لإجراء مقارنة بين التجارب الثلاث في العالم العربي، التي بدأت مسار بناء المؤسسات الدستورية، لمرحلة ما بعد الربيع العربي، وتتميز بفروق على مستوى السياقات وطبيعة التجارب الإصلاحية التي عاشها كل بلد، يلزم في البداية التطرق لأهم ما ميز كل تجربة من أحداث. وتعتبر الثورة التونسية مهد الثورات العربية، وشرارتها الأولى انطلقت يوم 17 دجنبر 2010، بالتزامن مع إضرام محمد البوعزيزي النار في جسده بمدينة سيدي بوزيد، ليفارق الحياة يوم 5 يناير في المستشفى، بعد 18 يوما من إضرام النار في جسده، وفي 14 يناير من نفس اليوم، هرب الرئيس التونسي وسقط حكمه عقود من الزمن، وجرت أول انتخابات بعد سقوط نظامه يوم 23 أكتوبر 2011، فاز فيها حزب النهضة الإسلامي، وحصل على 89 مقعدا في المجلس التأسيسي، الذي عهد له انتخاب رئيس للبلاد، وإقرار دستور جديد، يؤسس لمرحلة جديدة. بينما في مصر، انطلقت الشرارة الأولى للثورة يوم 25 يناير 2011، وفي يوم 11 فبراير من نفس السنة، أعلن الرئيس المصري حسني مبارك تنحيه عن الرآسة، وجرى أول استفتاء حول العملية السياسية في مصر في 19 مارس 2011، أعقبته انتخابات مجلس الشعب المصري، في 28 نونبر 2011، منح فوزا كبيرا للإخوان المسلمين، متبوعين بالتيار السلفي بمصر. وأخيرا بالمغرب، انطلقت تظاهرات 20 فبراير بعدد من المدن المغربية، ليعلن الملك عن مراجعة دستورية في خطاب ألقاه يوم 9 مارس 2011، انطلقت بعده أشغال اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة شامل للدستور، اشتغلت جنبا إلى جنب مع لجنة الآلية السياسية برآسة المستشار الملكي محمد المعتصم، وضمت أمناء الأحزاب السياسية ومسؤولو النقابات، أفرزت دستورا جديدا صوت عليه المغاربة بالأغلبية يوم فاتح يوليوز، لتجري الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها يوم 25 نونبر، ومنحت فوزا كبيرا لحزب العدالة والتنمية، مكنه من رآسة الحكومة، ليتحالف مع ثلاث أحزاب ويشكل الحكومة الثلاثون في تاريخ المغرب. على ضوء هذه المعطيات، وما سجله المراقبون والمتتبعون، اعتبرت الانتخابات التي شهدتها الدول الثلاث، حرة ونزيهة وديمقراطية، وهي الانتخابات التي تميزت أيضا بمشاركة مهمة، حيث بلغت في المغرب 45 بالمائة، وفي تونس 70 بالمائة، وبمصر 62 بالمائة. وإذا كانت معالم المشهد السياسي المصري قد اتضحت بسيطرة مطلقة للإسلاميين، فإنها لا تزال تعيش في مصر مخاض التأسيس لمؤسسات الدولة الدستورية، في الوقت الذي لا يزال المجلس العسكري متحكم في زمام السلطة، ويرى محللون أن القاسم المشترك بين المغرب وتونس، هو «وضوح معالم الإصلاح الذي شهده كل بلد»، فبخصوص نتائج الانتخابات التي شهدتها الدولتين المغاربيتين، والتحالفات التي تلتها، يلاحظ تحالف التيار الإسلامي الفائز في الانتخابات الأولى من نوعها في الربيع العربي، مع قوى سياسية أخرى، يسارية كانت أو قومية او محافظة، ففي تونس كان التحالف مع قوى سياسية معارضة للنظام السابق، وفي المغرب، كان التحالف مع قوى سياسية حضرت بقوة في المشهد السياسي خلال عقد ونصف من الزمن، ليؤسس بذلك هذا التحالف نوعا من الاستمرارية، فيما سمى البعض هذه المرحلة، بالتناوب الديموقاطي الثاني، إلا أن التجربة المغربية تميزت بإجراء إصلاح دستوري أولا، بمبادرة من ملك المغرب، لتجرى بعد ذلك انتخابات تشريعية، أفرزت أغلبية حكومية من أربع أحزاب سياسية، سيعهد إليها تنزيل مضامين الوثيقة الدستورية، أما بتونس، فانطلق مسار البناء بانتخاب مجلس تأسيسي أولا، أولى مهامه انتخاب رئيس للبلاد، لينكب بعد ذلك على مناقشة وإعداد دستور جديد للبلاد. يخلص المحللون، وبغض النظر عن سياق وتقييم كل تجربة، التي ستبقى مرهونة بما ستفرزه النخب السياسية التي حظيت بتدبير السلطة التنفيذية والتشريعية، إلى أن «التجربة المغربية تعتبر الأسرع على مستوى استجابة السلطة الحاكمة، ومسار بناء المؤسسات وسن القوانين»، حيث استغرق مسار التغيير منذ تظاهرات 20 فبراير وإلى حدود تشكيل الحكومة المغربية الجديد بعد الانتخابات التشريعية، عشرة أشهر ونصف، بينما مسار بناء المؤسسات في دول عربية أخرى لا يزال قائما، ثم هناك ماحظة أخرى متعلقة بمسار بناء الثقة في المغرب، الذي انطلق بعد 20 فبراير، من خلال الانفراج الذي حصل في ملق معتقلي ملف بلعيرج، وملف معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية، وهو المسار الذي تعثر خصوصا بعد تفجيرات أركانة الإرهابية، ثم ملاحظة أخيرة مرتبطة بالآمال التي علقها الشعب المغربي على التجربة الإصلاحية، أو ما سمي بالتناوب السياسي الثاني، والاهتمام المتزايد بمسار الإصلاح، وخصوصا مرحلة المشاورات التي باشرها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، لتشكيل الحكومة الجديدة.