ثمة حاجة للتأكيد على الفرق البين بين المراجعة الدستورية الحالية وسابقاتها من المراجعات الأربع التي تمت فضلا عن الدستور الأول، باعتبار أن الوعي بهذا الفرق يمثل عنصرا محددا في الإطار الحاكم للتدبير السياسي لمرحلة ما بعد دستور 2011، وفي التعاطي مع التحديات سواء منها الانتخابية أو الاحتجاجية أو السياسية العامة له. من الناحية التاريخية، عرف المغرب سلسلة مراجعات دستورية شكلت في مجموعها أجوبة المؤسسة الملكية على أزمة العلاقة مع النخبة السياسية الحزبية المنبثقة من الحركة الوطنية، حيث كانت الوثيقة الدستورية تعكس سعيا لحسم الصراع حول الشرعية وضمان استجابة القوى الحزبية للانخراط في الإطار المؤسساتي للعمل السياسي المقترح من قبل الملكية دون أن يفقد النص الدستوري جوهره التحكمي، والذي تتحول معه الملكية إلى فاعل مباشر في السياسات الحكومية التنفيذية والمبادرات التشريعية، مما أدى إلى فشل التجارب الدستورية الخمس منذ 1962 وإلى غاية 1996 في أن تمثل مدخلا لتأسيس ديموقراطية مغربية فعلية. ورغم وجود دعوات للمراجعة الدستورية مع اعتلاء الملك محمد السادس للعرش في يوليوز1999 إلا أن تدبير الحياة السياسية ولاسيما بعد سنة 2002 كان يتجه في المسار المغاير ثم تسارع بعد 2007 من خلال السعي لاستنساخ تجربة الحزب السلطوي المهمين والمحاط بتعددية شكلية مع التضييق بغرض الإقصاء الناعم على حزب العدالة والتنمية ذي الخلفية الإسلامية، في إعادة إنتاج فج لنموذج الحالة المصرية وقبلها التونسية وذلك بعد الانتخابات المغربية النيابية ل 2007، مما رفع تدريجيا من حالة الاحتقان السياسي وتقوت مطالب الدعوة لمراجعة الإطار السياسي والدستوري باعتباره المدخل لتجاوز أزمة الثقة في السياسة وإنهاء آليات التحكم السلطوي، إلا أن الاستجابة المؤسساتية لذلك لم تتحقق إلا بعد انطلاق حركة الثورات الديموقراطية العربية والبروز الواضح لفشل الرهان على الحزب السلطوي في ضمان الاستقرار وتحقيق التنمية، بل على العكس من ذلك ظهر أن مثل هذا الرهان ليس سوى عاملا لتغذية الاحتقان وتهيئة شروط التغيير الجذري للأوضاع وإفقاد الثقة في الأنظمة في قدرتها على إنجاز الإصلاح، كما حدث في الحالة المصرية عقب انتخابات نونبر 2010 والتي فاز فيها الحزب الوطني الديموقراطي، الحاكم آنذاك والمنحل بعد الثورة، بالأغلبية الكاسحة. من هنا ينبغي النظر إلى المراجعة الدستورية الأخيرة كمؤشر لتصحيح مسار سياسي انحداري خاصة ونقطة فارقة إزاء المراحعات الدستورية، لما تمثله من تركيز لجواب المؤسسة الملكية على حركة المد الديموقراطي العربي وتأثيراتها المتعددة على الداخل المغربي، ومن تعبير على الانخراط في مسلسل انتقال ديموقراطي فعلي وليس تحكمي يوظف الوثيقة الدستورية لإيجاد المسوغات. لقد دخل المغرب مرحلة سياسية جديدة تضعه في موقع التفاعل الاستباقي مع حركة المد الديموقراطي، ويمكن اعتبار ما جاء في مشروع المراجعة الدستورية الحالية خطوة في طريق التطور الديموقراطي، إلا أنها تبقى غير كافية وتواجهها تحديات تعزيز الثقة في مسار الإصلاح بتصفية المناخ السياسي والحقوقي، وتحضير لانتخابات نزيهة وشفافة ومراجعة الدولة لسياساتها بشكل جذري إزاء القوى الفاعلة خارج الفضاء المؤسساتي وذلك بتجسيد روح المراجعة الدستورية وما عكسته من سعي نحو وضع المغرب على طريق حكومة منتخبة وبرلمان فعلي وقضاء مستقل وحكامة جيدة تحقق ربط المسؤولية بالمحاسبة، واستيعاب هذه المعادلة والإلتزام بها هو الكفيل لوحده بجعل المشاورات حول الإطار القانوني للانتخابات القادمة مشاورات منتجة وخادمة للتحول الديموقراطي وليس العكس.