميين للمشهد السياسي أصبح هذا التنوع بارزا للعيان بشكل يصعب تجاهله، حيث شهدنا في تونس حزب حركة النهضة ذا التوجه الإسلامي قد تحالف مع القوميين واليساريين لتشكيل الأغلبية الحكومية، في حين اختار السلفيون اجتهادا آخرا غير المشاركة السياسية، بل وبدأوا في توجيه بعض الاتهام لحزب النهضة بالتنازل عن الثوابت. وفي مصر، بالرغم من إقدام السلفيين على تأسيس حزب سياسي ومشاركتهم في العملية الانتخابية وحصولهم على نتائج متقدمة، إلا أن تصريحات حزب الحرية والعدالة الإخواني تذهب في اتجاه عدم تحالفه مع حزب النور السلفي، وأنه سيبحث عن تشكيل الأغلبية مع أحزاب أخرى حتى وإن كانت ذات توجهات ومرجعيات مخالفة. وفي المغرب، تحالف حزب العدالة والتنمية مع أحزاب مختلفة التوجهات من بينها حزب يساري، في حين اختارت جماعة العدل والإحسان الإستمرار في موقف مقاطعة العملية الانتخابية برمتها، والتمايز عن تجربة المشاركة بل والجهر بمواقفها ضد المشاركين في الحكومة . هذا الوضع، الذي أصبح يقدم للمتتبعين أرضية لطرح مزيد من الأسئلة واستنتاج عدد من الخلاصات، يمكن اعتباره مؤشرا على ثلاثة أمور على الأقل: الأمر الأول هو تحرير الإسلاميين من الارتهان لمطلب الوحدة الاندماجية، وهذا وإن كان يؤشر على انتهاء حلم جميل له جاذبيته وبريقه، إلا أنه في الحقيقة سيحررهم من الارتهان للأفكار الطوباوية المغرقة في المثالية والحالمة بجمع الإسلاميين بمختلف تياراتهم واجتهاداتهم وقناعاتهم في تنظيم واحد، وإقناعهم باجتهاد واحد، في تجاهل لإحدى سنن الله في خلقه وهي سنة الاختلاف في التقدير التي تنتج التنوع والتعدد في الاجتهادات السياسية، من داخل المرجعية الإسلامية. الأمر الثاني هو تحرير التنظيمات الإسلامية من تقديس الاجتهادات، وتحرير كل تنظيم على حدة من وهم الاعتقاد بأنه الممثل الحقيقي أو «الشرعي» للاجتهاد الإسلامي، ومن ثم أصبح من الممكن الاقتناع بأن المرجعية الإسلامية تسع مختلف الاجتهادات وتفسح مجالا واسعا للاختلاف الذي تعتبره رحمة، مما يحمل معه مؤشرات دالة على بداية نهاية التعصب لاجتهاد معين بما يفضي إلى الانتقال من وهم الحق المطلق إلى واقع الاجتهادات النسبية. الأمر الثالث يتمثل في تحرير التنافس السياسي من الصراع الإيديولوجي، وإذا كان من غير الممكن إلغاء تأثير الجانب الإيديولوجي على العمل السياسي، إلا أنه سيمكن من إعطاء الأولوية في اصطفاف التحالفات والتكتلات للبرامج، والانتقال بالاختلافات الإيديولوجية إلى ساحات الحوار و فضاءات النقاش الفكري البناء الذي يستوعب مختلف الاجتهادات، بما يضمن التطوير والتجديد والإبداع، ويدفع بعجلة التقدم إلى الأمام. فهل نتوقع، في ظل تعارض مواقع الإسلاميين الذي أصبح أكثر وضوحا، تحررا من مجموع المسلمات والقطعيات؟