قال محمد الحمداوي رئيس حركة التوحيد والإصلاح، إن الحركة دعوية، وليست حزبا سياسيا يمكن أن يتموقع في المعارضة أو المساندة الحزبية، وبالتالي يضيف الحمداوي في حوار مع «التجديد» فإن الموقع المناسب لفعلها والقيام بواجبها أقرب إلى أن يندرج في إطار الجمعيات المهتمة بالشأن العام والمنظمات غير الحكومية، التي أصبحت بمقتضى الفصل 12 من الدستور الجديد مدعوة للمساهمة في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها، كما أنه ألزم هذه المؤسسات والسلطات بتنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون. وأوضح أن الحركة وباقي مؤسسات المجتمع المدني المنطلقة من مرجعية إسلامية، سيكون عليها واجب « الدعم فيما هو إيجابي» و» النقد فيما هو سلبي». ● تفيد تجارب عدة دول أن النسيج المدني الحليف للأحزاب السياسية التي تشارك في السلطة تتأثر سلبا وإيجابا من تلك المشاركة، كيف تقرؤون هذه المعادلة؟ ●● في نظري، يرتبط هذا الانعكاس غالبا بطبيعة العلاقة التي تجمع العمل السياسي بحلفائه أو شركائه في المجتمع المدني. ففي كثير من الحالات يكون المشروع السياسي أو لنقل الحزب السياسي هو الأساس والمحور وتكون الجمعيات بمثابة هيئات موازية أو تابعة له أو أجنحة مساعدة وداعمة للتنظيم الحزبي من خلال حضورها في المجتمع، وفي هذه الحالات ورغم ما قد يوحي به تعدد الأشكال والتعبيرات فإنها تشكل في النهاية تجمعا وتكتلا واحدا يكون الفعل السياسي محركه الأساسي، وبالطبع فإن ما سينعكس على الفعل السياسي ستتأثر به هيئاته الموازية وغيرها من مؤسسات النسيج المدني المرتبطة به. أما في الحالات التي تتسم فيها العلاقة بقدر معتبر من التمايز وأحيانا بنوع من الفصل الذي تفرضه طبيعة الاختلاف بين الفعل السياسي والفعل المدني من حيث مجالات العمل والمستهدفين وأدوات التأثير وطبيعة المشتغلين والعاملين وذلك بالرغم من التقائهما في المشروع العام، فأظن أن التأثر سيكون أقل. وهناك عدة أمثلة في هذا المجال أذكر منها تجربة أحزاب الخضر في أوربا وجمعيات الحفاظ على البيئة، ففي هذا المجال، أي البيئة، يوجد متدخلون متعددون: مفكرون وأكاديميون وأيضا جمعيات وأحزاب ووزارات، وبحكم أن هناك تمايزا بين كل هذه الأطراف والهيئات رغم التقائها في الهدف العام فالذي حدث هو أن موضوع الحفاظ على البيئة غدا من الأمور ذات الحضور القوي في الفعل السياسي والفكري والمجتمعي لأوربا. وسواء كان حزب الخضر في الحكومة أو في المعارضة فإن موقعه لا يؤثر سلبا على حضور هذه القضية المركزية لأنها موضوع اشتغال أكثر من جهة بأشكال وتعبيرات متنوعة ومتعددة يتحقق فيها من التخصص والتمايز ما يغنيها. ولذلك أعتقد أن مستوى تأثر المجتمع المدني ونسيج مؤسساته يكون حسب طبيعة علاقته وعلى قدر ارتباطه وتبعيته للحزب السياسي. ● إذا كانت طبيعة التأثير ترتبط بطبيعة العلاقة، كما تفضلتم، فماذا عن علاقة الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، وهل ترون أن تلك الشراكة تسمح للحركة بأخذ مسافة كافية من تجربته في تدبير الشأن العام ومن تعثراتها الممكنة؟ ●● أولا، لا ينبغي فقط انتظار التعثرات، وإنما يجب كذلك استحضار الإنجازات التي يمكن أن تتحقق من خلال هذه التجربة الجديدة والفرص التي قد تتيحها وتنعكس إيجابا على الفاعلين في المجتمع المدني ومن بينهم حركة التوحيد والإصلاح. ثانيا، فيما يخص العلاقة التي تجمع بين الحركة والحزب، تجدر الإشارة إلى أن الصيغة التي توصلنا إليها جاءت بعد نقاش عميق حول الاختيار بين الفصل أو الوصل، وبعد دراسة مستفيضة ومسار طويل من التطور والتدرج في تنزيلها تطلب عقد ثلاث مجالس للشورى. لقد توصلنا إلى هذه الصيغة واصطلحنا عليها بالشراكة الاستراتيجية لأنها تمتاز بميزتين أساسيين: الميزة الأولى هي أنها تضمن إطارا جيدا للتعاون بين الهيئتين، كل من جهته، وكل في مجال اشتغاله وتخصصه. وبالتالي فإن هذه الصيغة بقدر ما تشكل آلية لتنسيق الجهود وتكاملها، بقدر ما تضمن تفادي تكرار الأعمال واستنساخها، أو هدر الطاقات وتشتيتها. الميزة الثانية هي أنها تضمن الاستقلالية التنظيمية للهيئتين، وتضمن الاستقلالية في اتخاذ القرارات والمواقف لكلا الهيئتين، بالشكل الذي يحرر كلا منهما من الارتهان للإكراهات أو الظروف أو الضغوط أو التحديات التي تواجه الأخرى. فحركة التوحيد والإصلاح تشتغل على ما يجب أن يكون، فيما حزب العدالة والتنمية يشتغل على ما يمكن أن يكون، وهذان المساران قد يجعلان الحركة تختلف مع الحزب في بعض المواقف التي قد يتخذها سواء كان في المعارضة أو في الحكومة، وبالتالي فإن الحركة كفاعل في إطار المجتمع المدني، تبقى متحررة في قراراتها ومواقفها من إكراهات الممارسة السياسية المباشرة وإكراهات تسيير وتدبير الشأن العام، وفي المقابل يبقى الحزب، كفاعل سياسي مباشر، كذلك متحررا في ممارسته لتدبير الشأن العام من إكراهات العمل الدعوي ومتطلباته. ومن هنا فإن هذه العلاقة بقدر ما توفر الإطار للتعاون بين الهيئتين، فإنها كذلك توفر المسافة الكافية والقدر اللازم من الاستقلالية بينهما. وعموما في حالة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية والمشتغلة في المؤسسات السياسية المنتخبة، فإن تقدمها لتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام كما يطرح فرصا جديدة للإصلاح ويفتح آفاقا أكبر للتأثير فإنه بالنسبة للحركات الإسلامية المدنية يطرح تحديات جديدة ومسؤوليات أكبر في تأطير المجتمع والانفتاح على نخبه وتحقيق التوازن بين المجتمع والدولة وتشكيل قوة فكرية وثقافية وقيمية لمواكبة تحديات الاشتغال في تدبير الشأن العام بحركة علمية اجتهادية وتجديدية ونقذية ثم التفاعل مع النقاش الفكري والقيمي والهوياتي الذي نعتبر أن التدافع حول قضاياه سيرتفع في المستقب، مما يفرض تعزيز استقلالية الهيئات المدنية وتطوير آليات الشراكة بينها وبين الفاعلين في تدبير الشأن العام، وفق الأنظمة الحديثة لتدبير علاقة المجتمع المدني بالسلطة، وهو أمر نجد أن الدستور الجديد وضع له آليات لما يسمى بالديموقراطية التشاركية والحكامة الجيدة تشمل كافة الفاعلين في المجتمع المدني دون إقصاء أو تمييز. ● من المتوقع أن يسود في المحيط الدعوي للحركة، بحكم ارتباط اسمها باسم حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة الجديدة، منطق يحمل الحركة جانبا من مسؤولية القرارات والسياسات التي ستتخذها الحكومة في مختلف المجالات؟ ●● بكل تأكيد، وسيحتاج منا هذا الأمر مجهودا تواصليا إضافيا ومجهودات من أجل القرب والفهم والتفهم كما كان الأمر من قبل وأكثر. لقد كان في محيط الحركة الدعوي دائما من يؤاخذ عليها ارتباطها مع حزب اعتبره البعض مجرد مؤثث للمشهد السياسي، وواجهتنا أسئلة من قبيل ماذا حقق الحزب بحضوره في المؤسسات، وما فائدة المشاركة السياسية في ظل الاستبداد والتحكم، وغير ذلك من الأسئلة المشككة في الاختيار والمسار والمنهج سواء خلال تجربة العمل التشريعي البرلماني، أو خلال مرحلة المشاركة في التسيير والتدبير المحلي من خلال الجماعات والبلديات ... وطبعا فإن منهجنا المبني على الوضوح والمسؤولية وإعمال آليات الحوار والشورى لاتخاذ القرارات اللازمة والمناسبة، كل هذا كفيل بأن يمنحنا من الجرأة والاستقلالية ما يمكننا التعبير عن مواقفنا وشرح اختياراتنا لمحيطنا القريب ولباقي الفاعلين والمهتمين، مع الحرص المطلق على عدم الحلول مكان الأخر في تحمل المسؤوليات. ● إذا كان الأمر كذلك فمن أي موقع ستدبرون المرحلة القادمة في ظل مشاركة حزب العدالة والتنمية الذي تمثل الحركة أحد حلفائه الاستراتيجيين؟ هل سيكون في اتجاه المعارضة الناصحة أو المساندة النقدية أو شيء آخر تتصورونه؟ ●● حركة التوحيد والإصلاح هي حركة دعوية، وليست حزبا سياسيا يمكن أن يتموقع في المعارضة أو المساندة الحزبية. وبالتالي فإن الموقع المناسب لفعلها والقيام بواجبها أقرب إلى أن يندرج في إطار الجمعيات المهتمة بالشأن العام والمنظمات غير الحكومية، التي أصبحت بمقتضى الفصل 12 من الدستور الجديد مدعوة للمساهمة في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها، كما أنه ألزم هذه المؤسسات والسلطات بتنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون. لقد نظم الدستور إذن هذه المسألة وفتح المجال واسعا أمام جمعيات المجتمع المدني للمساهمة من موقعها في قضايا الشأن العام. وبالتالي فهو يدفع في اتجاه حصول نقلة نوعية على هذا المستوى، وذلك بتجاوز عقلية الاحتجاج والاعتراض إلى مرحلة الاقتراح والمساهمة في إيجاد البدائل، وهذا ليس مقتصرا على الحركات والجمعيات فقط وإنما كذلك على العلماء والمفكرين والنخب. بمعنى أننا كحركة ونتصور أن الأمر نفسه لباقي مؤسسات المجتمع المدني المنطلقة من مرجعية إسلامية، حيث سيكون عليها واجب « الدعم فيما هو إيجابي» و» النقد فيما هو سلبي». ● هل يمكن أن نقول أن فوز العدالة والتنمية وترؤسه الحكومة لن يغير من منهج للحركة ومبادئها؟ ●● منهج الحركة قائم دائما على الوسطية والاعتدال، والتدرج والحكمة، والتدافع السلمي، والمشاركة الإيجابية والتعاون مع الغير على الخير، والتمسك بالشورى والديمقراطية في اتخاذ قراراتها. وهذا المنهج ثابت لا يتغير، أما ما يعرفه المغرب تحولات عميقة وما توفره المرحلة من معطيات جديدة فلابد أن يكون له أثر على مجالات عملها الاستراتيجية وأن يسهم في إعادة ترتيب الأولويات وتطوير طرق الاشتغال. وقد رأينا كيف بقيت الحركة أثناء الحراك المغربي وفية لمنهجها في الإصلاح ومنهجها في التدرج والوسطية والاعتدال، وكيف اختارت خيارها الذي سمته بالخيار الثالث وترجمته مع شركائها من خلال نداء الإصلاح الديمقراطي، والذي رامت من خلاله تحقيق الجمع بين تحقيق الإصلاح مع المحافظة على الاستقرار. ● هذا فيما يخص منهج الحركة وماذا عن إعلام الحركة وموقعه من كل هذا؟ ●● إعلام الحركة سيستمر في الدفاع عن مبادئها بمنطق التدافع السلمي والحضاري، وبمنطق الرؤية الواقعية للأمور والمعالجة الاجتهادية للقضايا طبقا لما يقتضيه فقه الواقع وتتطلبه المرحلة التي تمر منها بلادنا. ● إذن لن تكونوا بمثابة رقابة شرعية على الحزب؟ ●● لم نكن قبل الآن هيئة رقابة شرعية على الحزب ولن نكون كذلك في هذه المرحلة أيضا. سنستمر على نفس طريقة اشتغالنا، نعقد اجتماعات مكتبنا التنفيذي ونطرح المعطيات المتعلقة بأي قضية أو مستجد يحتاج منا إلى مدارسة وتعميق نظر لاتخاذ الموقف اللازم الذي قد يستدعي إدانة أو استنكارا أو إشادة وتنويها وتبليغه بالوسيلة المناسبة كإصدار بلاغ أو بيان أو إجراء اتصال أو غير ذلك. وعلى هذا المنهج الواضح والمسؤول سنستمر بإذن الله كما كنا دائما.