تبرز المواقف الأخيرة لعدد من الفعاليات المغربية تجاه المسلسل السياسي لما بعد اقتراع 25 نونبر عن حالة من التفاؤل الحذر والأمل الممزوج بالترقب مع الوعي بتحديات ومخاطر التحول السياسي الجاري في البلاد، وفي الوقت نفسه الإبقاء على مسافة نقدية إزاء التحالف الحكومي القادم ، ومدى قدرته على الاستجابة للتطلعات الشعبية وكسب تحديات مكافحة الفساد والتحول الديموقراطي، وذلك قبيل أسبوع حاسم في تاريخ ولادة الحكومة المقبلة . يمكن هنا الإشارة إلى مواقف كل من رجل الأعمال والناشط اليساري كريم التازي في ندوة أسبوعية "تيل كيل" الأخيرة حول مثلث السلطة في المغرب ورهانات حركة عشرين فبراير وخاصة موقفه من ضرورة التعاطي بموضوعية مع نتائج الانتخابات والتخلص من العدمية في قراءة التحولات الجارية، ثم مواقف الخبير الاقتصادي ادريس بنعلي في رسالته المفتوحة إلى قيادة العدالة والتنمية والمنشورة في يومية المساء التي أكد فيها على عدم إهدار الفرصة التاريخية وأن على قادة العدالة والتنمية أن يكونوا في الموعد، فالمغاربة يريدون أن يختبروا قدرتهم على إيجاد حلول ناجعة لمشاكلهم لتبعثوا الأمل في قلوبهم من جديد، هذا دون إغفال سلسلة مواقف صدرت عن شخصيات وفعاليات اقتصادية وثقافية ومدنية، بعضها لم يدخل بعد مغرب ما بعد 25 نونبر وبعضها الآخر كشف عن تكيف لافت ومراجعة نادرة لمواقفه، إلا أن قيادة التحالف الحكومي تبقى مطالبة بالإنصات جيدا للتطلعات والمخاوف بغض النظر عن مصدرها أو خلفياتها. نعم، ثمة خوف من أن تعرف هذه التجربة مآل تجربة التناوب الأولى، وهو خوف مشروع رغم الاختلاف الكبير في السياق التاريخي وموازين القوى وطبيعة الفاعلين سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع وكذا حجم الانتظارات مقارنة مع الإمكانات الدستورية والاقتصادية، لاسيما وأن التجربة الحالية تأتي في سياق حراك ديموقراطي عربي ومغربي ضاغط. إلا أن الخوف الأكبر هو إهدار فرصة تاريخية اجتمعت فيها أربعة عناصر: أولا، الدعم الملكي لمسلسل التحول وذلك على أساس من الدستور الجديد ، وثانيا قوة الشرعية الشعبية للتحالف الحكومي بعد كسب نزاهة اقتراع 25 نونبر، وثالثا حالة واسعة من التأييد الخارجي وخاصة القوى الدولية الأساسية على خلاف تجارب أحزاب ذات مرجعية إسلامية أخرى تعرضت للحصار، ثم رابعا حالة من الاستعداد الذاتي والجاهزية على مستوى الإدارة العمومية لدعم برامج الإصلاح، وكل ذلك من أجل بدء صفحة جديدة من تاريخ المغرب السياسي والاقتصادي. ما سبق يمثل مدخلا لدعم مسلسل المشاورات الحاسمة هذا الأسبوع، من أجل ترجمة التحالف المؤسس من الأحزاب الأربعة في مشروع حكومة تتوفر فيها شروط الفعالية والانسجام والربط للمسؤولية بالمحاسبة، وهو استحقاق صعب ويقتضي استشعارا جماعيا لحساسيته وأهميته في كسب باقي مراحل التحول في العمل الحكومي ومعه صيانة المكتسبات التي تحققت في تجارب الماضي.