تسعى كل الشركات إلى جعل منتجاتها ذات صبغة خاصة في ذهن المستهلك بما يجعلها تستأثر باختياره. ومن أجل ذلك، طور الباحثون والخبراء في هذا المجال مفاهيم وأدوات متعددة تهدف كلها إلى إعطاء المنتوج قيمة إضافية في موازنة المقارنة التي يقوم بها المستهلك. وبالنظر إلى المنهجية المعتمدة في علوم التسويق المعاصرة، فإن المنطلق ليس هو المنتوج أو الثمن أو غير ذلك من الخصائص والمعطيات، بل المنطلق الأول هو المستهلك، والذي يجب النظر إليه من زاويتين، الأولى تتعلق بتعدد رغباته وانتظاراته بشكل مستمر ومتجدد، والثانية تتعلق بمدى قدرته على دفع الثمن اللازم لإشباع رغباته. وتلاقي هذين العاملين، الحاجة من جهة، والقدرة الشرائية من جهة أخرى، هو ما يعطي وجودا للسوق في مفهوم علوم التسويق المعاصرة. وفي إطار هذا المفهوم للسوق، تجتهد الشركات في أخذها بعين الاعتبار لهذه العلاقة بين الحاجة (Besoin) ومقابلها الثمن (Prix). والجدير بالذكر أن هذه العلاقة غير ثابتة في مكان واحد، بل تتنوع بشكل يكاد يكون غير متناهي، لا تحده إلا القدرة على الإبداع في تصور منتجات قادرة على خلق توازن إيجابي للمستهلك بين ما يحصل عليه من إشباع لرغباته وما يدفعه كقيمة نقدية أو غير نقدية. والمهم في هذه العلاقة التبادلية، ليس ما يأخذه أو يعطيه المستهلك، بل القيمة المضافة التي يقتنع أنه حصل عليها في التبادل. وبمعنى أخر، فالذي يهم المستهلك ليس الثمن بقدر ما يهمه المقابل الذي يحصل عليه. فكلنا يمكن أن نتذكر أشياء اشتريناها يوما بثمن زهيد ولكننا ما فتئنا نندم على شرائها لأنها انبرت عن منفعة تكاد تكون صفرا، وربما تتسبب في تبعات وخيمة. وفي المقابل، يمكننا جميعا أن نعطي أمثلة عن منتجات دفعنا مقابلها ثمنا باهظا ولكننا لا نزال منبهرين لدوامها وعظم منفعتها. فالمهم إذن ليس الثمن أو الجودة، بل العلاقة بينهما والتي يجب أن تكون متوازنة وإيجابية في ذهن المستهلك. ولذلك، فإننا نرفض مثلا شراء المنتجات الصينية على الرغم من ثمنها البخيس، وبالمقابل نقبل على شراء الماركات والعلامات المرتفعة الثمن لأننا مقتنعون بقيمتها وجودتها العالية . وبين هذين الأفقين الذين يسيران في اتجاه معاكس، الثمن المنخفض والجودة المتواضعة من جهة، والثمن المرتفع والجودة العالية من جهة أخرى، تتسابق الشركات من أجل إيجاد التركيبة السحرية التي ستمكنها من إقناع المستهلكين بشراء منتجاتها. والجدير بالملاحظة في هذا الإطار أن الشركات على اختلاف ثمن وجودة منتجاتها، تستأثر كلها بنصيب لها من قيمة السوق. ويرجع ذلك إلى أن المستهلكين لهم انتظارات وحاجيات مختلفة، وكلما استطاعت شركة أن تعانق بشكل متميز خصوصيات فرقة أو تجمع من المستهلكين، فإنها تنجح في الاستئثار باختيارهم ونقودهم. وتجدر الإشارة هنا أنه على هذا الخط الذي يربط الثمن والجودة، فإن كل شركة بما أوتيت من تجربة وعبقرية تحاول أن تتفوق على منافسيها في الرفع من قيمة المستهلك، لأنها المدخل الوحيد إلى الظفر باختياره ضدا على المنافسين. وفي نسق هذه العلاقة، فإنه إذا كنا في المغرب نملك بنية إنتاجية منخفضة تجعلنا ننجح في عرض منتجات أكثر تنافسية على أساس الثمن المنخفض، فمن اللازم أيضا أن لا يفوتنا أنه من الممكن أن نبدع في خلق خدمات ومنتجات عالية القيمة للمستهلك الداخلي والخارجي، تكون عائداتها على شركاتنا وبلدنا أكثر نفعا من حيث نتائجها المالية. وفي هذا الصدد، يمكن أن نضرب المثل بمجموعة شركات سواتش SWATCH التي تمتلك ماركات رفيعة عالمية كبريكي Briguet وتيسو Tissot ولونجين Longines وغيرها، حيث لا تبيع أكثر من2 في المائة من مجموع أعداد الساعات المباعة في الأسواق العالمية، ولكن عائداتها المالية ترتفع إلى 25 في المائة من القيمة المالية لهذه الأسواق ; وهذا مثال واضح على الفرق بين المنهجية الكمية التي تنبني على العدد، والمنهجية الكيفية التي تنبني على الجودة والإبداع والتميز.