يستمر الجدل السياسي الداخلي والخارجي حول دلالات فوز حزب العدالة والتنمية وهامش التغييرات المتوقعة بفعل قيادته المحتلة للحكومة المقبلة، وهو جدل في عمومه يبقى إيجابيا رغم ما يستطبن من نقد حاد في بعض الحالات للحزب ولبرنامجه، إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي، كما يمثل في حد ذاته أخد تجليات التحولات التي حملتها نتائج اقتراع 25 نونبر، ويعكس في العمق وجود هواجس من عدم النجاح في تحقيق الحد الأدنى من التطلعات الشعبية الكبرى. إلا أن المميز في الحالة المغربية مقارنة مع حالات مصر وتونس هو أن الخوف من عدم النجاح تجاوز هواجس التراجع عن المكتسبات الديمقراطية، حيث شهدنا عكس ذلك إثر انتخابات تونس، واليوم وبشكل مستفز إثر انتخابات مصر والتي تحول المشهد الإعلامي داخلها إلى مأتم كبير، وهو وضع يحتم الحذر من التعميم في التوقعات حول مآلات تجارب الثلاث بعد أن أخذت هذه الأخيرة تتباين وتتخذ مسارات مختلفة. مرد ما سبق الإشارة إليه من تباين هو وجود إطار دستوري قائم في المغرب يحكم الحكومة القادمة في مقابل أن تجربتي تونس ومصر معنيتان اليوم بصياغة هذا الإطار الدستوري وهو أمر تم تجاوزه هنا بشكل كبير، بمعنى أن بلادنا وضع في المرحلة التدافع الهوياتي والديموقراطي حول النص الدستوري والمحتدم في تلك الدول خلفها وذلك بعد الحسم الذي تم في يونيو الماضي وأفرز وثيقة دستورية تمثل أرضية صالحة لإنجاح التحول الديموقراطي بشرط نبذ التأويل السلطوي والتحكمي لأحكامه وتعزيز التدبير التشاركي لتنزيل مقتضياته، بغض النظر عن موقع الفاعلين في هذا التنزيل سواء كانوا في إطار التحالف الحكومي المقبل أو خارجه. ثمة تعاطي سطحي مع الإطار الدستوري الراهن يفرز في نهاية المطاف تحويل الحكومة المقبلة إلى مجرد حكومة تصريف أعمال جارية، وهو تعامل اختزالي بشكل حاد للوثيقة الدستورية وللتعييرات التي حملتها على مستوى دسترة مؤسسة مجلس الحكومة وللاختصاصات الموجودة على مستوى التعيينات وللدور الذي أصبح البرلمان مطالبا به على مستوى التشريع والرقابة، دون أن ينفي ذلك وجود فراغات سيكون للتأويل الديموقراطي دور حاسم في تجاوزها، مثل ما حصل مع التأويل الديموقراطي للفصل 47 بخصوص جعل تعيين الأمين العام للحزب الفائز في الانتخابات، وللعلم فمثل هذا التعاطي طغى في قراءات سياسية سابقة على الانتخابات واستبعد بشكل شبه كلي إمكانية الفوز الانتخابي الكبير للإسلاميين كما استبعد تعيين الأمين العام للحزب رئيسا للحكومة و لا يستبعد أن يكون قد فوجئ أيضا بأداء القسم من قبل رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة، مما يدل على عدم تحرر أصحاب هذا التعاطي السطحي سواء كانوا في بعض دوائر النفوذ أو مؤسسات التحليل من مقولات مرحلة التحكم السلطوي، والتي ألغت كلية دور الشعوب في التغيير، كما استهانة بقوة التفاعل الملكي مع إرادة التغيير المتنامية في الشعب المغربي. تتجلى في المغرب اليوم معالم طريق سياسي يتحرر من منطق التحكم ويقاوم كل عودة له، وما يوفره الإطار الدستوري الحالي من إمكانات في القرار والتدبير وتعزيز التعاون بين الملكية وباقي السلط وخاصة منها التنفيذية يضع أفقا ديموقراطيا واعدا، ينأى بالمغرب عن أي توتر مفتعل يجري الترويج له من قبل بعض المحللين، ولعل في التأويل الديموقراطي للفصل 47 مؤشر دال وإيجابي يدفع في تعزيز منطق التعاون المشار إليه والذي يمثل ضمانة لأن تكون الحكومة الحالية حكومة التغيير والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، والمواجهة الشجاعة لمعضلات الحكامة الجيدة .