إن مما يحز في النفس، أن يقف المرء أمام معروضات الأكشاك من الصحف، فلا تقع عينه إلا على المنخنقة والموقودة والمتردية وما عاف السبع. صحف من كل لون وجنس، غريبة الوجه واللسان، تطفح بكل ناقض للوضوء، مصادم للعقيدة، داع إلى الفتنة والفساد. إنها حرب حقيقية، تنوع جنودها، واختلفت جنسياتهم، وتعددت أسلحتهم، ولكن الهدف واحد: تقويض البقية الباقية من عزة المسلم وانتمائه، ومحو السطر الأخير من كتاب هويته. غير أن بصيصا من نور الأمل، ولاشك، تلمحه العين ولا تخطئه وسط هذا الركام العفن، نور خافت، ولكنه يزداد ظهور يوما بعد يوم. إنه نور ينبعث من صحف طيبة مباركة من "التجديد" و"المحجة" و"الجسر" و"الفرقان" و"الهدى" و"المشكاة" و"المنعطف".. ولكن ظلام آلاف الصحف النتنة يكاد يطغى على هذا النور المبارك ويحجبه، يكاد يطغى، هذا الظلام في غفلة أهل النور وتهاونهم في نصرة نورهم، واستهانتهم بقيمته، والتماس الأعذار لخذلانه. زرت مرة مدينة من مدن الشرق، وأمضيت بها أياما. ولما لاحظ بائع الصحف اهتمامي بجريدة «التجديد» التي لم تكن تصل مع الأسف إلا بعد الزوال فتح لي صدره، وكان لي به معرفة، وأفضى إلي ببعض مكنونات صدره: «إن أبناء الحركة في هذه المدينة، ألحوا علي إلحاحا بالغا أن أوفر من «التجديد» العدد الكافي من النسخ، وهي تصدر في حلتها اليومية، وألحوا في إلحاحهم. وقمت بواجبي وزيادة، وها هو ذا ركام النسخ كما ترى، إنهم لا يشترون مني ولو نسخة واحدة. وفي اليوم كله لا أبيع أكثر من أربع نسخ، ثم أشار إلى مجلة «الشقائق» وكنت قد اقتنيت نسخة منها، وقال: «وهذه المجلة أيضا ألحوا على ضرورة توفير نسخها بالقدر الكافي، ولكنهم لا يشترونها، انظر هاهي نسخها متراكمة، يعلو بعضها بعضا.. شعرت بألم بالغ، وتذكرت قصة خطيب الجمعة الذي أبكى الناس وهو يذكرهم بالفقر الذي تفتك أنيابه بالمستضعفين، وكان أن وصل التأثر إلى ولده. فبادر إلى إخراج بعض ما كان في البيت يتصدق به، وهو يظن أنه لا شك ينال جزاء ربه، ومباركة أبيه، فإذا به يفاجأ بسباب أبيه الواعظ وإنكاره الشديد، وصوته المزمجر: يا فاعل.. يا عدو نفسه، ماهذا، ماذا تصنع.. إن علينا القول، وعليهم الفعل، إياك أن تعود لمثلها. قد يضحك البعض، ولكن كما يقال: شر البلايا ما يضحك. لماذا لا يقطع بعض أبناء الحركة الإسلامية الصلة نهائيا، بمثل هذا السلوك؟ ألم يسمعوا مرارا وتكرارا قصة الحسن البصري الذي لجأ إليه بعض المسلمين من العبيد وقد ضاقوا ذرعا بالعبودية أن يدعو إلى عتقهم، ويرغب أسيادهم فيما عند الله تعالى من أجر. فتأخر حتى ضجوا، وزاد ضيقهم، ولم يقدر على الدعوة إلى تحريرهم إلا بعد أن وفر مالا اشترى به عبدا وأعتقه. ألم يعلموا أنه لو لم يفعل فلربما ظل هؤلاء العبيد عبيدا حتى الرمق الأخير من حياتهم؟ لا دعوة أسمى من الدعوة بالأفعال. هل تظن أن شخصا تدعوه لنصرة الإعلام الإسلامي، يفعل ذلك وهو يراك تتخاذل؟ كيف تراه يفسر فعلك؟ كيف يحكم على ضدق دعوتك؟ والأعجب من هذا، أن بعض الإخوة لهم أعذار أقبح من زلاتهم، فهم تارة يدعون أن «التجديد» جريدة فارغة، وتارة يدعون أن تحويلها إلى يومية يعسر عليهم متابعتها. أما كونها جريدة فارعة، فهو قول مجانب للصواب تماما، فقد تعودت أن أقتني صحفا متنوعة، بعضها يكاد عدد محرريها يصل المائة، وتمتلك من التجهيزات ما تقف أمامه ذاهلا، وتغدق عليها الأموال، وتبنى لها المقرات الفخمة، ورغم ذلك فقيمتها العلمية دون قيمة «التجديد». وأعتقد أن سبب هذه التهمة الباطلة، أن قطاعا من أبناء الحركة الإسلامية لم يتعودوا كأغلب المغاربة أن يقرأووا خارج المقررات المدرسية، أي شيء، فلم تنشأ لديهم عادة القراءة الحرة، ولم يتذوقوا حلاوتها، ولذلك فهم يفشلون في عقد صلة ناجحة بجريدتهم، فيريحون أنفسهم بهذه الدعوى. وأما الدعوى الثانية، وهي صعوبة متابعة الجريدة في شكلها اليومي، فهي أيضا دعوى فارغة، لأن الجريدة، أي جريدة، لا تقرأ عادة من الغلاف إلى الغلاف، لما في ذلك من صعوبة بالغة، ولما يتطلبه من وقت. ولكن يقرأ فيها كل قارئ ما يهمه بالدرجة الأولى، فهذا يقرأ للتحليلات السياسية والأخبار، وذاك يطالع شؤون الثقافة والإبداع، وثالث ينكب على الصفحات الاجتماعية ورابع يأخذ من كل شيء بطرف. وفوق هذا ففي الجريدة ما يتطلب القراءة الفورية، وفيها ما يصلح أن يقرأ في كل وقت، مهما تطاولت الأزمان. وفوق هذا وذاك، فليس المشتري وحده من يقرأ الجريدة، بل قد لا يقرأ منها إلا القليل، بينما يقرأ أفراد أسرته منها الكثير. وإنني لأذكر بإعجاب تلك المرأة التي تشتري كل نسخ «التجديد» من الكشك القريب كل يوم، ثم تهديها إلى صديقاتها وجاراتها. هكذا تكون نصرة الإعلام الإسلامي، وليس بمجرد الكلام، ودعوة أصحاب الأكشاك إلى توفير نسخ كافية للأشباح. يحكي أن حزب الفضيلة التركي، كان عدد أعضائه يقارب الستة ملايين، وكان لكل عضو نسخته الخاصة من صحف الحزب، وقد استطاع الحزب بفضل دعم هؤلاء الأعضاء التوسع في مشاريعه الإعلامية، إلى أن صار له إذاعات وقنوات تلفزية.. وفي هذا فليتنافس المتنافسون. وختاما، أدعو إخوتي أبناء الحركة الإسلامية، وإخوتي المتعاطفين مع مشروعهم، وإخوتي المسلمين جميعا، إلى أن يزيدوا من دعمهم للإعلام الإسلامي، فهو صوتهم، وهو صورتهم، وهو سلاحهم الفعال، وليذكروا دائما أن إعلام غيرهم لا يتعامل مع صوتهم وصورتهم إلا بالإقصاء والتشويه. كما عليهم ألا ينسوا أن حرب الصهيونية والصليبية عليهم هي حرب إعلامية بالدرجة الأولى. رباط الخير في 11 أبريل 2002 محمد أطراف