أكد لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم أن المؤمن القوي- من ذكر وأنثى طبعا- خير وأحب إلى الله، وإن كان في كل خير.. والقوة المنعم بها من الله تعالى على المؤمن ، والمكلف هو بحفظها وصيانتها في بدنه وروحه وسواء نفسه، هي أن يعيش قادرا على أداء ما خلق له.. وما خلق له حصرا وقصرا هو عبادة الله في كل أحيانه وأحواله، بكل حركاته وسكناته..في نومته وقومته، في شغله وفراغه، في جده وترويحه عن نفسه... وعبادته لله تعالى ليست في مجرد ما فرض عليه أو سن له ، أو أمر أن ينتقل به من أذكار وأدعية واستغفار، وصلوات وقربات، وحج وصيام وزكوات.. إنها كل أمره..إنها كل شأنه في حياته.. إنها طلبه للعلم النافع بكل أنواعه، إنها قيامه بعمله الذي يعتاش مما يدره عليه من رزق الله، ويكسبه من مهارة تنفعه في دنياه.. إنها إصلاح دينه الذي هو عصمة أمره، إنهاإصلاح دنياه التي فيه معاشه، إنها إصلاح آخرته التي إليها معاده..إنها تطبيقه لكل ما شرعه له الله، لأن شرع الله له يدور مع مصلحته حيث دارت، ويكون معها ولها حيث كانت.. توحيد الله عافية وصحة توحيده بشهادته شهادة توحيده لله بالقلب والقالب، بالجنان واللسان، وجوارح الجثمان، هو له عافية وصحة وسلامة وقوة في بدنه وسواء عقله.. توحيده يحقق إنسانيته في خلقه وخلقه، فلا يهون ولا يهن ولا يحزن ولا يخاف ولا يذل ولا يخزى..فلا يستهلك مسكرا ولا مخدرا ولا مفترا..ولا ينهي حياته يائسا محبطا منتحرا..ولا تعتريه من الأمراض التي ابتلي بها أبناء العصر من ضغط ولا سكري ولا سرطان ولا أزمات قلب ولا انهيارات أعصاب..ولا تشوهات نفس..ولا اضطرابات عقل..مما أصبحنا نشاهد انتشاره في أكثر من فقدوا اطمئنانهم إلى الله، ورضاهم عنه، وحسن ظنهم به.. توحيده يوجهه الدعاء رغبة إلى الله..ورهبة من الله.. وقد علم رسول الله الصحابي الجليل قبيصة بن المخارق دعاء يتضرع به إلى الله عز وجل ويبتهل بعد انتهاءه من صلاة العذاة-أي الصبح- فيقول: اللهم اهدني من عندك،وافض علي من فضلك، وأسبغ علي نعمتك،وأنزل علي بركتك. هذا الدعاء يقين توحيدي بألا بركة إلا من الله..ولافضل إلا منه..ولا نعمة إلا له ومنه..ولا هدى إلا من عنده..وحده لا شريك له..والدعاء هو العبادة..بل هو مخ العبادة..والعبادة هي لله وحده لاشريك له في السر والعلن..في الظاهر والباطن..فما نتيجة هذا التوحيد الموقن الراسخ المكين المتين إن حققه صاحبه وتحقق به؟ قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لقبيصة بن المخارق وقد جاءه ليعلمه إياه: أعلمك دعاء تدعو به الله عز وجل كلما صليت الغداة -أي الصبح- ثلاث مرات، فيدفع الله عنك البرص والجنون والجذام والفالج..ويفتح لك بها ثمانية أبواب الجنة.. وخلف كل صلاة غير الصبح، ومعها أيضا يقول المؤمن الموحد الموقن مما علمه إياه الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله و صحبه وسلم:من قال دبر كل صلاة الحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة، وسبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، وقال تمتم المائة:لاإله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر -والتسبيح توحيد..والتحميد توحيد... والتكبير توحيد... ولا إله إلا الله بأكملها وتمامها شهادة اليقين،هي عين التوحيد وحق التوحيد..فهل لايكون المؤمن الموقن الذي ينطق بها ويحياها وبها ولها إلا قويا سليما صحيحا معافى من كل شر وضر ووزر وألم وسقم وبلاء وداء وشقاء؟ الطهارة سلاح المؤمن الوضوء والغسل..بل الطهارة بالمفهوم الإسلامي لغة وشرعا ليس إلا بدء الخطو اليقين الراسخ المكين المتين الواثق بالله المطمئن إلى الله..الراضي عن الله في طريق توحيد الله وذكر الله وشكر الله وحسن عبادة الله.. الوضوء والغسل سلاح المؤمن وعدته لكل نائبة دقت أو جلت..طهارته الكاملة الشاملة التامة العامة..الظاهرة والباطنة من كل حدث وقذر ووزر في الجسد والنفس.. وإنسان متوضئ على الأقل كلما أحدث، ليس للشيطان عليه سبيل ولا سلطان ليمسه بنصب وعذاب..خصوصا إذا أسبغ الوضوء على المكاره..يجري الدم في عروقه، فينشط قلبه..ويتطهر داخله ويتغذى ويتنفس..وتتنبه أعصابه إدراكا وحركة وأداء وظائف بها ولها من جميع مكونات الجسد وغدده..وسمعه وبصره وأنفه ..ووجهه ويديه وأذنيه..وقاية وحماية وصيانة ونظافة وطهارة..ثم فما وأسنانا ورأسا ..ألا تجربون ذلك وقد توضأتم واغتسلتم؟ انتبهوا خلال تطهركم إلى أثر ذلك على كل كيانكم..الغسل بسبب داع أو لمجرد التبرد قوة لك، وكذلك الوضوء ..نعم قوة لك ومجدد لحيويتك..ومزيل لكل كدر صفوك جسدا وعقلا ونفسا..يريد الإله لك بالغسل والوضوء وبكل الطهارة القوة والنشاط والحيوية والراحة والترويح والسلامة والأمن واليمن..يريد لك تقوى على نفسك فتسيطر عليها وتملك زمامها..يريد لك أن تقوى حتى على الشيطان..فكيده يضعف بسلاح غسلك ووضوئك..وكيده أصلا ضعيف لو عرفت كيف تقوى عليه بطهارتك... تتوضأ وتغتسل لتتسلح وتقوى وتطهر ظاهرا وباطنا..ثم لتصلي..في أوقات متوالية مكتوبة متواصلة..فيمضي عمرك كله في صلاة تؤديها أوفي صلاة تنتظرها..وأنت في الصلاة ما دمت في انتظار الصلاة..تصلي بعقلك..وبقلبك.. وبلسانك..وبسمعك وبصرك، بكل بدنك..فلا بد أن يكون كل ذلك قويا سليما..عقلك ثاقب ذكي..قلبك سليم زكي..سمعك قوي..بصرك حديد..بدنك كله معافى..لسانك مملوك لك ولا يملك منك شيئا،لاتكبك حصائده على منخرك في أية هاوية من نار الدنيا ولا الآخرة..ليس له إلا ماذكرنا من الذكر والشهادة وتلاوة القرآن وتدبره وإفشاء السلام ونشره وإشاعته بين كل الخلق.. قوي جوارحك للعبادة سمعك إنصات منتبه للعلم والذكر والنصح وما ينفع من أصوات الإنشاد التي ترقق القلب وتهذب الذوق وتدفع إلى الخير وتهدي إلى البر. بصرك لا ترسله إلا إلى عبادة بالنظر في خلق السموات والأرض بتفكر..وفي سطور المصاحف وكتب العلم بتدبر..وفي بديع صنع الله بتذكر..وإلى الجمال أينما كان لتعرف فضل الله عليك في ذلك بتبصر.. لسانك في حلمات ذوقه تتنعم به بأطايب مارزقك الله من مطعوم ومشروب لتشكر.. وشمك لرياحين ما عطر الله به الكون من نعم الله لتعرف فضله بها على الناس فلا تكفر.. كل جوارح بدنك تقويها للعبادة بشمولها لتقوى وتنمو فلا تضوي ولا تضمر.. يدك لتكسب بها وتنفع فلا تضر ولا تبطش ولاتأسر ولا تبطر.. رجلك لتسعى بها في كون الله كله فهو لك ومن أجلك مخلوق مسخر.. بها كلها أنت في صلاة ما دمت تؤديها في أوقاتها، وبين كل ذلك أنت تعمل في معاشك وتذكر.. أفضل صلواتك هي كل عباداتك في كل حين وعلى كل حال وما تنتفع به وتنفع، إذ:الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله وأنفعهم لعياله(أبو يعلي). بدنك لكل ذلك بكل مكوناته أمانة تتحمل مسؤوليتها لترعاها وتصونها..لتكون عونك وأداتك للعبادة،لاتصلي حتى تطهر، وتتطهر مكانا وجسدا وبدنا ولباسا.. وتلك لك قوة وعافية وصحة وسلامة.. حركات صلاتك من قيام وركوع وسجود وجلوس لك قوة في عضلات جسدك ظاهرا وباطنا..تليين وتقويم لفقرات ظهرك..وليس ذلك إلا أضأل مقاصد الصلاة.. هي زينة تؤخذ لها بعد الطهارة..هي سعي إليها في أوقات معينة..وأنت بها في ذمة الله وحصانته كلما سعيت إليها وخصوصا في صلاة الصبح..والهواء منعش نقي..وكلما أبعدت المشي في نقل الخطى وتكثيرها كان لك قوة وسلامة ورياضة وجمالا وتقويما.. فماذا عن الصيام ؟ لا يصوم إلا صحيح معافى، سليم قادر على الصيام، وإلا فليفطر وليقض أو ليفد.. وإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.. وفي هذا يستشار طبيب موثوق بذمته وكفايته ..وإلا فذمة المؤمن دائمة كلها يقين وثقة، ولن يخون مؤمن ربه، ولن يخون أمانته وهو يعلم.. وهناك نصوص تدل على فائدة الصوم الصحية والنفسية:صوموا تصحوا الصوم زكاة البدن. والمهم هو سنة أبي القاسم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نطبقها في الصوم والفطر، والمهم أولا وآخرا هو أن نأكل ونشرب في غير إسراف .. وأن نجلس على الطعام ونحن نشتهيه، وأن نأكل لنعيش، ولا نعيش لنأكل ، وأن نتجنب البطنة والتخمة، وإدخال الطعام على الطعام في غير توقيت ولا نظام للوجبات .. وأن نأكل الحلال ومن كسب حلال.. وألا نفرط ولا نفرط.. وحينئذ يكون صيامنا وقاية لنا من اضطرابات المعدة، والتخمر و الحموضة والتسممات والتعفنات، ومن زيادة الوزن والسمنة الخطرة المؤدية إلى أنواع من الأذى: من ضغط سكري والتهاب كلي، وتورمات والتهاب مفاصل..إلخ. وأعود فأؤكد أن الأمر في كل ذلك يرجع إلى ذمة المؤمن الصائم.. واستشارة طبيب مؤمن صائم قائم، أو ثقة حي الضمير... والأهم في كل صوم وفطر اجتناب الشراهة والنهم، فما ملأ ابن ادم وعاء شرا من بطنه، وأنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده وصلبه، وإن كان ولابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.. والإسراف والشره والبطنة معناها: عسر الهضم واتساع المعدة وتمددها..وكسلها عن أداء وظيفتها، بل عجز الجهاز الهضمي كله عن أداء مهمته.. وفقدان الشهية والقيء والإسهال.. أو الإمساك والصداع.. وغير ذلك .. والصوم واق إن كان على ألسنة .. فإن صحبه إفراط وتفريط بتخل عنها وإخلال بها فقد غايته ..فنحن نصوم للتقوى والتقوي.. ذاك حكم الصوم وتلك حكمته..وذاك بناؤه لجسد الإنسان، وذاك تقويته لإرادته.. الزكاة نماء وزيادة الزكاة صدقة صدق وطهرة ونماء وزيادة وسكينة وسكن للفرد والمجتمع، إذا أخذت ممن يملك نصابها، أو أعطاها هو طيبة بها نفسه، وصرفت في مصارفها... فالزكاة تصرف للفقير والمسكين ليستعين بها على مطعمه ومشربه وكسائه ومالابد منه من دواء وعلاج ووقاية من داء ومرض وجهل وفقر ودين واحتياج على ما يحفظ كرامته.. من غير مَن ولا أذى .. بناء المستشفيات العامة والمتخصصة والإنفاق عليها وتجهزها وصيانتها والحرص على استمرارها في أداء ما أسست له من نفع الفقراء والمساكين من مصارف الزكاة لمن هداه الله .. الإنفاق على علاج المرضى غير القادرين على نفقاته.. وإجراء الجراحات الباهظة التكاليف لمن يحتاج إليها بالتأكيد، وبعد التأكد من حاله..من مصارف الزكاة.. والمهم هو أن الزكاة نماء وزيادة وطهارة من كل أدواء الأفراد والمجتمعات المادية والمعنوية..وهي سكن وسكينة في نفس الفرد والمجتمع، تطهرهما من الأمراض الظاهرة والباطنة، ومن الفتن ما استتر منها وما استعلن.. الحج منافع الحج لا يجب إلا على القادر صحة وعافية، ومالا وزادا ورحلة ونفقة عيال ، مع النهوض بجميع أركانه ووجباته وسننه ومستحباته، وكل مناسكه في كل أزمنتها وأمكنتها بدون مشقة لا تطاق، أو تؤدي إلى أذى في صحة وعافية لا يحتمل ولا يطاق الطواف يؤدى بقوة مع رمل في بعض أشواطه.. السعي يؤدي بقوة مع هرولة في مرحلة معينة من كل شوط لباس الإحرام خاص لا يطبقه إلا قوي قادر، وإلا فالعذر مقبول والتعويض بفدية أو صيام أو نسك حسب الاستطاعة.. الحج بالطهارة الظاهرة والباطنة الشاملة .. وذاك عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام (( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفيين والعاكفين والركع السجود) البيت الحرام الذي يحج إليه تعظيما..هو بيت مبارك طاهر لا يدخله إلا مبارك طاهر.. ومن دخله كان آمنا.. وأهم أمن الأمن على الصحة والنفس من كل داء وبلاء ووباء.. والحج تشهد فيه المنافع وتكتسب، ومنها حفظ الصحة الشاملة لكل حاج في بدنه ونفسه وماله ؛ حتى يعود بعد على وطنه سالما غانما.. الحاج يتطهر.. ولا يتزين ولا يترفه ولا يتعطر، ليتعود على القوة وعدم الضعف الذي تؤدي إليه الرفاهية الزائدة.. يبتعد عن شهوته المعتادة ليقوى على عدم الخضوع لسلطان جسده ونفسه الأمارة.. يقتصر على الضروريات ليعتاد على أن يكون إنسانا قويا لا يستسلم لشهواته وأهوائه.. كل أعمال الحج رياضات بدنية ونفسية معا تقوي البدن وتقوي الإرادة..إنها نوع من العيش الخشن في مدة معينة ليكون المؤمن الحاج ذاك الإنسان المؤمن الخير والأحب إلى الله، في كل حين وعلى كل حال، في الحج وإذا رجع.. إخوتي البررة الكرام: كان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يكثر من أن يدعو في كل صباح ومساء:اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري لا غله إلا أنت وقد قلت في البداية :إن التوحيد قوة في البدن وفي النفس وفي الروح..فاللهم إنا نسألك وأنت الله لا إله إلا أنت العافية، ولا يسأل سواك العافية ولا يعطي سواك العافية.. وأنت تحب أن تسأل العافية.. فإذا سألتم الله فاسألوه العافية... والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته...